نصر منقوص في معركة مصنع الصلب
- الخسائر الفادحة في الأرواح تبعد اتفاق سلام في أي وقت قريب
- واشنطن تعد حزمة مساعدات أمنية جديدة بقيمة 800 مليون دولار لأوكرانيا
- طرد 120 دبلوماسيا روسيا من أمريكا وأوروبا.. والكرملين: تصرف " ضيق البصيرة"
لم تنفع العقوبات على روسيا، ولم تشفع أيضا "الأيام المقدسة" لهدنة إنسانية تضع فيها الحرب الروسية على أوكرانيا أوزارها لأيام معدودات، حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى هدنة لمدة أربعة أيام في الأسبوع المقدس، بداية من يوم الخميس المقدس حتى عيد الفصح الأحد 24 أبريل، وقال غوتيريش إن "نداء عيد الفصح من أجل أوكرانيا" سيسمح بفتح ممرات إنسانية، وأضاف: "بدلاً من الاحتفال بحياة جديدة، يتزامن عيد الفصح هذا مع هجوم روسي في شرق أوكرانيا،ويتم الاحتفال بأسبوع الآلام تحت سحابة حرب تمثل الإنكار التام لرسالة عيد الفصح"، ولكن "من المحتمل أن ترغب روسيا في إظهار نجاحات كبيرة قبل احتفالاتها السنوية بيوم النصر في التاسع من مايو. وقد يؤثر ذلك على مدى سرعة وقوة محاولتهم إجراء العمليات في الفترة التي تسبق هذا التاريخ"، فماذا تحمل الأيام من أحداث، وأين ستتجه؟
مصنع الصلب
يبدو أن الاحتمال الثالث، الاحتفال بيوم النصر هو الأقرب للتحقق، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر قواته، يوم الخميس - خميس العهد-، بعدم اقتحام آخر معقل أوكراني متبق في مدينة ماريوبول المحاصرة واغلاقها "بحيث لا تمر حتى ذبابة من خلالها".
وهنأ بوتبن وزير الدفاع سيرغي شويغو على نجاح العملية في ماريوبول، مشيرا إلى أنه "لا حاجة لاقتحام المنطقة الصناعية فيها "، وأكد أن روسيا "تضمن عدم التعرض والتعامل باحترام مع القوات الأوكرانية التي تغادر منشأة أزوفستال"، وفق ما نقلت "رويترز".
وقال شويغو لبوتين إن مصنع الصلب مترامي الأطراف "آزوفستال" حيث تتحصن القوات الأوكرانية في مكان "مغلق بشكل آمن"، مضيفا أن بقية المدينة "تم تحريرها"، وهو ما اعتبره بوتين "نجاحا".
ومع أن استمرار سيطرة الأوكرانيين على المصنع يحرم روسيا من إعلان النصر الكامل في ماريوبول، إلا إن الاستيلاء على المدينة يمثل أهمية استراتيجية ورمزية معا.
ووجهت روسيا إنذارا جديدا للمقاتلين الأوكرانيين الذين ما زالوا محتجزين في ماريوبول من أجل الاستسلام.
وقال مستشار رئاسي أوكراني إن روسيا قصفت مصنع آزوفستال للصلب، المعقل الرئيسي المتبقي في ماريوبول، بقنابل خارقة للتحصينات.
كذلك أفاد قيادي في قوة مشاة البحرية الأوكرانية بماريوبول: "ربما نواجه أيامنا إن لم يكن ساعاتنا الأخيرة"، مناشدا في تسجيل مصور نشره على فيسبوك إخراجهم من المكان.
وأشار سيرغي فولينا من لواء مشاة البحرية 36 الذي يتحصن في مصنع آزوفستال إلى أن "العدو يفوقنا عددا بمعدل عشرة الى واحد"، مضيفا في مقطع فيديو: "نناشد ونلتمس من جميع زعماء العالم مساعدتنا"، متابعا "نطلب منهم استخدام إجراء إخراج القوات ونقلنا الى منطقة تابعة لطرف ثالث".
وأوضح فولينا أن القوات الروسية تتمتع "بأفضلية في الجو وسلاح المدفعية والقوات على الأرض والمعدات والدبابات"، لافتا إلى أن القوات الأوكرانية "تدافع فقط عن هدف واحد مصنع آزوفستال، حيث يوجد بالإضافة إلى العسكريين مدنيون وقعوا ضحية لهذه الحرب"، حسبما نقلت "فرانس برس".
يشار إلى أن أوكرانيا كانت قد عرضت على روسيا إجراء مفاوضات غير مشروطة في مدينة ماريوبول المحاصرة، وتقول إن الهدف إنقاذ المحاصرين.
وقال كبير المفاوضين الأوكرانيين والمستشار الرئاسي ميخايلوبودو لياك في تغريدة على تويتر، إن أوكرانيا مستعدة لجولة خاصة غير مشروطة من المفاوضات. مشيرا إلى أن هدف المفاوضات المقترحة، إنقاذ المحاصرين.
من جهته، قال رئيس جمهورية الشيشان والحليف الوثيق للرئيس الروسي فلاديمير بوتن، رمضان قديروف، إن القوات الروسية ستسيطر تماما على مصنع أزوفستال للصلب في ماريوبول يوم الخميس.
كراماتورسك
قالت وكالة الاستخبارات البريطانية، إن القوات الروسية تتقدم نحو مدينة كراماتورسك في إقليم دونباس، مشيرة إلى أنها تكثف من هجماتها الصاروخية.
ووفقا لتصريحات عسكرية بريطانية تتواصل المستويات العالية من النشاط الجوي الروسي مع سعيها إلى تقديم دعم جوي وثيق لهجومها في شرق أوكرانيا، ولقمع وتدمير قدرات الدفاع الجوي الأوكرانية.
حالة ترقب في كييف مع بدء معركة دونباس.
وبحسب وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إن مرحلة جديدة من القتال في أوكرانيا قد بدأت، وستكون "لحظة مهمة للغاية لهذه العملية الخاصة برمتها".وتهدف هذه العملية في شرق أوكرانيا، حيث تم الإعلان عنها منذ البداية لتحرير جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك بالكامل.
واعتبرت واشنطن أن الحرب الروسية بدأت فصلا جديدا، بانتشار جديد للقوات الروسية في أوكرانيا وصرح مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، إن ثلثي القوات الروسية التي انسحبت من محيط العاصمة الأوكرانية كييف يُعاد تجهيزها في بيلاروسيا، في حين تتوقع إدارة الرئيس الأمريكي إعادة تجميع تلك القوات في شرق أوكرانيا، معتبرة تلك التحركات "بداية فصل جديد من الحرب".
وأضاف المسؤول في إفادة صحفية أوردها "البنتاجون": "نعتقد أن ثلثي القوات الروسية التي انسحبت من كييف يوحدون أنفسهم في بيلاروسيا لإعادة نشر الجنود في أوكرانيا".
وتابع: "هذا يعني أن نحو ثلثي القوات الروسية التي استخدمها الرئيس فلاديمر بوتين، لغزو جارته لا تزال قريبة من كييف"، ولم يفصح المسؤول عما إذا كانت المجموعات القريبة من الوحدات الروسية المتبقية ستنسحب للانضمام إلى القوات الأخرى المتواجدة بالفعل في بيلاروسيا.
وأكد المسؤول أن واشنطن تعتقد أنه "سيُعاد تجهيزها وإمدادها، وربما يتم تعزيزها بجنود إضافيين، ثم يُعاد إرسالها إلى أوكرانيا لمواصلة القتال في مكان آخر"، متوقعاً إرسال هؤلاء إلى الجزء الشرقي من البلاد في إقليم دونباس.
وكان بوتين نشر أكثر من 125 مجموعة تكتيكية من الكتائب في أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، وبالنظر إلى جميع أنحاء البلاد، لا تزال أغلبية هذه الوحدات موجودة.
نقطة تحول
في السياق ذاته، توقع مسؤولو الإدارة الأميركية أن يمثل الانسحاب الروسي من كييف، وإعادة تجميع القوات الروسية شرقي أوكرانيا "بداية فصل جديد من الحرب".
ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، فإن انسحاب روسيا الواضح من كييف والتراجع في مناطق أقصى شرق أوكرانيا أحدث علامة على أن الحرب في "نقطة تحول"، وهو ما يعتقد المسؤولون الأميركيون أنه "قد ينذر بقتال أبشع مستقبلاً".
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، قال:"إن التقييمات الأميركية الجديدة تشير إلى أن روسيا "تراجع أهدافها الحربية في مواجهة معارضة كبيرة".
وأضاف أن "المؤشرات تشير إلى أن روسيا ستسعى لمحاصرة القوات الأوكرانية وسحقها شرقي أوكرانيا"، مشيراً إلى أن التقييمات الأميركية تشير إلى أن روسيا تستعد لنشر "عشرات المجموعات التكتيكية وكتائب إضافية من عشرات الآلاف من الجنود شرق أوكرانيا".
وتابع: "يجب ألا نتوهم أن روسيا ستعدل تكتيكاتها، ومن المرجح أن تستمر في تضمين الهجمات الوحشية على أهداف مدنية".
ورجح سوليفان أن تواصل موسكو شن ضربات جوية وصاروخية في مدن مثل كييف وأوديسا وخاركوف ولفيف، حيث تعيد التركيز على الأهداف في الشرق، مؤكداً أن نية بوتين "هي إحداث أضرار عسكرية واقتصادية والتسبب في الإرهاب".
وذكرت "نيويورك تايمز" نقلاً عن مصادر قولها، إن "قرار موسكو إعادة تركيز جيشها في دونباس، شرق أوكرانيا، من المرجح أن يكون دقيقاً، ولكن في الغالب لأنه من بين الخيارات القليلة التي تملكها القيادة العسكرية الروسية".
وقال لورانس فريدمان، أستاذ دراسات الحرب في جامعة "كينجز كوليدج لندن"، إن "الروس يعدلون أهدافهم وفق واقع الحرب، فالتركيز على دونباس، ربما كل ما يمكنهم فعله"، مشيراً إلى أن "الجيش الروسي فقد حوالي 2000 قطعة من المعدات التي تم تدميرها أو الاستيلاء عليها أو التخلي عنها، بما في ذلك حوالي 350 دبابة".
المدد الأمريكي
شدة توتر الحرب على أوكرانيا وعدم انصياع روسيا للعقوبات الاقتصادية، دفع بالولايات المتحدة لاتخاذ حزمة من العقوبات الجديدة على روسيا، وكذلك المساعدات الإضافية لأوكرانيا، وقالت مصادر بالإدارة الأمريكية، لشبكة CNN، إن واشنطن تعد حزمة مساعدات أمنية جديدة بقيمة 800 مليون دولار لأوكرانيا.
وإذا تمت الموافقة على الحزمة الجديدة البالغة 800 مليون دولار، فستعني أن الولايات المتحدة قد خصصت ما يقرب من 3.4 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي في 24 فبراير.
وقال مسؤولو الحكومة الأمريكية إن إدارة بايدن تعمل على إيصال المساعدة الأمنية لأوكرانيا في أسرع وقت ممكن لأنهم يعتقدون أن الحرب في مرحلة حرجة وأن استمرار المساعدة الأمريكية يمكن أن يحدث فرقًا عندما يبدأ هجوم روسيا الأكثر عدوانية في شرق أوكرانيا.
ونظرا لطبيعة التضاريس في تلك المنطقة فيفضل استخدام المدفعية، ولهذا السبب أعطت الإدارة الأمريكية الأولوية للحصول على هذه الأنواع من الأسلحة بسرعة مع انتقال القتال بعيدًا عن كييف إلى منطقة دونباس.
وتقع المنطقة أيضًا على حدود روسيا، مما يسمح للقوات الروسية بالحفاظ على خطوط إمداد أقصر لازمة لمواصلة الهجوم.وتقاتلت أوكرانيا وروسيا في دونباس على مدار السنوات الثماني الماضية، مما يجعلها منطقة مألوفة لكلا القوتين.
طرد الدبلوماسيين
على جانب آخر وفي سعيها لتضييق الخناق على موسكو دبلوماسياً، استعملت الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية، طرد الدبلوماسيين كسلاح ضد موسكو، في إطار الرد على الغزو الروسي لأوكرانيا كأداة إضافية مع سلاح العقوبات الاقتصادية.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا طردت الدول الغربية عشرات الدبلوماسيين الروس بذرائع مختلفة من "التجسس" إلى "مسائل تتعلق بالأمن القومي"، في حين ردت موسكو على كل خطوة لطرد دبلوماسييها بالتوعد بخطوات مماثلة، وحذرت من "التأثير المدمر" للطرد على العلاقات مع تلك الدول.
وتيرة طرد الدبلوماسيين الروس من أوروبا تسارعت في أعقاب التقارير الواردة عن "جرائم حرب" نُسبت إلى القوات الروسية وشملت إعدام مدنيين في مدينة بوتشا الأوكرانية.
وانضمت إسبانيا، والدنمارك، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، أخيراً إلى قائمة الدول التي طردت دبلوماسيين أو أعلنتهم "غير مرغوب فيهم".
الكرملين بدوره، على لسان المتحدث باسمه ديميتري بيسكوف، قال: إن تلك الإجراءات تعبر عن "ضيق البصيرة" الأوروبية، إثر طرد أكثر من 120 دبلوماسياً روسياً، واعتبر بيسكوف أن الإجراء "أمر مؤسف"، مضيفاً أن "الحدّ من فرص التواصل على الصعيد الدبلوماسي في هذه الظروف الصعبة" ينمّ عن "ضيق بصيرة من شأنه أن يعقّد أكثر" العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي.
الحل الوسط
من جانبه، قال روب لي، الخبير العسكري الروسي والزميل الأول في معهد أبحاث السياسة الخارجية إن "أوكرانيا لديها الزخم في الوقت الحالي، ومن غير المرجح أن تقدم تنازلات".
وأضاف: "بعد اكتشاف الفظائع في بلدة بوتشا، أعتقد أن التنازلات أقل احتمالاً. القضية بالنسبة لروسيا ستكون، كلما زاد عدد الضحايا، كان من الصعب تقبل حل وسط".
ولفت إلى أن "القوات الأوكرانية قد تتمكن من إعادة الانتشار في الجزء الشرقي من البلاد بشكل أسرع من قدرة روسيا على إعادة توزيع الأصول التي تسحبها من كييف، لكن أوكرانيا ليس لديها سيطرة عملياتية ساحقة على أجوائها، ولا الاستخدام الكامل للآلات الروسية التي استولت عليها لدعم عمليتها العسكرية".
في المقابل، قال مايكل كوفمان، الخبير العسكري الروسي في وكالة الأنباء المركزية CNA، وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن: "بدون تعبئة وطنية، هناك قيود صارمة للغاية على ما هو متاح من حيث القوة القتالية".
وأضاف: "السبيل الوحيد للخروج بالنسبة لبوتين، هو إجراء تحول هائل في السياسة، من خلال الاعتراف للشعب الروسي بأن الهجوم الأوكراني ليس عملية خاصة، كما زعم، ولكنه غزو كامل".
وتابع: "سيكون أمام القيادة السياسية الروسية خيار مهم للغاية. لا يمكنهم الاستمرار في الغزو باعتباره عملية خاصة".
وتسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، في مقتل الآلاف من الجانبين، إذ أثارت صور القتلى والمناطق المدمرة والمقابر الجماعية في بلدة بوتشا في كييف، غضباً دولياً باعتبارها "جرائم حرب".
وفي هذا الصدد أشار مراقبون إلى أن الخسائر الفادحة في الأرواح "تجعل من غير المحتمل أن يكون أي من الجانبين على استعداد للتوصل إلى اتفاق سلام في أي وقت قريب".
-------------------------
تقرير- آمال رتيب
من المشهد الأسبوعي