01 - 07 - 2025

أزمة أوكرانيا: سيناريوهات كابوسية لأوروبا تتضمن ارتفاعا قياسيا للغاز وبرميل نفط بـ 300 دولار

أزمة أوكرانيا: سيناريوهات كابوسية لأوروبا تتضمن ارتفاعا قياسيا للغاز وبرميل نفط بـ  300 دولار

ألمانيا تحدد زجاجة زيت وكيلو دقيق لكل فرد.. وأوروبيون: الأوقات العصيبة لم تأت بعد!
* أسعار الغاز تتضاعف وموجات الصدمة تدير بوصلة الكبار باتجاه النووي والصغار بالعودة للفحم
- د. إبراهيم جلال: غزو أوكرانيا يمثل فرصة لتسريع تحول أوروبا إلى مصادر الطاقة المتجددة
- رينيهباوتس: أوروبا ستُواجه صعوبة في الاستغناء عن الغاز الروسي في الشتاء المقبل وشمال إفريقيا طوق النجاة

تعيش القارة الأوروبية هذه الأيام وضعا اقتصاديا صعبا؛ نتيجة تضخم ومشاكل في سلاسل التوريد حركتهما جائحة كورونا؛ وفاقمتهما الحرب في أوكرانيا وما يرتبط بها من تداعيات جيوسياسية واقتصادية.

ومع تفاقم الوضع في أوكرانيا وعدم وجود نهاية في الأفق، ستتأثر أوروبا بشكل عام بشكل مباشر وغير مباشر على عدة مستويات، بالنظر إلى الروابط الاقتصادية القوية مع روسيا وأوكرانيا.

وفي هذه المرحلة، تعاني أوروبا من أكبر التداعيات الاقتصادية، وكلما طال أمد الحرب في أوكرانيا، زاد التأثير السلبي على الاقتصاد الأوروبي على الأرجح، إذ تعتمد دول التكتل الأوروبي بشكل كبير على الطاقة الروسية، وعلى الرغم من أن جميع البلدان بدأت بالفعل منذ فترة في التحول إلى المصادر المتجددة، إلا أن معظمها لم يكن بالسرعة الكافية، وفي الوقت الذي يفكر فيه الثلاثة الكبار (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) في الإسراع بالاعتماد على الطاقة النووية، قد تضطر دول شرق أوروبا إلي النظر إلي محطات الفحم المتوقفة لإعادة تشغيلها.

سادت حالة من القلق الشديد في القارة الأوروبية، خاصة في الأوساط الاقتصادية، وذلك في أعقاب بدء الغزو الروسي الواسع لأوكرانيا، حيث يتوقع أن تؤدي هذه الحرب إلى جملة من التبعات الاقتصادية والآثار المؤلمة التي قد تهز القارة الأوروبية بأكملها، خاصة إذا طال أمد الحرب.

وحذر اقتصاديون أوروبيون من أن إطالة أمد غزو روسيا لأوكرانيا سيؤدي إلى ارتفاع حاد في التضخم، على الرغم من ارتفاع تكلفة المعيشة التي وصلت بالفعل إلى أعلى المستويات منذ ثلاثة عقود، بحسب تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، 

ونظراً لأن روسيا هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم وثاني أكبر مصدر للنفط، فإن المخاطر كبيرة في الاقتصاد العالمي، وهي مخاطر تعيد إلى الأذهان حرب أكتوبر التي اندلعت بين العرب وإسرائيل في العام 1973، والتي أدت إلى انعكاسات كبيرة على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك أسواق الطاقة.

الفخ الأمريكي

يرى الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم جلال الأثر مضحكا على أوروبا، ويوضح: يفتقد الاتحاد الأوروبي حتى الآن موقفا متناسقا وواضحا تجاه الأزمة التي وقع فيها أو الفخ الأمريكي لروسيا وكانت ضحاياه أوروبا والعالم، خاصة دول الاتحاد الثلاث الكبرى؛ ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وفشلها في اتخاذ قراراتها، إما بدون تنسيق مع باقي الدول الأوروبية، أو بما يحقق مصالحها الداخلية، أو توازن مصالحها مع روسيا. وهو ما أثار غضب دول الاتحاد في شرق أوروبا وذبذب ثقتها في سياسات دول غرب أوروبا وقدرتها على التعامل مع التهديد الروسي.

إذا موقف كل دولة من الدول الثلاث في الأزمة، كأكبر ثلاثة لاعبين في أوروبا، تقوض موقف الأخرين، هذه مشكلة، أما الأخرى فهي أن مع كل أزمة جديدة في أوروبا، يتزايد ضعف الولايات المتحدة وتتراجع هيمنة نظامها العالمي، ولا يمكن حتى الآن معرفة ما النظام الذي سيحل محله.

ورغم تضاؤل الدور الجيوسياسي للتكتل في المواجهة مع روسيا، إلا أن مراقبين يرون أن الأزمة قد توفر حافزا لتقوية الوحدة الأوروبية، وهو ما لا نراه صائبا، فهم في انحدار لعدم قدراتهم على الاعتماد الذاتي بدليل انهيارهم أمام الغاز الروسي، ثم يأتي حاليا اعتمادهم على أمريكا التي لا صديق لها وستفعل معهم إذا احتاجت مصلحتها كما فعلت بأفغانستان.

ويضيف د. إبراهيم: ثانياً: تستورد أوروبا 40 ٪ من النفط والغاز من روسيا، وعلى خلفية العقوبات اوقفت رأس المستوردين ألمانيا خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2"،بقيمة 9.9 مليار يورو، وهو خبر سار من الناحية البيئية، فإن روسيا لن تتضرر بالسرعة الكافية، لأن خط الأنابيب لم يدخل مرحلة التشغيل بعد.

وهو قرار قد يؤثر على المدى البعيد في البيئة الأوروبية، والتي كانت ألمانيا تخطط للاستغناء عن محطات نووية ليحل مكانها الغاز.

ولعل المخاوف من انعدام أمن الطاقة أدت إلى أن جهات أجنبية ومعنيين بالأمر محليا بدأوا يعيدون النظر في عملية التخلص التدريجي من مفاعلات الطاقة النووية ووفق تقرير موقع "يورونيوز" أنه إذا قطع الاتحاد الأوروبي علاقاته مع روسيا وتم وقف استيراد الغاز فإن عددا من الحكومات الأوروبية قد تضطر إلى العودة للوراء بتفعيل محطات الفحم المتوقفة،

وفي ظني أنه ليس أمام القارة العجوز سوى اللجوء إلى الطاقة النووية، كما سيكون وقتا مناسبا لمُصدّري الغاز الطبيعي المسال في امريكا.

ولهذا رأى بعض القادة الأوروبيين أن غزو روسيا لأوكرانيا يمثل فرصة لتسريع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك المحطات النووية التي تمثّل طاقة بديلة نظيفة، لنجد ارتفاعا في توليد الكهرباء بالطاقة النووية بنسبة 6% في عام 2021 مقارنة بعام 2020 وكان أكبر مساهم في توليد الكهرباء في أوروبا منذ عام 2014.

لكن المشكلة أن العديد من محطات الطاقة النووية وصلت إلى نهاية دورة حياتها ومن المكلف إعادة بنائها، إذ يبلغ عمرها التشغيلي نحو 40 عامًا، وهو ما يمثل ضغطا، بل عبئا على الخزائن الأوروبية.. وبالتالي انهيار لعملة اليورو.

الأوقات السيئة

وفق تحليل لمؤسسة "تريدوس" لإدارة الاستثمارات؛ فمن المتوقع أن يستفيد المصدرون للسلع الأساسية من ارتفاع أسعار السلع في الفترة المقبلة، ولاسيما أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا؛ فيما سيعاني مستوردو السلع، لا سيما في أوروبا، وإذا استمر الصراع لفترة طويلة، فسوف تستمر ضغوط التضخم العالمية في الازدياد، ما يؤثر على القوة الشرائية للمستهلكين، 

وفي تحليل لوكالة رويترز، فإن الأوروبيين يواجهون الآن ضررًا كبيرا لمستوى المعيشة، حيث أدى الصراع في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء ويهدد بتقويض الانتعاش الاقتصادي الهش.

وأدى ارتفاع أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية نتيجة للحرب وقرار الولايات المتحدة حظر واردات النفط الروسي، إلى أكبر قفزة أسبوعية في أسعار البنزين في بعض محطات الخدمة في جميع أنحاء أوروبا، مما دفعها في بعض الحالات إلى أكثر من 2 يورو للتر (8.25 دولار للجالون).

وقال أليخاندرو أوترينو، وهو متقاعد يعيش في مدريد، لـ"رويترز"، "المشكلة ليست في السعر المنتظر غدا، ولكن كم سيكلف (البنزين) بعد 15 يومًا من الآن (في ظل استمرار الحرب).. نعتقد أنه سيكلف أكثر بكثير، أعتقد أن الأوقات السيئة لم تأت بعد".

وقال جونثرشنابل، أستاذ الاقتصاد بجامعة لايبزيغ الألمانية، "هناك ضغط طبيعي على البنوك المركزية للإبقاء على توقعات (التضخم) منخفضة، لكن البنوك تخاطر في الوقت نفسه بفقدان المصداقية".

وفي ألمانيا، قدرت منظمة السيارات الألمانية (ADAC) أن أسعار الديزل ارتفعت بنسبة 28٪ في ستة أيام بداية من 1 مارس. كما ارتفعت أسعار زيت التدفئة مع زيادة مشتريات مالكي المنازل من الزيت، الذي لا يزال يستخدمه العديد من الألمان لتدفئة منازلهم.

وهو ما أيده الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة، بأن الحرب الروسية الأوكرانية تؤثر على العالم كله، لذا تأثر الاتحاد الأوروبي الذي دعا لأول مرة للتقشف، وارتفع التضخم من 17% إلى 20%، موضحا أن ألمانيا دعت مواطنيها للتقشف بعد 6 أسابيع فقط من بدء الحرب الروسية الأوكرانية، لافتا إلى أن الحكومة الألمانية لأول مرة في تاريخها أوضحت أن للمواطن زجاجة زيت واحدة وكيلو دقيق واحد.

الشتاء المقبل

وفي الوقت الذي تريد فيه الولايات المتحدة الاستغناء عن الهيدروكربونات الروسية، لا يخفي رينيه باوتس، الرئيس التنفيذي لشركة غازنات السويسرية ورئيس مركز الغاز العالمي، مخاوفه على أوروبا وسويسرا، ويقول: ارتفعت أسعار الغاز بمقدار 12 مرة في سويسرا، وهذا رقم قياسي لم يسبق أن سُّجل من قبل، فقد ارتفعت الأسعار لتصل إلى 345 يورو لكل ميجاواط في الساعة بدلاً من 30 يورو في المتوسط. ومع ذلك، لا يزال لدى أوروبا ما يكفي من الغاز. فالمخزون ممتلئ بنسبة 30%. ولا تزال روسيا توفر إمدادات قدرها 250 مليون متر مكعب من الغاز كل يوم. لذا، فإن الارتفاع الحاد في الأسعار هو شكلي في المقام الأول. فالطقس ليس بتلك البرودة ودرجات الحرارة آخذة في الارتفاع مع قدوم الربيع. ثم إن توقعاتنا تشير إلى أن الأسعار سترتفع إلى حد كبير خلال هذا الصيف ثم ستنخفض في الشتاء المقبل.

واعتباراً من الربيع، ستقوم شركات الغاز بملء مخازنها الكائنة تحت الأرض في فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وألمانيا وبلدان أخرى. فأكبر مخازن الغاز في أوروبا توجد في بنى مشيدة تحت الأرض. ومن شأن الاحتياطي الذي تعهدت بشرائه شركة غازنات من فرنسا أن يحقق للشركة الاكتفاء الذاتي بصورة جزئية لبضع عشرات من الأيام في الشتاء المقبل. إذ إن الاستهلاك في فترة الشتاء يعادل 5 أو 6 أضعاف الاستهلاك في فترة الصيف. لذلك، يجب تركيز الجهود على ملء المخازن. وسيعاد إطلاق المشاريع في سويسرا، لا سيما في الكهوف الجوفية. وتبلغ قيمة هذا المشروع 400 مليون فرنك سويسري. لكن الأمر لا يتعلق بالغاز فحسب. فإنتاج الكهرباء في البلدان الأوروبية الرئيسية يعتمد أيضاً على الفحم الروسي. فجميع مصادر الطاقة المستوردة من روسيا هي على المحك.

وأضاف: الولايات المتحدة هي دولة مصدرة للغاز، في حين أن حصة الغاز الروسي الذي يستورده الأوروبيون تصل إلى 40%. وفي عام 2021، بلغت نسبة تلك الحصة في المنطقة التي تغطيها شركة غازنات والتي تشمل غرب سويسرا، 25%. وتزداد حصة الغاز الروسي المستورد في الجهة الناطقة بالألمانية. والتعويل على المقاطعة التامة للغاز الروسي سيمثل تحدياً كبيراً أمام تعبئة المخازن هذا الصيف. فسيتطلب ذلك إبرام عقود جديدة طويلة الأجل والقيام باستثمارات كبيرة في الغاز المسال في أوروبا، وهذا سيستغرق من 3 إلى 4 سنوات. وطلبت برن من الرابطة السويسرية لصناعة الغاز أن تستعرض أمن الإمدادات. فنحن نشهد تغييراً في السياسات. وسيكون هناك حد فاصل بين مرحلتي ما "قبل" وما "بعد" تلك الأزمة.

وأوضح باوتس أن الحلول البديلة لتأمين الإمدادات تشمل شمال أفريقيا، وبحر قزوين من الشرق، وبحر الشمال الذي يضم أنابيب البلطيق قيد الإنشاء والتي تربط النرويج ببولندا عبر الدنمارك. ويوجد أيضاً مشروع في مصر بعد اكتشاف حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط. وسيكون من الممكن أيضاً زيادة الواردات من الغاز الطبيعي المسال، ولكن يجب أن تتوفر موانئ بحرية قادرة على تسييل الغاز (عند -163 درجة مئوية) بغية تقليص حجمه ثم تسخينه عند الوصول، غير أن ألمانيا، التي تستورد 49% من غازها من روسيا، ليس لديها أي ميناء من هذا النوع.

سيناريوهات المستقبل

حددت ورقة تقييم موقف أعدها الخبير الاقتصادي الأوروبي، ألون دي غروست، سيناريوهين أساسيين لتأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد الأوروبي والعالمي.

يفترض السيناريو "أ" حربًا قصيرة ومدمرة تؤدي إلى اضطرابات في التجارة العالمية لمدة أقصاها ستة أشهر مع حدوث انخفاضات كبيرة في التجارة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا على وجه الخصوص.

ووفق هذا السيناريو، ترتفع أقساط الاستثمار (المخاطر) بشكل معتدل، وترتفع أسعار الطاقة، بما في ذلك الغاز، بشكل حاد، لكنها تتراجع بعد أربعة أشهر. كما ترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل حاد، حيث ارتفعت أسعار القمح بالفعل بنسبة 30٪ والذرة بنسبة 20٪، وكذلك أسعار الأسمدة (20٪.

أما السيناريو الثاني (الحرب والعقوبات الفعالة) الذي يبدأ كسيناريو "أ"، لكنه يفترض أيضًا أن العقوبات المفروضة على روسيا ستكون فعالة وتضرب الاقتصاد الروسي بقوة. نتيجة لذلك، ترتفع أسعار الطاقة بشكل أكثر حدة وتبقى أعلى لفترة أطول من السيناريو الأول، كما ترتفع أسعار المواد الغذائية والأسمدة والزيوت النباتية بشكل حاد في هذا السيناريو أيضا.

ستكون العواقب الاقتصادية للحرب "مأساوية" بالنسبة لروسيا وأوكرانيا، لكن ستختلف بالنسبة للمناطق الأخرى حول العالم.

وقال روب ويست، رئيس شركة الأبحاث "ثندر سيد إنرجي" لصحيفة فاينانشيال تايمز: "قد يدفع هذا الاضطراب بأسعار النفط إلى أكثر من 200 دولار للبرميل الواحد".

وذهب نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، إلى أبعد من ذلك وقال "إن ارتفاع الأسعار سيكون غير متوقع. سيصل إلى 300 دولار للبرميل إن لم يكن أكثر".
لكن هناك طرقًا أخرى يمكن أن يتعطل بها سوق الطاقة، أولا: يمكن لروسيا أن تختار قطع أو تقييد صادرات النفط والغاز إلى أوروبا كرد انتقامي على العقوبات، حيث إن ما يقرب من 40% من الغاز الطبيعي الذي يستخدمه الاتحاد الأوروبي يأتي من روسيا، ولا تستورد أي دولة أوروبية أكثر من ألمانيا، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة.

ثانيا: يمكن أن تتأثر الإمدادات بالصراع في أوكرانيا، لأن العديد من خطوط الأنابيب تمر عبر البلاد، وتنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تستورد القليل نسبيًا من النفط من روسيا، فإن أسعار النفط تحددها السوق العالمية، مما يعني أن الأسعار المحلية قد ترتفع على أي حال.
-----------------------------
تقرير – آمال رتيب
من المشهد الأسبوعي