01 - 11 - 2024

هل يكبح الغلاء "جماح الإسراف": فاتورة انفاق الأسر تتجاوز 100 مليار جنيه في "رمضان"

هل يكبح الغلاء

- ابراهيم عشماوي: منافذ بيع السلع تساهم في خفض الأسعار
- مصطفى بدرة: المشكلة ليس في حجم الانفاق بل في "هدر الطعام"
- سيد قاسم: 83% من الأسر تغير عاداتها الغذائية خلال الشهر الكريم
- محمد ابراهيم: ميزانية شهرية لشراء الاحتياجات الأساسية أمر مهم وقت الأزمات
- محمد جعفر: ترشيد الإنفاق وغرس ثقافة الإدخار ضرورة مجتمعية حاليا

تجبر الارتفاعات القياسية لأسعار السلع والتي وصلت في بعضها إلى الضعف، العديد من الأسر المصرية على ضغط نفقاتها خلال شهر رمضان والذي يعتبر حسب عادات المصريين أكثر شهور العام استهلاكاً للطعام والمشروبات.

وبحسب تقارير اقتصادية وخبراء اقتصاد، من المتوقع تراجع حجم انفاق المصريين خلال شهر رمضان الحالي على غير عادة الشهر الكريم الذي يشهد ارتفاعاً في الانفاق بلغ خلال عام 2021 نحو 100 مليار جنيه.. فهل فعلاً ستتراجع فاتورة الانفاق خلال الشهر الكريم بسبب "غلاء الأسعار"؟ وماذا ستفعل الأسر المصرية لمواجهة ارتفاعات الأسعار خلال رمضان؟

فاتورة الانفاق

حجم نفقات المصريين في شهر رمضان ارتفع بمقدار 55 مليار جنيه مقارنة بغيره من شهور السنة، وسجل حجم الاستهلاك في رمضان عام 2019 نحو 50 مليار جنيه، وفي 2020 نحو 70 مليار جنيه، والعام الماضي بلغ الإنفاق نحو 100 مليار جنيه، وهو ما يكشف تضاعف فاتورة الاستهلاك خلال الشهر الفضيل.

وتشير إحصائيات غرفة الصناعات الغذائية إلى أن الأسر المصرية تنفق نحو 25% من إجمالي الدخل في الشهور العادية على الغذاء، ويتضاعف الإنفاق خلال شهر رمضان بمعدل 150% وهو ما يضاهي حجم استهلاك ثلاثة أشهر في السنة، في حين إن 85% من المصريين يغيرون عاداتهم الغذائية بحسب بيانات الدخل والإنفاق الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ويقدر متوسط استهلاك المصريين شهريا على الطعام بنحو 50 مليار جنيه، يرتفع خلال شهر رمضان إلى 75 أو 80 مليار جنيه.

يقدر الدكتور إبراهيم عشماوي، مساعد أول وزير التموين للاستثمار ورئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، حجم الاستهلاك الشهري للمصريين للأغذية بنحو 60 مليار جنيها ويتضاعف في شهر رمضان إلى 120 مليار جنيه أي أن شراء الأغذية يبلغ 700 مليار جنيه سنويا تقريباً من حجم الإنفاق.

وتسجل أسعار السلع ارتفاعات غير مسبوقة منذ بداية شهر رمضان غير أن عشماوي يقول :" أسعار السلع الغذائية لن تزيد خلال شهر رمضان، بسبب عدة مبادرات تقوم بها وزارات التموين والداخلية والزراعة والقوات المسلحة، تستهدف بيع السلع بأسعار مخفضة من خلال 200 شادر على مستوى الجمهورية و8000 منفذ لتقديم السلع الأساسية بأسعار أقل من القطاع الخاص بنسب تتراوح بين 20 - 30%".

ويضيف أن الموردين والعارضين والمصنعين والشركاء في الاتحاد العام للغرف التجارية واتحاد الصناعات على نفس القدر من التفاهم، إذ تعمل هذه الجهات ايضا على توفير السلع الأساسية والرمضانية بأسعار مناسبة تعادل الأسعار ما قبل التضخم.

وفي العادة يرتفع استهلاك المصريين خلال شهر رمضان بنسبة تصل إلى 50% عن باقي شهور السنة، ويقدر متوسط الاستهلاك الشهري للمصريين بنحو 50 مليار جنيه شهريا، يرتفع خلال شهر رمضان إلى 75 أو 80 مليار جنيه

تغيير الثقافة

غير أن الدكتور مصطفى بدرة، خبير اقتصادي، يرى أن حجم الإنفاق خلال شهر رمضان والمقدر بنحو 80 مليار جنيه ليس مبلغاً كبيراً مقارنة باستهلاك أكثر من 100 مليون مصرى وقد يكون هذا الرقم معبراً عن شراء البعض من المقتدرين لمستلزماتهم من الخير الذى يقدمون عليه فى الشهر الكريم كموائد الرحمن وغيرها من أعمال الخير .

ويضيف:" المشكلة الرئيسية ليست فى حجم الاستهلاك ومقداره بل تكمن الأزمة الحقيقية فى الهدر الناتج عما يتم إنفاقه أى مجمل المهدر من الـ 80 ملياراً لأنه إذا ما نظرنا بدقة لهذا الرقم سنجد أن معظمه يتم إنفاقه على الغذاء وقد يكون هذا الغذاء الغرض منه الرئيسى هو موائد الرحمن وهذا يعنى إهدار كمية كبيرة من الغذاء كنا نحتاج أن نوفره بطريقه أخرى".

ولذلك يتعين علينا إعادة صياغة ثقافة الاستهلاك ، بحيث تتمكن الأسر المصرية من السيطرة على الأسعار وتوحشها، وأولى الطرق هى أن نتفق كمصريين على تفضيل المنتج المصرى دون سواه، ذلك أن تكلفة الاستيراد تدفع بالأسعار نحو الارتفاع، وثانياً علينا إتباع سياسة عدم الإسراف وترشيد النفقات،  ويبدأ ذلك من الأسرة التى يجب عليها أن تجتمع شهريا على الأقل وتتفق على وضع خطة لها طوال الشهر تشمل كل احتياجاتها الشهرية، بشرط أن تكون هذه الاحتياجات ضرورية، وتناسب مقدرتهم المادية دون إرهاق، وأن تقوم الأسرة بدراسة أسعار السلع وقتها، بحيث تشتري السلع التي تناسب ميزانيتها.

ويستشهد الدكتور سيد قاسم، خبير اقتصادي، بالعديد من الدراسات الخاصة بإنفاق الأسر خلال شهر رمضان، ومنها دراسة تقول أن أكثر من 83% من الأسر المصرية تغير عاداتها الغذائية خلال الشهر الكريم، كما أن الإنفاق بشكل عام في هذا الشهر يعادل إنفاق 3 أشهر طبيعية، بعدما أصبحت "حمى الشراء" واستهلاك السلع في رمضان أعلى منها في أي شهر آخر.

غير أنه يرى أن السلوك الاستهلاكي أصبح محركا للاقتصاد بشكل عام، وفرصة لتصريف بعض المنتجات الراكدة أو الزائدة عن الاستهلاك فى بعض الشهور التي تسبق رمضان، ويشهد الشهر منافسة شرسة بين الشركات المنتجة لتقديم عروض تجذب المواطنين لشراء منتجاتها، وهو ما يساهم في تنشيط السوق وزيادة المنافسة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تخفيض الأسعار.

وهذه صورة إيجابية يمكن رصدها من اقتصاد رمضان الاستهلاكي الذي ينتقده الكثيرون ويجب على الدولة أن تدعمها وتشرف عليها وتراقبها حتى تحقق الهدف منها، وهو تنشيط وتحريك السوق نحو النمو، وألا تقع فريسة للمهاجمين لسلوكيات الناس في رمضان، وأن تعمل على الاستفادة من هذا السلوك الاستهلاكي الضخم الذي تبذل دول كثيرة مجهودا ضخما لخلقه في أسواقها وتصرف ملايين الدولارات للترويج لمنتجاتها وجذب المستهلكين لها.

خطة مالية

ولا يختلف الدكتور محمد إبراهيم، خبير اقتصادي، في الرأي كثيراً مع الآراء السابقة، ويقول إن الكثير من الناس تنفق بكثرة خلال شهر رمضان ، على الرغم من أنه شهر الصيام والقيام، فنحن علي يقين من أن السلوك العام للمسلمين وخاصة السلوك الاقتصادي، يحتاج إلي مراجعة وتقويم، فالأرقام والتقارير الاقتصادية وتصريحات المسئولين عن الأسواق والرقابة التموينية تؤكد أننا نمارس كل أشكال السفه الاستهلاكي في شهر رمضان وفي غير رمضان.

ويضيف أن الأسر المصرية تتوقع دائماً في شهر رمضان ارتفاع الأسعار لاسيما أسعار اللحوم والدواجن والألبان والسلع الغذائية وتفاوت أسعار الخضراوات والفواكه في المراكز التجارية وأسواق الخضار، لكن الملاحظ أنه رغم زيادة الأسعار ومنها مثلاً سلعة مثل الياميش التي ارتفع سعرها بنحو 15% عن العام الماضي، هناك اقبال كبير علي الشراء، لذلك ليس غريباً أن تنفق أسر كل ما تدخره في بعض شهور السنة خلال شهر رمضان لما ترتبط به من عادات وسلوكيات رمضانية مثل ولائم الإفطار.

وينصح ابراهيم بالتخلص من ثقافة الاستهلاك المفرط ، وأن تقوم كل أسرة بوضع خطة مالية وإعداد موازنة تقديرية لشراء السلع والمواد الغذائية، وتجنب شراء كميات كبيرة من الطعام، وخاصة الخضروات والفاكهة المعرضة للتلف، وعدم الانسياق وراء العروض التجارية التي تقدم تخفيضات تزيد من حمى الشراء المفرط.

وهو ما يتفق معه محمد جعفر، أمين الإعلام المساعد بحزب المصريين، ويرى أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العالم اليوم، نتيجة تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية والتي أدت إلى ارتفاع سعر الدولار بشكل مفاجىْ، تفرض علينا جميعا مسئولية وطنية ومجتمعية، خصوصاً وأن الدولة المصرية لم تقصر في اتخاذ كل ما يمكن من أجل تخفيف آثار تلك الأزمة العالمية، من خلال حزمة من الإجراءات الاقتصادية تستهدف تخفيف حدة ارتفاعات السعار.

ويطالب جعفر في بيان له بضرورة ترشيد الإنفاق وغرس ثقافة الإدخار لدى الجميع ، وضرورة اقتصار الإنفاق على احتياجاتنا الأساسية من الطعام والشراب والتعليم والعلاج فقط ، وتأجيل باقي الاحتياجات ولو لمدة عام واحد، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض أسعار كل السلع والمنتجات.

ويؤكد أن الأزمة الاقتصادية الحالية لن تكون الأخيرة في ظل اضطراب المشهد السياسى على الساحة الدولية، كما أن الدولة المصرية لا تملك رفاهية طرح المزيد من الإجراءات الاقتصادية لمعالجة آثار تلك الأزمات ، الأمر الذي يفرض علينا سرعة التحرك نحو تغيير أنماط سلوكنا وعاداتنا الاستهلاكية، وإعادة ترتيب أولوياتنا لأن الدولة مهما بذلت من جهد ومهما اتخذت من قرارات، فلن تستطيع وحدها أن تكبح جماح الأزمات الاقتصادية العالمية.
-----------------
تقرير - رامي الحضري