لم يتبقِ فى تلك العتمة التي لا تنجلي سوى "حدسٍ" يُرشدنا إلى ممر الخروج الآمن من هذا المأزق الوجودي.. الخروج بأى طريقة كانت؛ عدا أن نكون فئران تجارب في عالم يختبر قوته برعونة مفرطة. وليكن الثمن بضعة ملايين من الأرواح التى لا طائل من بقائها على ظهر هذا الكوكب الذي لم يعد يتسع للجميع.. أي جحيم هذا الذي يلوك البشر بين فَكي الحياة دون رحمة أو حتى فرصة لالتقاط الانفاس. لقد أصبحت الحياة تنافس بقوة مسلسلات "نتفليكس" الأكثر مشاهدة، بل تكتسحها جميعاً لما ينطوي عليها من إثارة لا تتوقف وقدرة فائقة على توليد الأحداث وإعطاء الوعود الوفية بمزيد من المواسم المثيرة كـ "المسلسلات التركية". ولكن للأسف، الرعب هنا سيد الموقف والمجهول زاحف بلا هوادة.. مسلسل "تغير إيقاع الحياة" أبطاله حقيقيون وضحاياه مسجلون على لوح ملعون.. لا عجب فيما يحدث، فالعالم يدفع فاتورة أخطائه المتراكمة فى ظل صمته على ضحايا الحروب وتقلص موارده وانهيار نظامه الأيكولوجي وغليان مناخه احتجاجاً على توحش طموحه وهوس ركضه.
قاطرة الأطماع راحت تدهس كل شىء وأى شىء فى طريقها، حتى وإن كانوا بشراً لا جدوى من بقائهم أو حتى لا رغبة فى وجودهم. والتساؤلات التى تزداد إلحاحاً؛ لماذا كل هذا يحدث الأن دفعة واحدة؟ فيروس مميت ومناخ متأجج وحرب تتوعد بسيناريو قاتم للبشرية.. هل هناك ربط منطقي فى مقولة "المصائب لا تأتي فُرادى"؟ لماذا انتعشت الفيروسات بهذا الشكل المخيف رغم وجودها منذ ملايين السنين؟ هل تسببت التغيرات المناخية فى إطلاق سراح العديد من سلالاتها الفتاكة؟ هل هناك علاقة بين تقلص الموارد والقيود التى باتت مفروضة- ولو جزئياً - على الصناعات القائمة على الوقود الأحفوري وهوس عمالقة الاقتصاد بإيجاد حلول حتى وإن كانت حلولاً جانحة؟ هل باتت الرأسمالية الحديثة ترسم مخطط فناء البشرية بضمير ميت؟ وماذا عن بوادر الحرب العالمية الثالثة التى تلبد سماء الكون كأحد "النهايات المفتوحة" لأفلام الرعب؟
العديد من الأسئلة الحرجة ارتسمت حول واقعنا الحياتي الذى بات على المحك وراح يغلي منذ بداية العقد الثاني في ألفيته الثانية، وكأنه موعد نبوءة لا أحد يعرف كيف ستنتهي؟ فكلما أوشكت عاصفة أن تهدأ، صار يجب أن يهب إعصار: وباء لا يعرف طريق العودة من حيث أتى.. لقاحات تهزمها سيناريوهات التشكيك.. نظريات مؤامرة تجعل الصواب والخطأ يستويان.. استمراء للموت يطعن الأمل فى حياة هادئة.. خوف لا يتقزم بل يتعاظم فى ظل ضبابية غاشمة.. حماقات لاستعراض القوى ربما أغرقت الجميع فى قاع محيط مظلم.. أجيال لا ذنب لها في كونها قد جاءت إلى الحياة فى ميقات بائس ولحظات تعيسة.
لا أحد يملك الحقيقة.. ولا أحد يسيطر على المجهول الزاحف.لا كلمة تفطم التساؤلات. لا أحد يمكنه فك شفرات عامين من (اللا حياة) وأعوام مقبلة من "اللا يقين". لا شىء يقيني فى كل ذلك سوى "الحدس" وفطرة الله التى تسكن القلوب السليمة.. كلمة لا تُنطَق، لكنها حاسمة الأثر.. فعل لا يُرى، لكن تطمئن له الروح.. همهمة لا تُسمَع، لكنها لا تُرَد ولا تخيب.. اللهم حدساً يا أرحم الراحمين نتحسس به الطريق.. وبحسابات عهدك الصادق، فلابد لها أن تنفرج قريباً. لكننا- مع الأسف- فى زمن المفاجأت غير السارة التى لن تقوى عليها إلا بشعاع بصيرتك.
------------------
بقلم: شيرين ماهر
من المشهد الأسبوعي