26 - 04 - 2024

ترجل الفارس النبيل رجائي عطية

ترجل الفارس النبيل رجائي عطية

مات فارسًا نبيل على جواد، مات الفقيه القانونى عظيم القدر والمقام والقيمة رجائي عطيه، مشهد الرجل وهو يلقى ربه استعدادًا لترأس فريق الدفاع عن تسعة محامين بمحكمة الجنايات بالجيزة، ينافح ويدافع عن زملائه، مرتديا بدلته الأنيقة وفى يده روب المحاماة، ملتزما بارتداء كمامته، قابضًا على أوراق القضية بعد وقت طويل في مراجعتها، وبعد مناجاة لربه على صفحته قبل وفاته بنصف ساعة، ويدون: "اللهم اطعمنا من خضر الجنة".

رجائي عطية العالم الذى أثرى المكتبة القانونية وأضاف لها علمًا ونورًا، لن احدثكم عن نشأته ومحل اقامته وسنة تخرجه كما يفعل البعض تجاه أي فرد عادي، سأغتصب الكلام اغتصابًا، ولن ابث شجوني وكآبتي، فأنا أؤمن ببيت شعر في قصيدة المساء للشاعر العظيم خليل مطران قال فيه عن نفسه: «متفردٌ بصبابتى متفردٌ بكآبتى متفردٌ بعنائى»، وكذلك أنا.

تعرفت عليه رحمه الله عن طريق اتصال تليفوني قبل تنصيبه نقيبًا للمحامين طالبًا رأيه في كتاب الجرائم الالكترونية سنة 2013م قبل إصداره فقال لي: "سوف يستغرق امر الاطلاع على الكتاب عدة اشهر لأنني مسافر لمشاكل في القلب إلى فرنسا"، وفي النهاية اضطررت إلى نشر الكتاب دون إطلاعه عليه نظرًا لاستعجال دار النشر.

وظل التواصل بيني وبينه بعيدًا إلى أن جاءت مشكلة تجديد القيد لظروف عملي خارج مصر، فشعرت بالحرج في أن اطرح عليه المشكلة وبعد تردد طويل تواصلت به وشرحت له مشكلتي ومشكلة  الكثيرين من محامين الخارج مع قرارات الأستاذ سامح عاشور، فأجاب قائلاً : "طالما لديك كتب ومؤلفات في القانون تقدم بكل ما يثبت ذلك إلى اللجنة المختصة بقيادة د. أبو بكر الضوة". وقد حدث تواصل عدة مرات فيما بيني وبينه بعدها انتهى بتواصلي الأخير معه والحديث عن النقابة وما يدور حوله من صراعات ليل نهار لأجل اسقاطه، نصحته، فانصت لي بتواضع شديد ودعوت له بالثبات وأيدته في مواصلة كفاحه واثنيت على نظافة يده ولم اتواصل معه منذ ما يزيد على الستة شهـور حتى هذه اللحظـة.

لا اخفيكم أنني شعرت بحزن وكآبة شديدة على هذا الرجل الذي حاربه عدد ليس بالقليل ولم ينتصر عليه في أي معركة إلاّ أنه انهزم أمام الموت فانتصروا ففي موت البعض خبز للآخر.

يا حسرتاه لم تسعد النقابة بمزيد من الأجل ليد نظيفة شريفة إذا لم تضف للنقابة فلن تمد يدها، لكن صدق الشاعر حين قال عن الموت:

أليس الموت غاية كل حي ... فمالي لا أبادر ما يفوت

في الحقيقة لا يسعني المقام هنا لأكتب تاريخ رجائي عطية مع ذلك سأقول لكم بعض لقطات من حياته، فأضاف للمكتبة القانونية العديد من كتبه الشهيرة والتي من بينها (أوراق، المركز المصري للأبحاث والإعلام 1997 -  رسالة المحاماة، دار الشروق، 2008م- إبحار في هموم الوطن والحياة، دار الشروق 2004م -  السيرة النبوية في رحاب التنزيل، خمس مجلدات، المكتب المصري الحديث -  من تراب الطريق، المكتب المصري الحديث، 2008 م ومن الكتابات الدرامية للتلفزيون: رجل المال لتوفيق الحكيم (سيناريو وحوار - امرأة مسكينة ليحيى حقي سناريو وحوار- صمت جاك فارجيون لبول بورجيه سناريو وحوار).

وكذلك من مساهماته العامة أنه اختير عضوا بمجلس الشورى بالتعيين  وعضو مجمع البحوث الإسلامية  وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية  وعضو اتحاد الكتاب  وخبير بالمجالس القومية المتخصصة وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية  وخاض انتخابات نقابة المحامين لدورتين فاز فيهما سامح عاشور ، ثم أصبح رجائي نقيب المحامين المصريين منذ 15 مارس 2020 م حتى وفاته.

ومن اشهر قضاياه (قضية التكفير والهجرة 1977م - قضية المهندس إبراهيم شكري وجريدة الشعب مع وزير الداخلية 1979م - قضية اغتيال الرئيس السادات 1981م - قضية عصمت السادات 1983 – 1989 م - قضية الأستاذ أحمد بهاء الدين مع الأستاذ أحمد زين 1983م .

رحمة الله على شيخنا الاستاذ رجائي عطية رجلًا من انبل رجال القضاء الواقف في عصرنا الحالي الذي مات واقفًا فلم يركع، مستمدًا قوته من سمو رسالة مهنة المحاماة وأهدافها السامية، فمن أبدع في حياته يموت مبتسمًا .

ورحم الله من يتعظ بالموت، فالحياة حلم يوقظنا منه الموت.
----------------------
بقلم: محمد جلال عبد الرحمن
* محـامٍ وكاتب وحاصـل على جائـزة الدولـة في العلـوم الرقميـة * بريــد الكترونـي    [email protected]

مقالات اخرى للكاتب

سلطــة المحكمة التجارية في إحضـار شاهـد بالقـوة الجبـريـة في النظام السعودي





اعلان