23 - 04 - 2024

تعلم إدارة المشاعر يجردها تلقائيًا من قوتها .. هذه طرق التغلب على مشاعر الخوف

تعلم إدارة المشاعر يجردها تلقائيًا من قوتها .. هذه طرق التغلب على مشاعر الخوف

يُعد الخوف من أسوأ المشاعر وأكثرها إيلامًا وضررًا على الصحة النفسية والجسدية، وكذلك يمتد تأثيره السلبي للعلاقات الاجتماعية واختيارات الحياة. يُمكن للخوف وحده أن يحجمك عن اتخاذ قرارات قد تصل بك لحياة أحلامك، حيث تظل سجين المحدودية والأمان الزائف، يُمكنه أن يضيع عليك آفاقا واسعة ومتعا خلابة لم تكن لتخطر ببالك أو تعلم بوجودها دون أن تجربها بالفعل.

يعيش الغالبية العظمى من البشر في الخوف وظلاله (التوتر، القلق، الفوبيا، نوبات الهلع .. الخ) رغم تأثيره بالغ السوء والخطورة. لماذا؟ لأنهم فقط لا يعرفون كيفَ يتعامل المرء مع شعوره بالخوف، فيلجأون لكل الطرق الخاطئة: كالهروب من الشعور، وقمع الشعور بشكل واع أو لا واع، وحتى التعبير عنه (نعم، ليست أفضل الطرق في التعامل مع خوفك، لأنك تعبر فقط عن جزء من الشعور وتكبت الجزء الأكبر منه فيظل محبوسًا في جسدك ينتظر فرصة للتعبير عن نفسه مرةً أخرى، يُمكن للأمر أن يكون خطرًا إذ أنه سيُدخلك في دائرة مفرغة من التعبير والكبت).

يُعد التعامل مع الخوف (والمشاعر عمومًا) من أهم المهارات التي يجب أن نستثمر الوقت والمال في تعلمها، لأنه عندما نتعلم إدارة المشاعر نحن تلقائيًا نجردها من قوتها، فلا تستطيع التحكم فينا مرةً أخرى، نستطيع أن نتحرر من الخوف والغضب والحزن وما إلى ذلك، فتزيد تلقائيًا مشاعر السلام والحُب والتناغم، وتنبع قراراتنا وتصرفاتنا من ذاتنا المتسعة المطمئنة، فتؤدي حتمًا إلى مزيد من الأمان والاتساع.

عندما يصبح الخوف والقلق نمطًا في حياتنا، يصبحان مشكلة. إذا كان الصرف الخاص بك في حوض المطبخ يمثل مشكلة، فهل تتجاهلها؟ بالطبع لا. يمكنك استدعاء سباك أو محاولة إصلاحه بنفسك. عندما يسبب الخوف ضررًا لاستقرارك الجسدي والعقلي ، وتجد نفسك تتجنب الأشياء التي قد تخلق المزيد من الخوف، فلا تتجاهل ذلك. عندما يصبح القلق شيئًا منهكًا يجعلك مرتعبًا ومريضًا، لا تحاول دفعه بعيدًا. 

في هذا المقال نتعلم بعض الطرق للتعامل الصحي والسليم مع مشاعر الخوف.

الخطوة الأولى: تعلم عن خوفك

قد تكون هذه الخطوة الأولى هي الأصعب، لكنها أيضًا ضرورية للغاية. لا يمكنك التغلب على الخوف الذي يظل مختبئًا في المناطق المنسية من عقلك الباطن، يجب عليك مواجهته. عندما تدير وجهك نحو شخص ما، فإنك ترى ذلك الشخص وتعرف كيف يبدو وكيف يتصرف. عندما تدير وجهك لخوفك، (بدلاً من الابتعاد عنه) ، فإنك تلاحظ أشياء عن خوفك لم تكن تعرفها من قبل، هذا الوعي يساعدك على التغلب عليها..

لتساعد نفسك على مواجهة مخاوفك وقلقك، حاول الاحتفاظ بدفتر يوميات لمدة أسبوعين أو ثلاثة، سجل أية أنماط تلاحظها. هل تتعطل يداك وتقبض معدتك عندما تسمع جرس الباب؟ هل تشعر بالكثير من القلق في الصباح أو في المساء؟ ماذا تفعل عندما تظهر مخاوفك؟ قم بتدوين أي شيء يبدو مهمًا؛ يمكن أن يساعد نقل أنماط الخوف والأعراض لديك إلى الكتابة في إزالة الغموض عنها، وهنا ستدرك أن الأمر لم يعد كبيرًا أو بالغ الصعوبة، لقد أصبح في متناول يديك، والأهم من ذلك، أن تعلُم كل شيء عن خوفك يمنحك فكرة عن كيفية مواجهته..

الخطوة الثانية: اسمح

نعم، اسمح للمشاعر بالحدوث. قد تكون تلك الخطوة الأغرب ولكن الأكثر مصداقية وفعالية. تخيل معي أن الشعور طفل صغير يؤلمك بإلحاحه وبكائه، كلما تجنبته كلما ازداد بكاءه ونحيبه، ماذا يريد هذا الطفل؟ أن تسمعه، الأمر بتلك البساطة. ماذا يريد الشعور؟ أن تشعر به، هذا هو الأمر، اشعر به وانظر إليه يتلاشى تدريجيًا حتى يختفي تماما ويحل محله شعور لذيذ بالسلام والخفة.

ولكن يجب أن تنتبه للطريقة الصحيحة لفعل ذلك، وهي أن تفصل بين الشعور والفكرة، لا تقل "فقدان الوظيفة يخيفني"، بل قُل: "في داخلي خوف". لأنه عندما يرتبط الشعور بالفكرة يخلقان دائرة مفرغة حيث الفكرة تزيد من حدة الشعور والشعور يغذي الفكرة بمزيد من الأفكار المظلمة، لذلك من الضروري أن تُدرك أن الخوف داخلك لأنه داخلك بغض النظر عن مبرراته الخارجية، وأن ما يخيفك الآن لم يكن ليخيفك لو حدث وليس بداخلك خوف في الأساس.

إذن نفصل بين الفكرة والشعور (في داخلي خوف)، ثم نمنح هذا الخوف درجة (اشعر بالخوف بدرجة 8 من 10) على سبيل المثال، ثم نحدد مكانه في الجسد (أين يوجد الألم؟ أهو في البطن أم الصدر أم الذراعين أم الكتفين أم الحلق؟) فقط حدد مكانه مهما كان، ثم راقب الشعور بينما أنت مركز على تنفسك، ودع جسدك يعبر عن نفسه بحرية، إن شعرت برغبة في البكاء ابكِ، الجزء الأهم هو التركيز على التنفس وعدم الانجراف وراء الأفكار.

قد يستغرق الأمر 10 دقائق أو حتى 30 دقيقة أو أقل أو أكثر، وعندما تتحرر من تلك الكتلة الشعورية ستدرك أن الأمر الخارجي لم يكن يستدعي كل تلك المعاناة، وستتبادر إلى ذهنك الفرص والحلول، وستتفاجأ أيضًا أن الكثير من الأفكار التي كانت مرتبطة بالشعور قد اختفت، فالشعور الواحد قد ينتج عنه آلاف الأفكار ويكون أغلبها غير حقيقي، وعندما تتحرر من الشعور تدرك كم أن تلك الأفكار كانت سخيفة.

الخطوة الثالثة: استخدم خيالك بطرق إيجابية

الخيال شيء رائع، يمنحك القوة والإبداع والقدرة على التفكير خارج الصندوق. ولكن لسوء الحظ، يمكن أن يكون الخيال النشط أداة ضارة عندما تستخدمه  للتفكير في أشياء سلبية. يمكن لمخيلتك أن تضخم مخاوفك ، مما يجعل وضعك يبدو أسوأ بكثير مما هو عليه في الواقع.

بدلًا من ترك خيالك يقودك إلى ممرات الخوف المظلمة، استخدمه عن قصد للتغلب على الخوف.

كيف تفعل ذلك؟ اختر لحظة هادئة حيثُ تكون مسترخياً وغير قلق، أغمض عينيك وتخيل نفسك في موقف عادةً ما يُسبب الخوف. على سبيل المثال ، إذا كنت تخشى الضياع في مبنى مزدحم ، تخيل نفسك في مطار مزدحم، و تخيل نفسك تتعامل مع الموقف بسلام، لا تتجمد وتبدأ في البكاء (في مخيلتك)، وابحث، بدلاً من ذلك، عن مكتب معلومات أو لافتة تساعدك على استعادة إحساسك بالاتجاه، وتخيل أنك تصل إلى موقف السيارات الصحيح، وتفتح باب سيارتك، وتقود بأمان إلى المنزل دون أي أحداث سيئة.

يمكن أن يساعدك السلام الذي عشته في السيناريو الذي تخيلته في الواقع على تجاوز المحنة الفعلية بسلام أكثر.

والآن، أغمض عينيك مرةً أخرى وتخيل أنك تسافر دون أن تضيع في المطار، إنك هادئ ومستمتع، تتنقل بين ممراته بسهولة، وتعرف الاتجاهات الصحيحة بيُسر، وتصل إلى وجهتك في الموعد. فالخيال الجيد يُعزز من احتمالية حدوث الأحداث الجيدة في الحياة.

الخطوة الرابعة: ركز على تنفسك

التنفس أهم مما تعتقد، عادة ما يبدأ القلق بأنفاس قصيرة. تسبب الأنفاس القصيرة عددًا من ردود الفعل السلبية في جسمك والتي سرعان ما تتحول إلى نوبة قلق. مفتاح التغلب على نوبات القلق السريعة هذه هو التحكم في تنفسك.

لحسن الحظ، التنفس العميق ليس معقدًا، بمجرد أن تدرك أنك أصبحت خائفًا، توقف وركز على تنفسك. خذ نفسًا، ثم أخرجه ببطء. تأكد من أن الزفير أطول من الشهيق، هذه ليست مجرد خدعة نفسية، فالتنفس العميق يجبر جسمك على تهدئة نفسه جسديًا.

الخطوة الخامسة: تدرب على الحضور

لقد سمعت عن الحضور في اللحظة، ولكن ما هو بالضبط؟ الحضور هو تهدئة الأفكار بحيث تصبح أكثر وعياً بمشاعرك، كما تعلمت في الخطوة 1، يساعدك الوعي على التغلب على خوفك وقلقك.

مارس الحضور في اللحظة في بعض الأوقات الأقل حدة في الخوف والقلق، وعندما تتعرف على ظهور أعراض الخوف لديك، اجلس وراقب ما يحدث لك، يُعد هذا مثل التدوين في دفتر يوميات ذهني. لاحظ الأعراض عند ظهورها، لا تفعل أي شيء حيال ذلك، فقط اجلس وتتبع نفسك مع استمرار اللحظة، كونك ساكنٌ عقليًا يرفع من وعيك الذاتي، ويجعلك لا تقوم بالأشياء الاعتيادية التي تفعلها عندما تشعر بالخوف، وهذا يساعدك على الخروج من النفق.

الخطوة السادسة: استخدم الطبيعة كمعالجك الطبيعي

يعد التحدث إلى معالِج طريقة ممتازة للتعامل مع مخاوفك وقلقك. ولكن، لا يمكنك دائمًا التواجد في مكتب معالجك. عِوضًا عن ذلك، حاول الذهاب للنزهة في الخارج،  فالجمال الطبيعي الموجود في الحدائق أو الساحات الخلفية أو في أي مكان ينمو فيه اللون الأخضر يُساعد في تقليل أعراض الخوف والقلق. تهدئ الطبيعة الناس وتقلل من مستويات التوتر وتغير الحالة المزاجية من القلق إلى الاسترخاء. بالإضافة إلى ذلك، فإن النشاط البدني للمشي أو الركض في الهواء الطلق يتطلب منا استخدام أدمغتنا بشكل مختلف، مما قد يُحدث التحول من الأفكار المخيفة غير المنطقية إلى التفكير الواضح الذي يمكن أن يساعد في التغلب على الخوف.

إن كان القلق يسيطر عليك، فاعلم أنك لستَ وحدك، ولكن للخوف والقلق مردود نفسي وجسدي واجتماعي سيء أنتَ في غنىً عنه. أفضل طريقة لمواجهة الخوف ليست قمعه أو الهروب منه، أو حتى التعبير عنه، فالمشاعر التي تُدفن حية تبقى حية. الطريقة الأفضل هي التعامل مع الخوف بشكل سليم من خلال معرفته، والسماح له بالتواجد، واستخدام الخيال، والتركيز على التنفس، والحضور في اللحظة، والتواجد في الطبيعة. هذه الطرق تساعدك على التخفيف من الخوف المتراكم والتحرر منه بشكل نهائي فيحل محله تلقائيًا السلام والبهجة.

-------------------------
ترجمة – فدوى مجدي

(مترجم بتصرف عن (https://reallifecounseling.us/overcome-fear-and-anxiety







اعلان