25 - 04 - 2024

عشيقة الفرعون التي عادت للحياة في "أبيدوس" خلال القرن العشرين!

عشيقة الفرعون التي عادت للحياة في

في 16 يناير 1904 ولدت بإحدى ضواحي جنوب لندن طفلة جميلة لأبوين من أصل ايرلندي كانت تمضي حياة هادئة ولكن عندما بلغت سن الثالثة من عمرها ، تغير مسار حياتها.

فحينما كانت دوروثي لويس إيدي Dorothy Louise Eady  تلهو بمنزل عائلتها في ضاحية بلاك هارت، سقطت من أعلى السلم إلى الطابق السفلى لترتطم رأسها بالأرض وتدخل في غيبوبة. حضر طبيب الأسرة وأخبرهم أن دوروثي فارقت الحياة طالبا تكفين الطفلة وتجهيزها للدفن. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فوسط صدمة الأبوين أفاقت دوروثي في حالة جيدة، وبدأت الصغيرة تردد: أريد العودة إلى بيتي، ليخبرها والدها أنها بالمنزل فعليا، لكنها تصر في عصبية أن بيتها ليس هنا، وتبدأ في إعطاء أوصاف لبيتها المزعوم، ومن هنا تم تغير مسار حياة دوروثي لتتحول من المواطنة الإنجليزية دوروثي إيدي الي مكتشفة الآثار المصرية (ام سيتي) التي قضت عمرها بين المقابر والمعابد في مصر. 

بعد مرور عام على هذه الحادثة اصطحبها والدها في رحلة إلى المتحف البريطاني، وما أن رأت التماثيل الفرعونية حتى تبدل حال الطفلة الصغيرة وبدأت تدور حول التماثيل وتقبل اقدامها وتصرخ: وطني، ووسط دهشة الأب وزائري المتحف أبعدها والدها عن المتحف حتى لا تثير قلق الزوار.

وحين بلغت العاشرة من عمرها لفتت أنظار عالم الآثار الانجليزي (السير بادج) الذي لاحظ شغفها الشديد بالاثار المصرية، فتتطوع أن يعلم دوروثي اللغة الهيروغليفية فأدهشته سرعة تعلمها، وحين سألها عن ذلك قالت: إنها تتذكر فقط ما تعلمته من قبل، وأنها في حياتها السابقة كانت جزءا من بلاط الملك الفرعوني (سيتي الأول) وقصت على السير بادج حلما رأته ، مؤكدة أنها رأت الملك سيتي الأول في منامها وأنه طلب منها العودة إلى الوطن.

بحلول عام 1927 انتقلت الأسرة للعيش في لندن الأمر الذي شجع دوروثي على إشباع نهمها وحبها لدراسة علم المصريات، فالتحقت بمدرسة للفن وتخصصت في الفن القديم، وأثناء ذلك تعرفت على شاب مصري حضر للدراسة يدعي (أمام عبد المجيد) وتوطدت العلاقة بينهما، وبعد ثلاثة أعوام تزوجت وانجبت طفلها الوحيد الذي قرارت ان تسميه (سيتي) وبعدها تذهب الي موطنها العظيم، وفي عام 1933 زارت مصر لأول مرة برفقة زوجها وبمجرد نزولها الي ميناء بورسعيد انحنت مقبلة الأرض ومبللة رصيف الميناء بدموعها. بعدا تلقى زوجها عرضا للعمل في العراق، لكنها رفضت ترك وطنها مصر ليقع الطلاق في 1935 ويبدو أن الزوج أخذ الطفل (سيتي) معه، لأن جميع المصادر التي تحدثت عنها لم تذكر الطفل مجدداً.

وفي السيرة الذاتية غير المكتملة التي كتبتها دوروثي في عام 1972، حكت عن زيارات الإله حور رع لها في أحلامها، وأنه أخبرها أنها فتاة مصرية اسمها “بنترشيت” لأب يعمل في سلك الجندية ولأم تعمل بائعة خضراوات في عهد الملك سيتي الأول (1290-1279 ق.م). وتُتابع دورثي أنه بعد وفاة أمها لم يستطع الأب تحمل مشقة تربيتها فوهبها لمعبد أبيدوس لتعمل كاهنة في خدمة الإله وتكبر الفتاة وتصبح كاهنة من كاهنات المعبد وأثناء زيارة أجراها الملك سيتي الأول للمعبد تقع عينيه عليها ويفتتن بجمالها، لتصبح إحدى عشيقاته، وتطور الأمر بينهما لتحمل منه. ولشدة حبها للملك وخوفها على مستقبله السياسي من فضيحة علاقته غير الشرعية بها كواحدة من كاهنات المعبد تقرر الانتحار.

 وحسبما تذكر المصادر كانت تلك القصة السبب في انتقالها في الجزء الأخير من حياتها إلى أبيدوس وسبب تسميتها بـ (أم سيتي). 

بعد الطلاق من زوجها انتقلت دوروثي للعيش في منطقة نزلة السمان، بالقرب من أهرامات الجيزة، لترسم وتسجل وتكتب وزادت على ذلك أنها كانت تقوم بطقوس تشبه الصلوات أمام الأهرامات ، فسمع عنها في تلك الفترة الأثري المعروف الدكتور سليم حسن (1868-1961)، الذي كان يقوم بحفريات في منطقة الجيزة فاستضافها في منطقة أثار الجيزة ووظّفها كرسامة في فريقه الأثري. وخلال عملها شاركت دوروثي في بعض رسومات الموسوعة الكبيرة التي كتبها سليم حسن تحت اسم موسوعة مصر القديمة، وبذلك كانت أول سيدة في مصر تعمل في مصلحة الآثار المصرية، وبعد انتهاء عملها في فريق سليم حسن انتقلت للعمل لصالح الأثري الدكتور (أحمد فخري) في منطقة دهشور 

لكنها في عام 1956 قررت أن تُلبي نداء روحها ، وتذهب إلى جنوب مصر وتحديدًا إلى العرابة المدفونة بـ“قرية أبيدوس".

بمجرد وصولها أخبرت مفتشي الآثار أن هذا هو بيتها، وبالطبع لم يصدقها المفتشون، فدلّتهم على بعض النقوش المُكتشفة حديثًا والتي لم تكن تُرجمت، فترجمتها لهم، الأمر الذي أثار دهشة المُفتشين، فلقّبوها بـ "السيدة غريبة الأطوار"

لم يتوقف الأمر عند الدهشة فقط، بل واجهت دوروثي رفض وجودها من نساء القرية، اللواتي خشين من تأثير جمالها على أزواجهن ، ما عرّضها للرجم بالحجارة من قِبل الأهالي، ومع كل مرة تُصر أنها في وطنها وبيتها.

وفي النهاية قررت إحدى العائلات الكبيرة في القرية الحنو عليها وتخصيص طفل لحراستها وبفضل وساطة الدكتور سليم حسن حصلت على عمل في معبد أبيدوس ، وأثناء عملها في أبيدوس نجحت في ترجمة العديد من النصوص الهيروغليفية بالمعبد ، كما اكتشفت حديقة المعبد ورممت أجزاء كبيرة منه، ونظرًا لجهودها قررت هيئة الآثار مد خدمتها إلى ما بعد التقاعد 

عاشت أم سيتي 25 عامًا في أبيدوس واشتهرت باهتمامها بتأصيل العادات التراثية والشعبية للأهالي ، وربطها بالتاريخ المصري القديم ووثقتها في مجموعة من المقالات كتبتها ما بين عامي 60 و75، وهي تلك المقالات التي أعاد عالم المصريات (نيقولا هانسن) نشرها في عام 2008.

بعد تقاعدها الرسمي عام 1969 ، استمرت هيئة الآثار في الاستعانة بها من آن لآخر وكان مسموحًا لها بإرشاد السائحين، كما كانت تقوم بعمل بعض الأشغال اليدوية التي تلقى قبولاً من السائحين. 

كما كانت على علاقة جيدة بملكة بريطانيا والرئيس جمال عبد الناصر، وكانت تدعمه وتدعم مصر ولاقت شهرة عالمية فكانت تأتى وفود سياحية لزيارتها خصيصاً فى أبيدوس لسماع قصتها وشرحها. وكان زوار منطقة ابيدوس من الأجانب او المهتمين بالحضارة المصرية القديمة يضعون زيارتها على رأس برنامجهم لزيارة المنطقة. 

 وقد تم تأليف الكثير من الكتب وإعداد الكثير من الأبحاث عنها، كما قام تلفزيون بي بي سي البريطانى بعمل فيلم وثائقى تسجيلى عنها اُذيع بعد وفاتها ويُعد وثيقة هامة تؤرخ لها لأنه تم تصويره معها

توفيت أم سيتى يوم 21 ابريل عام 1981م، لكنها ما تزال معروفة فى قرية ابيدوس (العرابة المدفونة)  رغم مرور ما يقرب من واحد وثلاثين عاما على وفاتها، وما زال المنزل البسيط الذى كانت تعيش فيه موجودًا يقوم الكثيرون بزيارته حتى الآن، ولم تُدفن في مقبرتها الفرعونية التي جهزتها لنفسها بسبب عدم توافر ظروف التحنيط، ولكن السلطات المصرية دفنتها في مقابر بعيدة عن مقابر المسيحيين و قريبة من معبدها الأم.
-------------------------
تقرير - هيباتيا موسى






اعلان