29 - 03 - 2024

هل تندلع حرب عالمية ثالثة؟

هل تندلع حرب عالمية ثالثة؟

موسكو تحاصر كييف .. وأمريكا وأوروبا يكتفون بالعقوبات والإدانة
- نبيل رشوان: اتساع رقعة النزاع لتصل إلى دول البلطيق يهدد بوقوع مانخشاه
- محمد الغباشي: هدف روسيا يقتصر على منع أوكرانيا من الانضمام للنيتو
- محمد رشاد: روسيا تسعى إلى تمزيق أوكرانيا لتصبح " دولة فاشلة" ولا تخطط لاحتلالها

تتباين آراء المحللين السياسيين حيال احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، بعدما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، مما يجعل دول أوروبا الشرقية مهددة، وسط مخاوف من إقدام موسكو على مهاجمة دول البلطيق التي تحظى بعضوية حلف النيتو والتي تقدم مساعدات عسكرية لكييف.

يرى محللون سياسيون أن توسيع نطاق الحرب قائم مع اعتزام موسكو الوصول إلى السيطرة على العاصمة الأوكرانية كييف، الأمر الذي سيدفع الاتحاد الأوروبي إلى التدخل لحماية حدوده، كما سيكون حلف شمال الأطلسي " النيتو" مطالباً بحماية سيادة الدول الأعضاء، وهذا ما لا ترغبه الدول الأوروبية الذي ستكون أكبر المتضرريين من توسع دائرة الحرب.

ويؤكد أصحاب هذه الرؤية أن حلف شمال الأطلسي اتخذ حزمة قرارات أو إجراءات لدعم الدول الأعضاء عسكرياُ وتعزيز تواجده على حدود الاتحاد الأوروبي في إطار خطة دفاعية، وأخر هذه الإجراءات سيكون الدخول في مواجهات مباشرة مع موسكو من أجل أوكرانيا.

مخاوف وقوع الحرب

بداية يقول د. نبيل رشوان، المتخصص فى الشؤون الروسية، إن العالم مهدد بحرب عالمية ثالثة إذا اتجهت روسيا بعد السيطرة على أوكرانيا إلى مهاجمة جمهوريات البلطيق وهي دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي، ما قد يؤدي إلى نشوب مواجهات مباشرة بين موسكو والنيتو.

ويضيف: ما قد يتسبب أيضا في حرب عالمية ثالثة هو إمدادات السلاح التي تتجه إلى أوكرانيا عبر الطرق البرية من الدول لها حدود مشتركة، منها رومانيا وبولندا سلوفاكيا وبلغاريا، مما قد يؤدي إلى اتساع رقعة النزاع ودخول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كطرف مباشر".

والحقيقة أن روسيا تحاول تحقيق مكاسب في أوكرانيا من خلال الضغط على الحكومة الأوكرانية لتحقيق استقلال جمهوريتي لوغانسك ودونستيك أو منحهما الحكم الذاتي، والاحتفاظ ببعض الأرض واستغلالها كورقة ضغط في التفاوض.

ويتابع رشوان أن ما يحدث هو توابع لانهيار الامبراطورية السوفيتية السابقة، لأن الامبراطوريات عادةً تنهار في مئات السنين وتتفتت قطعة قطعة، لكن ما حدث هو انهيار قوة كقوة الاتحاد السوفيتي مرة واحدة، وما يحدث الآن أن العديد من الدول السوفيتية السابقة لا تزال تتصارع فيما بينها على الحدود ، ولم تطبق الاتفاقيات التي أبرمت بينها ، كما أن هذه الدول ترغب في الانضمام لحلف النيتو وهذا ما قد يخلق حروب مستقبلا.

وحتى الآن لم تتبلور الهوية القومية لدول الاتحاد السوفيتي السابقة، وأغلب شعوبها تتحدث بالروسية، ولذلك تحاول هذه الدول أن تخلق لنفسها هوية قومية مستقلة لتكون لديها الحركة في تشكيل ثقافتها وقدرتها على الانضمام للتحالفات الدولية، وتعتبر روسيا انضمام أوكرانيا لحلف الناتو "خطا أحمر"، وهي تسعى من خلال المعارك التي تخوضها إلى تغيير النظام في كييف، وبناء نظام جديد تابع لها أو ما يسمى نظام "الماريونت".

ويرى رشوان، أنه من غير المستبعد أن تاتي روسيا بالرئيس الأوكراني الذي هرب عام 2014 على إثر انقلاب لتعينه من جديد رئيسا لأوكرانيا، وذلك نكاية في القوميين الذين ثاروا ضده ،بسبب رفضه الانضمام للاتحاد الأوروبي بعد أن تقدم له المجلس الأوروبي باتفاقية لتوقيعها.

الحرب العالمية مستبعدة

وفي رأي اللواء محمد الغباشي الخبير العسكري والاستراتيجي، أن موسكو لن تسمح بانضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي لأنها كانت دولة عضوا بالاتحاد السوفيتي، وهي تقع في حضن الحدود المباشرة لدولة روسيا، وهو ما يعرض أمنها القومي للخطر لذلك لن تسمح به في كل الأحوال، كما أنها طلبت ضمانات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، لكن دون جدوى، ولذلك تم الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا.

ويضيف:" الحرب الروسية الأوكرانية تعيد من جديد أزمة البحر الكاريبي عام  1962، حيث وضعت روسيا قواعد عسكرية وصواريخ في "كوبا" التي اعتبرتها الولايات المتحدة تهديدا لأمنها القومي، واشتدت الأزمة وكان العالم على وشك حرب عالمية ثالثة، غير أن الاتحاد السوفيتي سحب صواريخه من كوبا، وتعهدت واشنطن في المقابل بسحب قواعدها العسكرية وصوريخها من تركيا ولكنها لم تلتزم".

وما حدث في العصر الحديث أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبحت أمريكا القطب الوحيد على مستوى العالم، ولكن بعد استعادة روسيا قوتها والتحالف مع الصين، أصبح العالم متعدد الأقطاب، خاصة وأن بكين مرشحة لتكون القوة الاقتصادية الأولى، وهذا يعني تحالف القوة العسكرية مع القوة الاقتصادية، وهو ما يشكل قطباً قوياً قادراً على المواجهة وسيصبح العالم متعدد الأقطاب.

ويتابع الغباشي، أن الوعود الأمريكية والأوروبية لم تكن أكثر من وعود، ووضح ذلك عندما لم تتجاوب عملياً كل من أورويا وأمريكا مع طلب الرئيس الأوكراني بالتدخل فور اجتياح القوات الروسية إقليمي "لوغانسيك - ودونتسيك" التي اعترفت بهما روسيا كجمهوريتين مستقلتين.

ولم يكن الغرب مع بداية العمليات العسكرية قادراً سوى على الشجب والإدانة ودعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد، حيث استخدمت موسكو حق الفيتو ضد القرار وحدث عدم تصويت من قبل كل من الهند والصين ودولة الإمارات التي كان موقفها مفاجئاً.

ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي أن الموقف الأمريكي يتراجع على غرار تراجعه في افغانستان وبشكل غير مهذب في العراق، والصفعة الكبيرة في سوريا وقيام روسيا بمساعدة بشار الأسد، مما يؤكد تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط.

 ويضيف الغباشي أن الولايات المتحدة تبحث عن مصالحها الاقتصادية، وتحاول إنهاك الاقتصاد الروسي الذي يعتمد بنسبة 70% على منتجات الغاز والنفط، ورغم ذلك من المستبعد قيام حرب عالمية ثالثة، لأن الهدف الروسي في أوكرانيا هو منعها من الانضمام إلى حلف النيتو، وهي رسالة لكل دول شرق أوروبا مفادها أن موسكو قادرة على بسط نفوذها، فيما يبقى موقف النيتو مقصوراً على تقديم مساعدات عسكرية فقط لمنع حدوث اشتباك.

ويقول الغباشي أن الحديث عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بمصر جراء الأحداث في أوكرانيا قائم على أساس أن مصر تستورد نسبة كبيرة من القمح الروسي إلى جانب السياحة الروسية، معتقدا أن هذه الأمور يجب عدم الخوض فيها لأن كل موقف له حساباته السياسية والاقتصادية وإعلانها على الملأ غير مناسب للعامة، لأن القيادة السياسية تعمل على إعادة تقييم مصالحها مع جميع الاطراف بما يخدم مصالح الجميع.

تمزيق أوكرانيا

من جانبه يرى اللواء محمد رشاد، أن الأحداث تتسارع بين روسيا وأوكرانيا وأصبحت المنطقة تستحوذ علي اهتمام جميع دول العالم لما لها من ردود فعل سياسية واقتصادية عليها، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف شمال الأطلسي. 

ويضيف أن التحركات العسكرية الروسية في شرق أوكرانيا تدخل في مجال دعم موسكو للاعتراف باستقلال إقليمي "لوغانسك ودونيتسك" وتأتي الضربات للأهداف في أوكرانيا لتليين الدفاعات الأوكرانية، والحد من تدخلها في معركة الحشد الروسي للاقليمين.

ويعتبر الهدف الرسي من الحشد في "لوغانسك ودونيتسك" بمثابة تمزيق لأوكرانيا وإسقاطها دون احتلالها من خلال محاصرتها وتصدير الأزمات لها بصفة مستمرة، لانهاكها وتحويلها من دولة مستقرة إلي دولة فاشلة غير قادرة علي الوفاء بمتطلبات مواطنيها مما يؤدي إلى صراع مجتمعي، الأمر الذي يقود المجتمع - بدون بارقة أمل للإنقاذ - إلى إسقاط الدولة وبذلك تكون روسيا قد حققت أهدافها بدون احتلالها. 

وبحسب رشاد، فإن جميع الإجراءات الأمريكية والأوروبية تأتي ضمن ردود فعل للموقف الروسي الذي يحقق أهدافه من إدارة الأزمة، واضعاً في إعتباره قدرته علي تجاوزه لردود الفعل الاقتصادية والسياسية الغربية في ظل تحقيق الأمن القومي الروسي بمفهومه الواسع والحفاظ علي المجال الحيوي له.

ولفت إلى أن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا حققت أهداف روسيا في حماية ودعم مواطني الإقليمين في مواجهة النظام في كييف، إذ حشدت مجموعات شعبية من "لوغانسك ودونيتسك" للاستلاء علي مزيد من الأراضى الأوكرانية لتصبح أطراف قوات المواجهة ، ولن تتوقف هذه المجموعات المدعومة بعمليات القصف الصاروخي والمدفعية والمعاونة الجوية الروسية إلا بعد استبدال النظام بنظام آخر موالي لروسيا يبعد عنها شبح تدخل حلف الناتو في المنطقة التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي سابقا. 

واعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي، أن العمليات العسكرية في أوكرانيا تلويح بالردع للدول التي تحاول الانضمام لحلف النيتو في المجال الحيوي لروسيا، ويصبح الحل هو موافقة كييف علي طلبات روسيا بالتفاوض وعدم الانضمام للنيتو.
-----------------------------
تقرير – رامـي إبراهيم






اعلان