26 - 04 - 2024

محمود عبدالعليم: "أوراق الكافر" صرخة في وجه التخلف والعقم الحضاري

محمود عبدالعليم:

روائي يمتلك أدواته متمرد على الواقع وعلى جمود التراث 
- يجب أن نشتبك مع الماضي مستلهمين الثورة الروحية التي اشعلها ابن عربي والحلاج والثورة العقلانية التي أشعلها المعتزلة 
- أهديت روايتي لأحد رجال الدين المسيحي فصب جام غضبه عليها وحرض ضدي وكذلك فعل أحد المشايخ

خرج من بيت لحفظة القرآن، لكن تمرده على الواقع أنتج عملا روائيا مثيرا للانتباه، أتحدث عن الروائي محمود عبدالعليم بعد صدور أول رواية له بعنوان «أوراق الكافر»، عن دار نبوغ التي طرحتها خلال الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.

الروائي من مواليد ٩ يناير١٩٦٩ في قرية برطباط  بمحافظة المنيا، حصل علي ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية عام ١٩٩١ من جامعة المنيا ويعمل حالياً خبيرا للغة العربية بالتربية والتعليم.. وهو في هذا الحوار يطرح الإشكاليات التي تعالجها الرواية.

* يبدو عنوان الرواية "أوراق الكافر" ملفتا للانتباه .. ضعنا في أجواء الرواية ؟

- دون فصول أو أجزاء تنفتح أحداث الرواية عام ١٩٢٥ على أحمد بن الشيخ عبد العليم والذي تعن له فكرة السفر إلى القاهرة للإلتحاق  بالأزهر، بحثا عن إجابة لتساؤلات نبتت في رأسه جراء قراءته لقصة الغرانيق في أحد الكتب التراثية  وكان الكتاب في حوزة بنت المقدس سمعان جارهم في  قرية مير غرب أسيوط ، ولما التحق بالأزهر مجتازا الاختبار نتيجة حفظه للقرآن، راح يستوعب العلم الشرعي ويتساءل باحثا عن إجابات غير أن شيوخه ضاقوا به ذرعا فتمت محاكمته وتكفيره ومن ثم طرده من الأزهر. 

يتردد بطل الرواية بعدها على الجامعة الأهلية مستمعا لمحاضرات الأستاذ أحمد لطفي السيد والملقب بأبي الليبرالية المصرية، ويبدأ بحثه مرة أخرى عن اليقين الديني وأثناء بحثه المحموم يدخل السجن بتهمة المروق من الدين ويخرج ليجد الحب في قلب ماريان والتي كانت تشبهه من حيث البحث عن الله واليقين الديني.

تمضي الأحداث فيقرر أن يكتب أوراقه وتجربته الوجودية لتقع في يد ابن اخيه (مروان)  منتصف السبعينات والذي كان في مهمة انتحارية تستهدف إحدى كنائس القاهرة بعد أن كان  منخرطا في جماعة التكفير والهجرة، وتنفيذا لأمير تلك الجماعة فيقرأ أوراق عمه فتحدث تلك الأوراق تغييرا جذريا في توجهاته الفكرية ويقرر مؤمنا أو يؤمن مقررا ومرددا مع الشيخ الأشهر ابن عربي الصوفي الكبير :

لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي 

إذا لم يكن ديني إلى دينه داني 

لقد صار قلبي قابلا كل صورة

 فمرعى لغزلان، ودير لرهبان 

وبيت لأوثان وكعبة طـائف 

وألواح توراة ومصحف قرآن 

أدين بدين الحب أنى توجهت 

ركائبه فالحب ديني وإيماني

* ما دلالات استخدام زمنين مترابطين فيها. هل يعني أن المشاكل التي تعانيها مزمنة، وأن نقاشات الماضي هي نفس مانناقشه في الحاضر؟

- الحقيقة أن المشاكل التي نعانيها وسنظل إنما هي مشاكل مزمنة مرتبطة بالماضي الذي يمسك بتلابيبنا  كما كان في أوروبا إبان ما يعرف بالعصور المظلمة .

في أوربا اشتبك المفكرون والفلاسفة (فولتير وروسو وسبينوزا وديدرو وغيرهم ) بتراثهم ولم يتركوه رغم ما عانوه من اضطهاد ومطاردة حتى سلطوا عليه الضوء كاملا فاكتشف الناس على فترات زمنية متباعدة أنه لم يكن كله خيرا وأن الجانب المعتم منه واللا إنساني هو الذي تعمد رجال الدين (الإكليروس) تقديمه للناس .

وسؤالك هذا يجعلني أتساءل في أسف لماذا فشل التنوير في عالمنا العربي؟ لما حدث انسداد تاريخي لمشروع رفاعة الطهطاوي  مرورا بطه حسين وأحمد لطفي السيد وشبلي شميل، حتى مشروع حسن حنفي ونصر حامد أبو زيد  الذي مات مقهورا في غربته الغريبة.

الرواية ربما تطرح ذلك ضمن أطروحاتها غير المرئية، نظرا لكونها عملا روائيا أدبيا بحتا، أقول ربما تطرح المعاناة المزمنة كما جاء في سؤالك.

* لماذا تبدو الأديان محورا أساسيا فيها؟ أليست هناك أسباب إجتماعية ومعرفية أخرى تحكم ثنائية التقدم والتخلف؟

- أعتقد أن الدين ليس مشكلة في حد ذاته، بل أؤمن أن الدين قوة دافعة لإعمار الكون وطاقة خلاقة إن تم تقديمه للناس كوقود للثورة على التخلف والرجعية . كان الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري نبراسا ومحطة مشتعلة بنور الحب والثورة منحازا للفقراء على طول الخط . غير أن الحقيقة أنه على مدار تاريخنا الثقافي تم تهميش مثل هذه الشخصيات عن عمد ربما أو عن غير قصد.

إضافة إلى أن الجانب الإجتماعي المادي لا استطيع أن أغض عنه الطرف، فهو حاضر وبقوة في المشهد الحياتي الإنساني غير أني ارتأيت في روايتي أن أشير مؤكدا خلال الأحداث الشائكة فيها إلى أهمية الدين في حياتنا وكيف يجب أن نراجع ما تلقيناه بالرضا والقبول في تراثنا وأن نتجاوب مع رؤية فيلسوف ومفكر تراثي عربي و أيضا عقلاني  وهو ابن خلدون في أنه (يجب إعمال العقل في الخبر).

والإرهاب الذي نواجهه جميعا في حياتنا الآن، وتحديدا هنا في مصر والعالم العربي لن نقدر عليه إلا بالعدالة الاجتماعية والفكر العقلاني. الإرهابي المسلح تتم مواجهته فورا بالسلاح وأما فكر الإرهاب فوجب مجابهته بالفكر وإعمال العقل والديمقراطية.

* هل تعتقد أن مشاكل مجتمعاتنا جوهرها ديني أم اجتماعي في المقام الاول؟

- ربما تضمنت رؤيتي، القابلة طبعا للنقاش والاختلاف، أننا غير قادرين على التحرك خطوة للأمام طالما أننا مثقلون بماض غرائبي ملغوم. يجب أن نشتبك مع هذا الماضي بعقولنا وبأبحاثنا البناءة مستلهمين الثورة الروحية التي أشعلها ابن عربي والحلاج والثورة العقلانية التي أشعلها مفكرو المعتزلة  ومن سار على هديهم حتى يومنا هذا.

* تكيل النقد المبطن لمؤسسات دينية فيما تقدم مؤسسات دينية أخرى بشكل يحمل روحانية وانفتاحا .. أليس ذلك غير متسق مع فكرة تحميل الدين المسؤولية عن الجمود؟

- بطلة الرواية (هيلانة ) وأيضا (مارثا) متمردتان على المؤسسة الدينة المنتميتان لها . وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإنني قمت بإهداء روايتي إلى أحد رجال الدين المسيحي ولما فرغ منها صب جام غضبه على الرواية وصاحبها، وقطع علاقته بي تماما بل وقام بالتحريض ضدي معللا ذلك بأنني قد أهنت المقدسات التي يقدسها هو .

المشكلة أن أحد المشايخ من أصدقائي أيضا قام بنفس ردة الفعل تجاهي وخاصمني مستندا إلى نفس التعليلات التي تعلل بها صنوه الكاهن على الشاطئ الآخر .

وحتى لا أنسى فإن أحد أبطال الرواية وهو الأستاذ (إيزاك) وهو يهودي مصري  متمرد على تراثه أيضا.

* هل هناك مشاريع روائية أخرى في الطريق .. أم أن مشاكل النشر والمخاوف من طرح رؤى معاكسة للتيار جعلك تمتنع؟

- الحقيقة أنني عانيت من مشكلة النشر فقد قمت بتوقيع عقد مع إحدى دور النشر في مصر بناء على رغبة صاحب الدار المشجعة للكتاب المغمورين أمثالي وكان ذلك في حضور الناقد الكبير مصطفى بيومي، ثم راح صاحب الدار يعتذر رافضا أو يرفض معتذرا طبع ونشر الرواية وتم إفساد العقد بيننا حتى وجدت السيدة مروه المصري الجريئة وصاحبة دار نبوغ الأكثر جرأة  إن صح التعبير فلم تتردد لحظة في تبني الرواية وحملتها على عاتقها وهي تدرك أن طبع تلك الرواية ونشرها ربما يكلفها تبعات ثقيلة على دار ناشئة. 

هذا عن الشق الثاني من سؤالك وأما عن الشق الأول فقد انتهيت من رواية بعنوان (منشية النصارى) وأعكف حاليا على رواية عن السهروردي المقتول وربما لم أستقربعد على الاسم النهائي لها.

* نشرت روايتك الاولى وانت على مشارف الخمسين .. ما السر وراء تأخر طرح كتاباتك؟

- الحقيقة أنني لم أكن أنوي كتابة رواية حتى لنفسي، إلى أن قام القاص محمد عبد الوهاب والصديق مصطفى أبو سمرة واللذان كتبت الإهداء داخل الرواية لهما، قاما بتحريضي على كتابة رواية لأنهما حسب زعمهما يريان أنني قادر على أن أكتب عملا روائيا جيدا . هكذا زعما وهكذا كتبت تلك الرواية .
--------------------------
حوار - رانيا عبدالوهاب







اعلان