25 - 04 - 2024

تورط "كريدي سويس" مع هاربين من الضرائب ومحتالين وسياسيين فاسدين

تورط

التسريبات الأخيرة لا تزال تتردد أصداؤها في العالم
21 مليار دولار خسائر العالم سنويا بسبب حماية سويسرا للمتهربين ضريبيا

كشف التسريب الخاص بـ “كريدى سويس” أشهر المؤسسات المالية في سويسرا، جزء من ثروات لعملاء متورطين في جرائم تعذيب واتجار بالمخدرات وغسيل الأموال ومحتالين.

تضمن التسريب تفاصيل الحسابات المرتبطة بـ 30 ألف عميل من عملاء البنك في جميع أنحاء العالم، كما كشف المستفيدين من تلك العمليات التي تبلغ قيمتها 100 مليار فرنك سويسري، ما يعادل 80 مليار جنيه استرليني.

وشملت قائمة العملاء المشبوهين متاجر بالبشر في الفلبين، ورئيس بورصة هونج كونج والذي تم سجنه بسبب الرشوة، وملياردير أمر بقتل صديقته، ومسئولين تسببوا في فساد شركة النفط في فنزويلا، بجانب سياسين فاسدين. ومن الملفت للانتباه أن أحد الحسابات المملوكة للفاتيكان تم استخدامه للاستثمار بقيمة 350 مليون فرنك سويسري في عقار بلندن هو محور النزاع في قضية منظورة من قبل القضاء في الوقت الحالى.

ويدعي البنك ردا على التسريب أن الأمور التي كشف عنها المراسلون الصحفيون تستند إلى معلومات انتقائية مأخوذة من سياقها، مما أدى إلى التأويلات المغرضة للسلوك التجاري للبنك.

وقال البنك إن المراجعة الأولية للحسابات، التي تم متابعتها في مشروع الإبلاغ عن الأسرار السويسرية، قد أثبتت أن ما يتجاوز 90% من الحسابات التي تمت مراجعتها قد أغلقت حالياً أو كانت في مرحلة الإغلاق قبل استلام الاستفسارات الصحفية.

ويرى جيف نيمان، المحامي المقيم في فلوريدا والذي يمثل مجموعة من المبلغين عن قضايا الفساد داخل بنك كريدى سويس، أن العدد الهائل من الفضائح التي تورط فيها البنك يشير إلى مشكلة أعمق. وأضاف:” يفضل البنك أن يقول إنهم مجرد مصرفيين محتالين. ولكن كم عدد الموظفين المحتالين الذين تحتاجهم قبل أن تصبح بنك احتياليا؟”. ويؤكد نيمان أن هناك ثقافة في البنك تشجع جميع المصرفيين المحتالين، من أكبر إلى أصغر مصرفي على عدم سماع ولا رؤية ولا الإفصاح عن عمليات الفساد، لكن عليهم دفن رؤوسهم في الرمال.

وواجه بنك كريدى سويس على مدى العقود الثلاثة الماضية، ما لا يقل عن اثني عشر عقوبة و جزاء على الجرائم التي تشمل التهرب الضريبي، وغسيل الأموال، والانتهاك المتعمد للعقوبات الأمريكية وعمليات الاحتيال التي نفذتها ضد عملائها على مدى عقود أمام سلطات قضائية متعددة. وبلغ إجمالي الغرامات أو التسويات نحو 4.2 مليار دولار.

وأصبح بنك كريدى سويس أول بنك سويسري كبير في تاريخ البلاد، يواجه اتهامات جنائية تتعلق بادعاءات حول مساهمته في جرائم غسيل الأموال التي تأتي من تجارة الكوكايين لصالح جماعات المافيا البلغارية. وتقول المصادر إن تداعيات التسريب الأخير قد تتوسع ولا تكتفي ببنك واحد، مما يهدد بأزمة لسويسرا، وتدير المؤسسات المالية السويسرية أصولا بنحو 7.9 تريليون فرنك سويسري ما يعادل 6.3 تريليون جنيه استرليني وما يقرب من 50% من هذه الأموال مملوك لعملاء أجانب.

وطورت البنوك السويسرية سمعتها منذ عام 1713 ، عندما منع مجلس جنيف العظيم المصرفيين من الكشف عن تفاصيل حول الثروات التي يودعها الأرستقراطيون الأوروبيون. سرعان ما أصبحت سويسرا ملاذاً ضريبياً للعديد من النخب في العالم ، ورعى المصرفيون فيها “واجب الصمت المطلق” بشأن شؤون عملائهم.

وتم النص على واجب الصمت في القانون عام 1934 مع إدخال قانون السرية المصرفية السويسري، الذي يجرم الكشف عن المعلومات المصرفية للعملاء إلى السلطات الأجنبية، وفي غضون عقود، كان العملاء الأثرياء من جميع أنحاء العالم يتدفقون على البنوك السويسرية، وكان هذا يعني أن لدى العملاء شيء يخفونه.

وتعد حالة الديكتاتور الفلبيني الفاسد فرديناند ماركوس وزوجته إيميلدا واحدة من أكثر الحالات شهرة في تاريخ كريدى سويس ، فقد سرق الزوجان نحو 10 مليارات دولار من الفلبين خلال الفترات الثلاث التي حكم فيها ، والتي انتهت في عام 1986.

وتحتوي البيانات المسربة على حساب يخص هيلين ريفيلا، وهي محامية أدينت في عام 1992 للمساعدة في غسل الأموال نيابة عن فرديناند ماركوس، على الرغم من ذلك، تمكنت من فتح حساب سويسري في عام 2000، وكذلك زوجها أنطونيو، الذي واجه تهماً مماثلة تم إسقاطها لاحقًا، ومن الصعب معرفة كيف كان بنك كريدى سويس قد فاته قضية غسيل الأموال التي تربط الزوجين بالزعيم الفلبيني الفاسد، والتي نقلتها وكالة أسوشيتيد برس.

وتقول الجارديان: ربما كان من المتوقع أن يكون البنك قد اكتشف أن عميله الألماني إدوارد سايدل قد أدين بالرشوة في عام 2008. وخلال عمله في شركة سيمنز، أشرف سايدل على حملة رشوة لتأمين عقود مربحة لصاحب العمل عن طريق تحويل الأموال إلى السياسيين النيجيريين الفاسدين، وأدى تورطه إلى إدخال اسمه في قاعدة بيانات تومسون رويترز ورلد تشيك في عام 2007. ومع ذلك، تركت حساباته مفتوحة حتى العقد الماضي في مرحلة ما بعد مغادرته شركة سيمنز،و بلغت قيمة حساب واحد 54 مليون فرنك سويسري (24 مليون جنيه إسترليني).

وتضيف الجارديان أن “كريدى سويس” لديه حسابات مجمدة تخص عملاء يعانون من مشاكل، ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة حول مدى سرعة تحرك البنك لإغلاقها.

فأحد العملاء، ستيفان سيدرهولم ، فني كمبيوتر سويدي فتح حسابًا لدى البنك في عام 2008 ، تمكن من إبقائه مفتوحًا لمدة عامين ونصف بعد إدانته على نطاق واسع بتهمة الاتجار بالبشر في الفلبين ، والتي من أجلها حكم عليه بالسجن مدى الحياة. ورغم ذلك قال ممثل عن سيديرهولم للصحيفة إن “كريدى سويس” لم يجمّد حساباته أبدًا ولم يغلقها حتى 2013.

كذلك رونالد لي فوك-شيو، الرئيس السابق لبورصة هونج كونج والذي انتهت مسيرته المهنية في 1990 عد تم إدانته بالحصول على رشاوي لإدرج الشركات في البورصة، ولم يمنعه ذلك ولا الوقت الذي قضاه في سجن شديد الحراسة، من فتح حساب مصرفي بعد عقد من الزمن وأودع فيه لاحقا 59 مليون فرنك سويسرى.

نفس الأمر بالنسبة لرودوليوب رادولوفيتش، وهو محتال صربي تمت إدانته بالتلاعب في الأوراق المالية الصربية من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية. ومع ذلك، فإن البيانات المسربة تحدده على أنه شريك في التوقيع على حسابين لشركة، وتم افتتاح الأول في عام 2005، وهو العام الذي أعقب حصول لجنة الأوراق المالية والبورصات على حكم افتراضي ضده، وامتلك حساب واحد لشركة رادولوفيتش نحو 3.4 مليون فرنك سويسري قبل إغلاقه في 2010، وتم الحكم عليه مؤخرا بالسجن 10 سنوات في بلغاريا لدوره في الاتجار بالكوكاين من جنوب امركيا.

وتقدر شبكة العدالة الضريبية أن البلدان في جميع أنحاء العالم تخسر مجتمعة 21 مليار دولار (15.4 مليار جنيه إسترليني) كل عام في عائدات الضرائب بسبب سويسرا، ومعظم تلك البلدان هي الأكثر فقرا والتى لم تسجل في تبادل بيانات الضرائب.

وقالت الجارديان إن هذا الوضع يمكّن من الفساد ويحرم البلدان النامية من عائدات الضرائب التي تشتد الحاجة إليها. وبالتالي فإن هذه البلدان هي التي تعاني أكثر من غيرها من حيلة روبن هود العكسية لسويسرا.

وتقول الصحيفة إن البيانات المسربة مليئة بالسياسيين وحلفائهم الذين تم ربطهم بالفساد قبل أو أثناء أو بعد أن يكون لديهم حساباتهم و العديد منهم مارسوا قوة عظمى في بلدان من سوريا إلى مدغشقر، حيث جمعوا ثروات شخصية.

ومن بينهم بافلو لازارينكو ، الذي خدم سنة واحدة كرئيس لوزراء أوكرانيا بين عامي 1997 و 1998 قبل التقدم بطلب للحصول على حساب في كريدى سويس بنحو 8 ملايين فرنك.

وقدرت منظمة الشفافية الدولية لاحقًا أن لازارينكو نهب 200 مليون دولار من الحكومة الأوكرانية، من خلال التهديد بإلحاق الضرر بالأعمال التجارية ما لم يدفعوا له 50% من أرباحهم.

وأقر المسئول الأوكرانى بأنه مذنب في غسل الأموال في سويسرا في عام 2000، ووجهت إليه لاحقًا في الولايات المتحدة تهمة الفساد وحُكم عليه بالسجن تسع سنوات في عام 2006 فيما يتعلق برشاوى تلقاها من رجل أعمال أوكراني.

وفي الوقت الذي كان يتعامل فيه مع لازارينكو ، يبدو أن كريدى سويس قد حقق أيضًا نجاحات في المؤسسة السياسية المصرية، وكشفت البيانات وجود ألفى عميل في مصر، في ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك، الذي امتد حكمه لثلاثة عقود حتى عام 2011. وكان من بين عملاء البنك ولدا مبارك، علاء وجمال.

عملاء كريدي الآخرون المرتبطون بحسني مبارك هم قطب المال الراحل حسين سالم – الذي عمل كمستشار مالي لمبارك لما يقرب من ثلاثة عقود، وجمع ثروة من خلال الصفقات التفضيلية وتوفي في المنفى بعد مواجهة تهم غسل الأموال.

وحدد المراسلون العاملون في مشروع الابلاغ عن الأسرار السويسرية حسابات كريدي سويس المرتبطة بما يقرب من عشرين من رجال الأعمال والمسؤولين والسياسيين المتورطين في مخططات الفساد في فنزويلا، والتي يدور معظمها حول شركة النفط الحكومية بتروليو دي فنزويلا.

وتقول صحيفة الجاريان إن المبلغين أقروا أن التسريب سيحتوي على حسابات شرعية وأعلن عنها العميل لمصلحة الضرائب الخاصة به، ووقالوا إن امتلاك حساب مصرفي سويسري خارجي لا يعني بالضرورة التهرب الضريبي أو أي جريمة مالية أخرى”.

“ومع ذلك ، فمن المحتمل أنه تم فتح عدد كبير من هذه الحسابات لغرض وحيد هو إخفاء ثروة أصحابها من المؤسسات المالية أو تجنب دفع الضرائب على مكاسب رأس المال”.
---------------------
تقرير - هيباتيا موسى






اعلان