27 - 04 - 2024

الأكريليك والألوان المائية تنعى رحيل محمد الطراوى

الأكريليك والألوان المائية تنعى رحيل محمد الطراوى

بعد صراعه مع المرض فى الأسابيع الماضية صعدت روح الفنان محمد الطراوى لبارئها تاركا لنا إنتاجا مهما ومؤثرا فى التصوير بالألوان المائية والأكريليك. أعمال تقترب من وجدان المشاهد لما تحمله من مشاعر صادقة، وإحساس يؤكد أن روح الطراوى هى التى كانت تقود الفرشاة وتحركها للتشكيل على مسطح الأبيض لترجمة حكاياته الناتجة عن رحلاته البصرية فى الحياة والخيال.

إختار الطراوى الألوان المائية ليصور بها وجوه الناس الذين قابلهم فى رحلاته بمحافظات مصر بأسلوب حالم يتميز بالرقة والجمال مؤكدا على الملامح الإنسانية كوسيلة للتعبير بمفهوم خاص تميز به. فالألوان المائية تسبح على الورق فتتفتح شخصياته وتشع بالطاقة من خلال الألوان المختلفة الدرجات التى تشعر بإكتمالها ونجاح رسالة الفنان فى تصوير الحالة التى يراها بصدق يدفعك لتأمل إمكانياته العالية للعب بالألوان وقدرته التأثيرية من خلالها.

تطور وعى الفنان بالخامة التى عشقها فبدأ يطوعها ويسيطر عليها من خلال التفاعل معها وهى مبللة بسرعة تجعله يتناول مايراه من خلال الحالة الحسية التى إنتصرت على الرؤية التقليدة للأشياء. الألوان المائية تحتاج الى قدرة الفنان على التفاعل معها للحصول على مميزات إضافية يكتشفها الفنان أثناء الحالة الإبداعية وينفذها قبل أن تجف. من هنا تكون النتائج لوحات بها حالة تبادلية بين العاطفة والألوان تجعلها تتنفس إحساسا يحرك مشاعر المشاهدين. فقد أستطاع الطراوى بألونه أن يصور المناظر الطبيعية ويؤكد التأثيرات الخاصة به من دكانة الألوان وشفافيتها. 

كان للطراوى مشروعه الخاص فى تأكيد الحالة الحسية التأثيرية بالتوازى مع تصويره للشخصيات التى أضاءت أغلفة مجلة روز اليوسف. فقد تناول نفس الشخصيات بأسلوب مجرد بألوان مائية وبالألوان الأكريليك التى أبدع من خلالها العديد من الأعمال التى تناولت القضايا الإنسانية وخاصة قضايا المرأة بشكل رمز وبرؤية جمالية وفلسفية متميزة.

تناول محمد الطراوى مشاهد متعددة من الطبيعة وإهتم بشكل خاص بالبيئة الطبيعية هروبا من زحام القاهرة. فصور الأشجار والأنهار والبيوت البسيطة بحميمية ورقة فى التعبير، وبراعة فى التوزيع اللونى والضوئى والتداخلات الظلية ليكشف الجمال بعيدا عن الوصف التقليدى متجاوزا التفاصيل بإنحيازه للمهارة التقنية وللبساطة التعبيرية دون سرد ليكشف عن الجمال بالمهارة والقدرة على التركيبات والتداخلات الخطية واللونية المرتبطة بقوة الإحساس وبراعة الأداء ورشاقة الأسلوب فى توزيع العناصر وشاعرية وشفافية ربطها بعضها البعض ليحقق حالة جمالية بتأثيرات حسية وخيالية ورمزية بلا مبالغة أو تحذلق. وقد إهتم الفنان بتصدير الإشارات الرمزية من خلال تطويعه للإيقاعات اللونية والضوء والظل وتأكيد حالة الدفء للمكان والأشخاص الذين يتناولهم بحالة حسية صادقة.

حين تناول الفنان ألوان الأكريليك تأكدت مهارات إضافية من خلال ضربات الفرشاة الواعية بمساحات كبيرة متداخلة مشحونة بالأفكار التعبيرية والرمزية مع إستيعاب القيم الجمالية وإبراز الطاقات الكامنة داخل الإنسان ولكن بتعبيرات لونية مجردة يجعل من الشكل المحسوس معنىيتخلى عن الجوانب المادية ويحتفظ بقيم الجمال وفق سلم الألوان المتصاعد. وقد إستفاد من تجربته مع الألوان المائية برقتها الهامسة أثناء تناوله لألوان الأكريليك فظهرت الشفافية والرقة والإنسيابية ووشوشة الملامس لبعضها، وإهتمام الفنان بالبناء المتناغم للكتل والمساحات.

ولد الفنان محمد الطراوى، عام 1956 ورحل يوم 23 فبراير 2022، وحصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم جرافيك 1980، وعمل رسامًا بمؤسسة روز اليوسف, فى مجلة صباح الخير، وشارك فى عدد من المعارض الجماعية، كما أقام عددا كبيرا من المعارض الفردية منها: معرض “هي” بقاعة الباب سليم بمتحف الفن المصرى الحديث بالأوبرا نوفمبر 2015، ومعرض “هن” بمتحف الفن المصرى الحديث بالأوبرا أكتوبر 2017، ومعرض “هن 2” بالإسكندرية أكتوبر 2018. ويعد معرض "كونى أنت" أخر معرض له والذى أقامه بقاعة الباب الملحقة بمتحف الفن الحديث بدار الأوبرا المصرية فى نوفمبر 2021

  كما حصد الفنان عدد من الجوائز والشهادات منها الجائزة الأولى فى الدورة السابقة لجائزة دبى الثقافية للإبداع 2010، 2011، وشهادة تقدير من الترينالى الدولى للشباب بقاعة عبدالمنعم الصاوى 1993
---------------------------
بقلم: د. سامى البلشى






اعلان