25 - 04 - 2024

"المعراج" يضع إبراهيم عيسى في قلب العاصفة

تحقيق في النيابة ومطالبات "برلمانية" بالقصاص وبلاغات تتهمه بتشكيك الناس في معتقداتهم 

"المسلم في عام 2022 لا يحتاج لأي رجل دين أو شيخ في حياته، والقصص التي يقوم المشايخ بسردها على مستمعيهم تصل نسبة الكذب فيها لـ99%" . "طب إيه رأيك إن مفيش معراج، هتصدق إن مفيش؟، وكل قصة إنه طلع السما وشاف الناس اللي في السما وشاف الناس في النار، كل دي قصة وهمية كاملة، دي كتب السيرة والتاريخ والحديث هي اللي بتقول، لكن هو مصدّر لك الكتب والقصص اللي بتقول حصلت".

كانت هذه الكلمات كافية لتنقلب الدنيا رأسا على عقب، ويصبح إبراهيم عيسى حديث كل الأوساط من النيابة إلى البرلمان إلى علماء الدين والمثقفين والمفكرين وانتهاء برجل الدين البسيط، ويصل الأمر إلى حد تكفيره!.

حديث إبراهيم عيسى لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقه إليه كثيرون من بينهم علماء دين وكتاب، وكان آخرهم د. يوسف زيدان والدكتور محمد هداية عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، فما الذي جري؟

النيابة العامة، قالت في بيان رسمي، إنه تقرر التحقيق مع إبراهيم عيسى بناء على البلاغات المقدمه ضده، وأنه سيتم الإعلان عن نتائج التحقيقات لاحقا.

وتقدم محامون ببلاغات ضد الإعلامي يتهمونه بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وازدراء الأديان، والترويج للأفكار المغلوطة، وإثارة الفتنة والإضرار بالأمن العام والسلم الاجتماعي وتشكيك الناس في معتقداتهم ودينهم.

وردت دار الإفتاء والأزهر على ما قاله في برنامجه التليفزيوني بقناة "القاهرة والناس"، حيث أكدت دار الإفتاء أن "رحلة الإسراء والمعراج حَدَثت قطعًا؛ لأنَّ القرآن أخبرنا بذلك، ولا يجوز إنكارها بحال من الأحوال، وأن القرآن أكد في آياته الكريمة ثبوت الإسراء وكذلك ثبوت المعراج ورؤية الرسول لجبريل في المعراج".

أضافت دار الإفتاء أن "جمهور العلماء اتفق على أَنَّ الإسراء حَدَث بالروح والجسد، لأنَّ القرآن صرَّح به، لقوله تعالى: "بِعَبْدِهِ" والعبد لا يطلق إلَّا على الروح والجسد، وجمهور العلماء من المحققين اتفق على أنَّ المعراج وقع بالجسد والروح يقظةً في ليلة واحدة". وأوضحت أن "ما يراه البعض من أَنَّ المعراج كان بالروح فقط أو رؤيا منامية، فإنَّ هذا الرأي لا يعوَّل عليه، لأنَّ الله عزَّ وجلَّ قادرٌ على أن يعرج بالنبيِّ بجسده وروحه كما أسرى به بجسده وروحه، وتعجُّب العرب وقتها كان دليلا على القيام بالرحلة روحًا وجسدًا، فلو كانت رؤية منامية ما كانت تستحقُّ التعجُّب منهم".

وقال المركز العالمي للفتوى بالأزهر إن مُعجزة الإسراء والمعراج من مُعجزات رسول الله المُتواترة، والثَّابتة بنصِّ القرآن الكريم في سُورتي الإسراء والنَّجم، وبأحاديث السُّنة النَّبوية المُطهّرة في الصّحيحين والسُّنن والمسانيد ودواوين ومصنَّفات السُّنة، والتي انعقد على ثبوت أدلّتها ووقوع أحداثها إجماعُ المُسلمين في كلِّ العُصور، بما لا يَدع مجالًا للتشكيك.

وتابع "أن كل ما ورد في القُرآن الكريم وسنّة النّبي الثّابتة من المُسلّمات التي لا يُقبل الخوض فيها مُطلقًا، ولا يُقبل تفصيل أحكامها وبيان فِقهها من غير المُتخصّصين".

وقال طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب في بيان إنه يثق تماما في "قدرة القضاء المصري على القصاص من إبراهيم عيسى، وتخاريفه وأكاذيبه وتشكيكه في ثوابت الدين الإسلامي الحنيف".

وأضاف أن العيب ليس فى إبراهيم عيسى وأمثاله، و"لكن العيب في صمت بعض المسؤولين وعدم محاسبة كل من يخرج عن القيم والتقاليد المصرية، وثوابت الدين الإسلامي الحنيف"، مطالبا بـ"محاكمة أمثال هؤلاء المسؤولين قبل محاكمة المذيعين والإعلاميين الذين يقعوا في أخطاء كارثية، وصلت إلى حد التشكيك فى القرآن الكريم والسنة النبوية". كما طالب بـ"وقفة حاسمة ووضع استراتيجية جديدة ومعايير واضحة وحاسمة لكل من يعملون بالإعلام المصري".

وتباينت آراء نخبة الكتاب فيما قاله عيسى حيث أكد الدكتور كمال مغيث "أن الإختلاف حول قضايا الدين هو السمة الغالبة فى التراث الإسلامى، وكلنا يعرف أن المتكلمين من مختلف المدارس الإسلامية قد اختلفوا فى ذات الله وصفاته وتجسيده، واختلفوا فى كون الإنسان مجبرا مسيًرا أم مختارا حرا، وفى كون مرتكب الكبيرة: كافر هو؟ أم مؤمن شاب إيمانه شائب؟ واختلفوا فى القضاء والقدر وكسب الانسان لنتائج أفعاله، واختلفوا فى القصص القرآنى: أهو رمزى معنوى للعبرة والدرس فقط؟ أم هو واقع تاريخى تجسد وتحقق، واختلفوا فى الأخذ بفكرة الناسخ والمنسوخ من آيات القرآن، واعتبار أسباب النزول أو إهدارها، واختلفوا فى آيات القرآن حول الأخذ بفكرة خصوص السبب أو عموم المعنى.. وهكذا لا تكاد توجد قضية دينية كبيرة أو صغيرة إلا اختلف حولها المسلمين أنفسهم ، ومع كل هذا التنوع فى الناس وعقائدهم، ومع كل هذه الاختلافات بين المتكلمين والفقهاء، لم يكن هناك معنى لتكفير مسلم يؤمن بهذا الجانب أو ذاك من القضايا الخلافية التى أشرت إليها

ويضيف د. كمال مغيث : "ظلت مصر والتدين الإسلامى فيها بخير وإسماح، حتى فتحت الدولة الباب على مصراعية فى الإعلام وفى المساجد وفى الشارع للخطاب الوهابى الحنبلى الذى يكفر الناس على كلمة أو رأى أو موقف باعتبار أن الحقيقة واحدة وأنه هو من يملك تلك الحقيقة المطلقة".

أما الكاتب نبهان رمضان فدعا الى حوار هادئ وقال إن هذه القضية تحتاج إلى تخصص و ليست لعامة الناس ليس فقط من يدلي برأيه و ايضا في جمهور التلقي، حتى لا تحدث بلبلة في العقيدة. وطرحها على عموم الناس بهذه الطريقة له غرض في نفس الطارح بالتأكيد و أن حسنت النوايا نقول إنه يدعو التفكر لكنه لم يأت بجديد سبقه غيره في إنكار حدوث المعراج لكن اي معراج يعني أو يقصد الموجود في كتاب الله القران الكريم و الآيات التي تثبت ذلك أم التفاصيل الموجودة في كتب التي تتصف بالاسرائيليات أو كتب المستشرقين عليه أن يحدد و لا يترك الأمور على عواهنها.

وأوضح أن ما يثير الجدل أو ما يقصده ابراهيم عيسى  المحطة الأخيرة من رحلة الإسراء والمعراج، وهي الوصول إلى السماء ومما لا شك فيه أن المرويات التاريخية التي تطرقت إلى رحلة الرسول محمد (ص) لم تدون بصورة تفصيلية ودقيقة، ربما  تمس الغيبيات  التي لا يمكن أن يستوعب العقل الجمعي بل تحتاج متخصصين في دراساتها. الحق يقال ان الرحلة إلى السماء قد رافقتها الكثير من الخرافات والروايات الدخيلة، وكذلك المرويات الإسرائيلية حتى أن هنالك كتيب يعرف بـ(الإسراء والمعراج) يُنسب إلى عبد الله بن عباس (رض)، فيه تفاصيل كثيرة عن وصف السموات السبع، والحقيقة أن هذا الكتاب يحتوي أغلبه على الخرافات والأكاذيب، وبالتالي فهو (كذب محض وافتراء ظاهر).

يضيف نبهان رمضان أن المستشرقين لم يتركوا حادثة الإسراء والمعراج هكذا أيضا دونوا  رأيهم فيها، حيث كان لهم اهتمام واضح في هذا الموضوع الحساس في الفكر والعقيدة الإسلامية، فيرى المستشرق الايطالي فرانشيسكو غابرييلي بأن الاعتقاد والإيمان بمعجزاته (الرحلة الليلية) من مكة إلى القدس ومن ثم إلى السماء، التي أستند إليها الكثير من الإيمان بالآخرة و ما يحدث فيها مثل البعث والحساب ، واصفا إياه نوع من أنواع الأحلام وهناك  عدد من المستشرقين الآخرين وآرائهم التي تختلف بين مستشرق وآخر ما بين أن تكون حادثة الإسراء والمعراج رواية أو أحلام أو رؤيا أو تجربة روحية ونفسية حدثت أثناء نوم الرسول محمد (ص).

 حادثة الإسراء تم ذكرها في القرآن الكريم ، في قوله (سبحانه وتعالى): (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى...) وهي واضحة لا تقبل التأويل، أما المعراج فلم يرد في القرآن الكريم، ولكنه استدل عليه من آيات سورة النجم:  وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى  مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى  وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى  إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى  (سورة النجم، الآيات: 1-4). كما هو واضح ان النص القرآني إنما يتحدث عن حادثتين منفصلتين لا حادثة واحدة. 

أما الدكتور كمال حبيب فيؤكد: "كان الإسراء والمعراج في ليلة واحدة بالروح والجسد في اليقظة بصحبة جبريل الذي لم يفارق النبي إلا عند سدرة المنتهى

كانت ليلة من أبهج الليالي في حياة النبي وفي حياة المسلمين من بعدهوفي حياة هذه الرساله الخالده وهذا الدين العظيم، وستبقى كذلك إلى يوم الدين حدث ذلك في مكة قبل الهجرة إلى طيبه تثبيتا للنبي وإكراما وليكون هو محمد خاتم النبيين وخاتم الذين تلقوا وحي رب العالمين وخاتم المرسلين والمقربين الذين كلمهم رب العالمين كفاحا بلا زيغ لبصر ولا طغيان، وقد سجل الله حدث الإسراء في الكتاب العزيز وسمي سورة الإسراء به، كما سجل المعراج في سورة النجم و بوب البخاري بابا للإسراء ثم بوب بابا آخر للمعراج وسجله مسلم في صحيحه ودواوين السنة ومسانيدها وأجمع المسلمون على حادثة الإسراء والمعراج" 

ويرى د. محمود خليل أن "الإشكالية فى اللخبطة الحاصلة حول واقعة الإسراء والمعراج أصلها الفارق ما بين تصورين، ينظر أولهما إلى الواقعة من زاوية النبى محمد صلى الله عليه وسلم كإنسان، وينظر ثانيهما إليها من زاوية الخالق العظيم القادر على كل شىء".

ويضيف: "فى سياق ذلك الزمان مثلت الحادثة خرقاً للواقع، لذلك لم يصدقها عرب مكة من المشركين، وارتاب فيها عدد من المؤمنين بالنبى صلى الله عليه وسلم، لأن تقييمهم لها تم على أساس النظر إلى النبى كبشر مثلهم، وقد كان بالفعل كذلك، لكنهم نسوا وحى السماء: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ».

ويضيف خليل: "هناك خلاف على الكيفية التى حدث بها المعراج، فهناك من يؤمن أنه حدث للنبى واقعاً (جسداً وروحاً)، وهناك من يرى أنه رؤيا رآها النبى صلى الله عليه وسلم، ورؤيا الأنبياء حق"
----------------------
تقرير – فدوى مجدي
من المشهد الأسبوعي







اعلان