25 - 04 - 2024

المحاماة بين القـدح والمـدح (2-2)

المحاماة بين القـدح والمـدح (2-2)

المحاماة أحد لزوميات العدالة، وهي مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في استظهار الحقائق لتحقيق العدل وتأكيد سيادة القانون حسب نصوص القانون، مرجع السلطة القضائيـة،  فالعدالة كل كامل لا يتجزأ وإلاّ انهدم وانعـدم.

ومن واقـع الحياة العملية وما رآه البعض من مآخذ حيال مهنة المحاماة، فيمكن مناقشة الذين يرون حرمة العمل بمهنة المحاماة، فيمكن الرد عليهم بالآتـي:-

1- إذا كان بعض المحامين يخالف اصول المهنة فهذا لا ينطبق على الجميع. وأن المبدأ الأساسي لمهنة المحامي هو تفسير القانون وتطبيق النص على الدعوى المعروضة توصلا إلى العدالة. فالمهنة بريئة من الكثرة الغالبة التي تسيء إليها بالغ الاساءة والعقاب من الله شديد لمن يبغي الفساد في الارض، فالارزاق قد قدرت سلفًا ولن يحصل إنسان مهما حاول على أكثر مما قدر له، وأنما يلقى فقط الخسران المبين. ولقد أمر الله تعالى المحامين أن يقولوا الحق شأنهم شأن القاضي تمامًا "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون".

2- أن المحامي يؤدي أعمالًا جليلة وعظيمة في خدمة العدالة بهدف الوصول إلى الحقيقة بسرعة فيحاول توفيره علاوة على مقدرته على دحض الحجج والمزاعم التي يدعيها الخصم الآخر كما يساهم في توفير الوقت أمام القضاء لمعرفته بما هو يفيد في بيان الحقيقة دون الإطالة في المرافعات بكلام مرسل لا جدوى منه وهو ما قد يفعله صاحب الخصومة لأنه غير متخصص. ولذلك فقد ذكرت المادة (131) من قانون السلطة القضائية المصري أن المحامين ضمن أعوان القضاء، كما تنص المادة الاولى من قانون المحاماة على أن: "المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وفي تأكيد سيادة القانون، وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم". أمّا ما قالوه بأن مهنة المحاماة لم تكن معروفة في عصر صدر الاسلام أنما كان ذلك ناشئاً عن صفاء في نفوس الناس وارتقاء في طبائعهم في هذا الوقت، لأنهم كانوا لا يتكلمون إلّا بالصدق، فلا يدعي المدعي ولا يدفع المدعى عليه إلاّ بما يطمئن إليه قلبه من قسط وإنصاف وهو ما يسهل من تعيين الجانب الراجح والفصل في القضية.

3- أن مجالس القضاء قديمًا كانت علنية يغشاها كبار أهل العلم والفقه ولا شك أن وجود هؤلاء يشكل رقابة فقهية وقضائية عالية  تساعد القاضي على أن يقضي بالعدل وبالتالي قل التوكيل لمن يريد أن يوكل الآخر في الخصومة وإن لم يحسن الدفاع عن نفسه.

4- أن القول بتحريم مهنة المحاماة يخالف المصالح المرسلة للناس التي تتطور وتتجدد كل يوم ويؤدي إلى تحريم قوانين ونظم الصياغة والصناعة والتعليم والزراعة والطيران وغيرها مما لم يكن معروفاً من قبل.

5- وكذلك التيسير على الناس عمومًا والموكل بصفة خاصة وتسهيل امور دعواه سواء كان مدعيا ام مدعى عليه بعد أن تشعبت شئون الحياة وتشابكت المصالح وتعددت المنازعات وكثرت القوانين واللوائح والنظم التي تنظم التقاضي امام المحاكم. وخلافَا لما يراه البعض أيضًا فأنه لا يقدح في عمل المحامي ترافعه عن متهم أقر بالتهمة واعترف بها لأن رسالته في مثل هذه الحالة قد تكون أوجب وألزم، حتى لا يتعرض المتهم لغلظة في العقاب على نحو لا مبرر له أو تجاوز في تطبيق العقوبة لا سند له من الشرع أو القانون.

فالعقوبة رحمة من الله بعباده فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان إليهم، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس بذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض.

حيث يكون دور المحامي في هذه الحالة توضيح ظروف وملابسات ارتكاب الجريمة فقد تكون دفاعاً عن النفس أو المال أو العرض وخاصة عندما يكون المتهم غير مدرك لفعلته نتيجة مرض عقلي يمنعه من العقـاب ويعفيه من المسؤولية وتسليط الضوء على الدعوى وتمحيص ادلتها ومناقشة الشهود والقرائن وكل ما يوضح الظالم الحقيقي.

ففي هذه الحالة يلعب المحامي دورًا في عدم تجاوز العقوبة الحدود المقررة لها قانونًا وفي حدود القسط والاعتدال، فلو حدث هذا التجاوز لأدى إلى التعاطف مع الجرم بدلًا من سخطهم عليه وفقد الناس ثقتهم في عدالة القضاء.

وأن مهنـة المحاماة جائزة شرعًـا إذا كان فيها إحقاقًا للحق وإبطال الباطل، ورد الحقوق الى اصحابها ونصرة للمظلوم وهذا ما ذهب إليه اغلب اهل العلم ولا تجوز شرعًا ويكون في العمل بها اثم شرعي ومخالفة للقانون إذا كانت لقلب الحقائق وتضليل العدالـة لكونها في هذه الحالة من باب التعاون على الاثم والعـدوان الذي نهانا  الله عز وجل عنه في قوله: "ولا تعاونوا على الإثم والعـدوان".
---------------------------
بقلـــم محمـد جـلال عبـد الرحمن
*محـامٍ وكاتب حاصـل على جائـزة الدولـة في العلـوم الرقميـة
*  بريــد الكترونـي:   [email protected]

مقالات اخرى للكاتب

سلطــة المحكمة التجارية في إحضـار شاهـد بالقـوة الجبـريـة في النظام السعودي





اعلان