29 - 03 - 2024

نتفليكس.. وتطبيع الرذيلة

نتفليكس.. وتطبيع الرذيلة

فى ظل غياب مسطرة التوافق المجتمعى على ضرورة احترام العادات والتقاليد والقيم والأخلاق، و اعتبار البعض هذا الاحترام مسألة حرية شخصية غير ملزمة للجميع، واتساع الفجوة بين المثقفين المنادين بحرية التعبير والفن والفكر وبين المواطن العادى فى الشارع العربى، استطاعت الولايات المتحدة النفاذ للشعوب العربية والتأثير عليها وعلى سلوكياتها فى عصر "إعلام العولمة" والسماوات المفتوحة والتكنولوجيا الرقمية، واحتلت صدارة منتجى ومصدرى الأفلام والمسلسلات على مستوى العالم. 

 وإعلام العولمة هو إعلام استهلاكى يهدف لإعادة تشكيل الحياة الاجتماعية للشعوب وفقا لمصالح الأطراف المهيمنة، ويدعو للدخول فى ركب الثقافة الغربية بكل إيجابياتها وسلبياتها مقابل التعدى على الثقافات الوطنية للشعوب. 

ويبدو أن الولايات المتحدة مع انحسار دورها فى المنطقة العربية واتجاهها شرقا لملاحقة مخاطر التنافس والهيمنة القادمة من الصين، تريد أن تترك أثرا يدوم ويجعل شعوب المنطقة أسرى للفكر والثقافة الغربية دون احتلال أو حروب من خلال التغريب الثقافى. 

فيلم "أصحاب ولا أعز" هو أول فيلم عربي من إنتاج المنصة الأمريكية الشهيرة نتفليكس التى استغلت مرور العالم بجائحة ومكوث الناس فى بيوتهم فترات طويلة واستطاعت أن تحقق أرباحا خيالية وشهرة واسعة عن طريق ما يطلق عليه "الترفيه المنزلى" لكنه فى واقع الأمر ليس ترفيها على الإطلاق بل مخطط لهدم القيم وإشاعة الفحش ودعم الشذوذ.

أدركت روسيا مبكرا أهداف ومخاطر هذه المنصة على البناء الأسرى وسارعت بالتحقيق معها بعد شكوى تقدمت بها أولجا بارانيتس المفوض العام لحماية الأسرة. 

نتفليكس يعرفها جيدا الشباب والمراهقون ويمكنهم فك شفرتها ومشاهدة أفلامها بسهولة، بينما الكبار يسمعون عنها فقط.. 

إذن الهدف هو الوصول للشباب العربى وتدميره.. 

هذا هو كل ما يتمناه الغرب فى الموجات الاستعمارية الجديدة البعيدة عن استخدام الأسلحة والحروب التقليدية وعن استنزاف الأرواح والضحايا، التى تتناقض مع شعاراتهم عن حقوق الإنسان.. والمتجهة نحو الحروب  التى تهدف لتفتيت المجتمعات واحتلال عقول البشر بدلًا من احتلال الأرض لإسقاط الدول من الداخل. 

تسربت من الفيلم بعض المشاهد المخلة وحققت له دعاية مجانية لم تكن تحلم بها نتفيلكس، وجدلا واسعا في الدول العربية بين مؤيد للفيلم باعتباره يعبر عن واقع موجود وحقيقى، ومعظمهم من الفنانين وبعض المثقفين،  وبين معارض له من كل شرائح المجتمع يتقدمهم بعض المحامين ونواب البرلمان الذين  يتهمون الفيلم بنشر الفسق والفجور فى المجتمع. 

تناسى المؤيدون أن المُنتج سواء كان ثقافيا أو إعلاميا يعود رجع صداه على المجتمع فى كل صغيرة وكبيرة.. 

بلطجة،  تحرش،  سرقة،  انحلال، تغريب، إلحاد، شذوذ، انحراف .. 

فالفيلم ينقل السلوك الذى يرتكب فى حارة أو شارع أو فى الغرف المغلقة على استحياء من محيطه الضيق إلى محيط جماهيرى واسع يصعب التحكم فيه أو فى فئاته العمرية المقلدة لكل ما هو جديد وغريب. 

هذا ما يدركه الغرب جيدا ولم ندركه نحن!! 

وإذا افترضنا حسن نوايا المشاركين فى هذا الفيلم من مصر والدول العربية وتقبلنا دعاواهم عن حرية الفن والإبداع والتعبير عن الواقع، فكيف نفترض حسن نوايا المدافعين عنه من المثقفين والإعلاميين الذين يدركون جيدا أن  عناصر العملية الإعلامية هى المرسل والمستقبل  والرسالة والوسيلة ورجع الصدا أو feedback.. و المرسل هنا كوكبة من النجوم العرب بما يضمن وصول الفيلم لأكبر عدد ممكن من الدول العربية، والمستقبِل هو الشباب والمراهقين والأطفال الذى يمكنهم الوصول بسهولة لهذه المنصات المشفرة ومشاهدة محتواها بعيدا عن عيون الأسرة، والرسالة هى عادات وتقاليد مرفوضة ومنبوذة من المجتمع ومشاهد مخلة وإباحية، والوسيلة هى فيلم عربى فى زمن عز فيه الإنتاج السينمائى الضخم والأفلام العربية الناجحة، أما رجع الصدى أتركه للقارئ ومدى قدرته على تخيل نتائج مثل هذا الفيلم - الذى ستتكرر فكرته مستقبلا بأكثر من سيناريو- إذا حقق نجاحا جماهيريا وما طبيعة الأجيال التى ستقوم على أكتافها دول المنطقة مستقبلا..

وأخيرا نحتاج أن نسمى الأشياء بمسمياتها  الحقيقية دون التفاف أو تزيين فالخيانة زنا والمثلية شذوذ والمشاهد والألفاظ الإباحية ترويج للرذيلة وليس تعبيرا عن الواقع، حتى وإن كانت موجودة فى المجتمع لكنها مستهجنة مرفوضة وتمارس بعيدا عن العيون، وهذا الفيلم يريد تطبيعها وتحويلها لسلوك عادى.. 

وهذا أمر لو تعلمون عظيم!!
------------------
بقلم: سحر عبدالرحيم

مقالات اخرى للكاتب

الغزو الروسى لأوكرانيا وتداعياته على المنطقة العربية





اعلان