20 - 04 - 2024

عيش "العرفان" وملح "الإحسان"!

عيش

حين غاب العرفان والإحسان، استباح النكران والمن حرمات البيوت والقلوب والعلاقات ، ونتج عن ذلك أزمات عدة رسخت حولنا سلوكا سلبيا يتوغل بمكر في نسيج المجتمع، وهو ما يهدد السلام الإجتماعي ، ويتطالب تضافر الجهود لصون العيش والملح واستعادة مكانة العرفان والإحسان في القلوب لتسعد العلاقات وترى البيوت السلام والهدوء والوئام.

لا يريد البعض – هو أو هي - في أول محطة غضب أو سوء تفاهم أو خلاف أو اختلاف، أن يتوقف عن المن والأذى لشركاء الحياة والدرب والدوائر الاجتماعية، كما لا يريد البعض منهما في مواقف أخرى الإقرار بالفضل والمعروف والجميل ويتمسك بالنكران وكفران العشير والجحود ، وبين ذاك وذاك تتصاعد ألسنة الحرائق والشقاق والصراع.

إن هناك من حولنا العديد من هؤلاء الناكرين والناكرات ، الذين جحدوا بصنائع المعروف وكل حق ومستحق وكل عطاء وجميل وكل عشرة وفضل، وباتوا داء ينتشر بالمجتمع، رغم عظمة الجرم.

وحذر الله تعالى من هؤلاء ، فقال عزوجل : (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كانت عاقبة المفسدين ) فربط تبارك وتعالى في الآية 14 من سورة النمل بين الجحود والفساد والظلم فهم سواء ولاشك .

إن توابع النكران قاسية ، ومنذ القدم وصف الأديب العالمي وليم شكسبير حال الضحية قائلا :" نكران الجميل أشد وقعاً من سيف القدر"، وعلى دربه وصف أديبنا الكبير الراحل يحيي حقي ذلك الجحود بالسم قائلا :" الشعور بنكران الجميل ممن تحسن إليه سم تذوي عليه فضائل الروح"، فيما قالوا في الأمثال عن الجاني :" اللئيم وجد البديل فأنكر الجميل".

أما عن "المن" فهو الأذى المنتشر للأسف كالنار في هشيم العلاقات ، ورغم أن "المن" ارتبط بالإنفاق المالي، إلا أن الإنفاق في رأينا قد يكون بالمشاعر أو بالجهد أو بالوقت أو بالعطاء ، ولذلك فالمعنى عندنا أشمل من المال لأنه يشمل كل أوجه الانفاق المادي أو المعنوي.

ويأتي التحذير الإلهي واضحا في صدر القرآن ، في سورة البقرة حيث يقول عزوجل :"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رئاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين".

ويقول العلامة المفسر القرطبي رحمه الله:" المنُّ غالباً يقع من البخيل والمُعجب ، فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها، والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة".

وفي السياق النفسي، يعرف علماء النفس نكران الجميل والمن بأنهما سلوكين سلبيين ويدلان على عدم سلامة الشخصية من الناحية النفسية ما يتطلب اللجوء إلى الاستشارة النفسية ، للتقييم والعلاج والنجاة والتعافي.

ولفضيلة الإمام المرحوم محمد متولى الشعراوي كلام عظيم للغاية في تقديم الحل الايماني لتلك المشكلة ، فيقول في تفسيره :" نكران الجميل .. عقاب من الله لمن يعمل لغير الله ، لذلك، مَنْ عمل عملاً لغير الله أسلمه الله لمن عمل له، فليأخذ منه الجزاء، وإذا بالجزاء يأتي على خلاف ما تنتظر، فقد فعلت له ليُكرمك فإذا به يُهِينك، فعلْتَ له ليحترمك فإذا به يَحْقِرك، فعلتَ له لِيُواليك فإذا به عدو لك؛ لذلك يقولون: العمل لله عاجل الجزاء، أما العمل لغير الله فغير مضمون العواقب، فقد يُوفي لك وقد لا يُوفي".

ولمن يريد العودة والتصحيح ، يعرفنا الله تعالي الطريق فيقول عزوجل :" قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى"، ويقدم رسُولُ اللَّه الطريقة فيقول في الحديث الصحيح : إنَّ اللَّه تَعالى أوحى إليَّ أن تواضَعوا، حتى لا يبغي أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخر أحدٌ على أحدٍ".

ونصح الشاعر القديم القلوب فقال :

إن كنتَ تطلبُ رتبةَ الأشرافِ         فعليك بالإحسانِ والإنصافِ

إن مواجهتنا للنكران والجحود في العلاقات إنما هو طريق صون العيش والملح كي تنعم القلوب بالاسعاد والبيوت بمزايا العرفان والإحسان ، وتستقر مجتمعاتنا خير استقرار.

----------
بقلم : حسن القباني

(نستقبل استفسارات قلوبكم على البريد الالكتروني : [email protected]

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي





اعلان