19 - 04 - 2024

لقاء "هيكل" و"الهضيبي" منذ 68 عاما: أساليب دعاية الجماعة لتبييض صفحة إرهابييها.. حسام منوفي مثالا!

لقاء

الطريقة الغريبة التي روجت بها لجان جماعة الإخوان على مواقع السوشيال ميديا لخبر القبض على المتهم "حسام منوفي" في مطار الأقصر تسترعي الانتباه ولها العديد من الدلالات المهمة. الدلالة الأولى: هي استمرار النهج الإعلامي النازي للجماعة على ما استقرت عليه منذ تأسيسها. وقد تأسست على يد مرشدها الأول "حسن البنا" في أواخر عشرينات القرن الماضي تأثرا بأجواء صعود وانتشار الحركات النازية والفاشية في أوروبا. المبدأ أو اللامبدئية المعروفة في الدعاية والإعلام النازييّن هو "اكذب حتى يصدقك الناس". هذا الكذب تخفى في تقديم "المنوفي" كما لو كان "معارضا مصريا" لا إرهابيا إخوانيا!. ثم محاولة الإيهام بأن القبض عليه لم يكن لسبب آخر سوى أنه معارض، مع التغافل - أو الاستغفال - أمام قائمة مطولة من جرائمه المتهم فيها، والقضايا المطلوب تقديمه فيها للمحاكمة، والعمليات التي تطارده دماء ضحاياها، ومن بينهم اللواء "عادل رجائي" قائد الفرقة 9 مدرعات، والرائد "محمود عبدالحميد صادق" رئيس مباحث مركز طامية بالفيوم، والملازم "أحمد عز الدين" بقسم شرطة العمرانية، وأخيرا التورط في محاولة اغتيال فاشلة للنائب العام المساعد المستشار "زكريا عبدالعزيز". كل تلك العمليات التي قامت بها وأعلنت مسئوليتها عنها "حركة حسم" الإخوانية، و"المنوفي" متهم بأنه أحد مؤسسي هذا الجناح المسلح من أجنحة الجماعة بكل ما ارتكب به من عمليات تفجير واغتيال منذ فض اعتصام رابعة الإرهابي.


الدلالة الثانية هي التناقض المفضوح تقليديا للكذب الإخواني. ففي حين تصف اللجان الألكترونية وإعلام الجماعة الإرهابي بأنه معارض، محض معارض!، تزعم أن القبض عليه في مطار الأقصر لم يكن محض مصادفة، مصادفة قذفت بها الأقدار بالمتهم ليلقى جزاء يستحقه عبر محاكمة. بدلا من ذلك يزعمون أن القبض عليه جرى بعملية دبرتها المخابرات السرية. وهذه "المعلومات السرية" نمت لعلم الجماعة بطريق يجهله الجميع، لا أظن أنه العلم اللدني مثلا!، رغم ذلك يردد إعلام ولجان الجماعة بيقين قاطع أن الطائرة التي استقلها كادر حسم الإرهابية في طريقه من السودان إلى تركيا، لم تجبر على الهبوط اضطراريا في مطار الأقصر بسبب إنذار حريق بداخل الطائرة، وإنما عبر اتفاق بين المخابرات المصرية وشركة الطيران السودانية الخاصة "بدر" المسئولة عن الرحلة الجوية. وأيا كانت مصداقية معلومات الجماعة اللدنيّة تلك فإن ما يترتب على تصديق وجود دور لأجهزة الأمن المصرية في القبض على الإخواني الهارب – بالمنطق السوي - هو أنه إرهابي تم اصطياده بعملية أمنية أو مخابراتية نظيفة، إذ ليس في وسع عقل – مهما بلغ به العبث مداه - أن يتخيل أن أجهزة أمن تصدت بنجاح ومهارة واحترافية عبر السنوات الماضية لموجة كاسحة ذات تخطيط عال وتمويل مفتوح، وبمشاركة عناصر الجماعة داخل وخارج مصر على نطاق واسع، لا يمكن تخيل أنها أجهزة أمن تتسلى بمطاردة واصطياد معارض بلا شأن، هذا لو تصورنا أن كادر الجماعة الإرهابية "المنوفي" هو معارض بالفعل. ولو كانت أجهزة الأمن المصرية كما تصورها دعايات الجماعة المتناقضة على هذا النحو الهزيل، ما وصلنا في مصر إلى هذا النجاح في مواجهة أذرع الجماعة الإرهابية وتنظيمها الدولي، وهو نجاح تجسد خلال العام المنصرم 2021 في إلغاء حالة الطواريء لأول مرة منذ رحيل نظام الجماعة بثورة في 2013.

الدلالة الثالثة المهمة للمعالجة الدعائية الإخوانية النازية لخبر القبض على عنصر حسم "حسام المنوفي"، هي أن الجماعة لن تتنازل أبدا لا عن أساليب إرهابها وعنفها الدموي المرّوع، ولا عن أساليب كذبها وقبحها الدعائي المشوه. هذا الاسلوب المقزز في انتهاج أساليب عنف دموية من جهة، وانتهاج أساليب تنكر لها من جهة أخرى، كان دائما الاستراتيجية الثابتة للجماعة في ممارساتها التخريبية. أسلوب اتبعته منذ الاربعينيات عندما تبرأ مؤسسها "حسن البنا" من موجة الاغتيال والتفجير الواسعة التي قام بها أعضاء "التنظيم الخاص" التابع للمرشد شخصيا، ووصفه لمن قاموا باغتيال رئيس وزراء مصر آنذاك "محمود فهمي النقراشي" - سنة 1948 - بأنهم "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين". ثم اتبع نفس الأسلوب المرشد الثاني للجماعة "حسن الهضيبي" في أعقاب محاولة عناصر نفس "التنظيم الخاص" التابع للجماعة اغتيال الرئيس "جمال عبدالناصر" سنة 1954. ثم اتبع نفس الأسلوب للمرة الثالثة بعد انكشاف مخطط تنظيم الجماعة القطبي سنة 1965، نسبة للمفكر "سيد قطب" الذي لا تزال الجماعة تطلق عليه وعلى مؤسسها الإرهابي "حسن البنا" لقب الشهيد أيضا، خطط التنظيم القطبي لموجة أخرى من الاغتيالات والتفجيرات أضيف إليها إغراق دلتا مصر بأكملها في عملية تفجير القناطر الخيرية حسبما خطط لها.

أود هنا التوقف لتأمل طبيعة "الأسلوب التقليدي" لجماعة الإخوان في التحلل من إرهابها، وفي تبييض صفحة إرهابييها، وهي طبيعة ربما تستحق التحليل على طريقة علم نفس الجريمة، وقد تستحق بعض عناصر الجماعة من أجلها أن ينزلوا سجناء على المصحات النفسية والمشافي الذهانية، هذا فيما لو صدقنا أن عناصر الجماعة أنفسهم يصدقون أنفسهم في كذبهم المكشوف!. وأعود في هذه الوقفة - وبدون تعليق مني - إلى مقال كتبه الأستاذ "محمد حسنين هيكل" سنة 1954، تناول فيه تفاصيل لقاء أجراه مع مرشد الجماعة "حسن الهضيبي" في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس "جمال عبدالناصر" في ميدان المنشية بثماني رصاصات. في هذا الوقت – نوفمبر 1954 – زار هيكل المرشد الهضيبي في سجنه، ودار هذا الجانب المذهل من الحوار بينهما:

* هيكل: هل يبيح القرآن القتل والإرهاب؟

- الهضيبي: لا

* هيكل: وهذه الرصاصات الثماني التي سمعتها بأذنيك في ميكروفون السجن؟

- الهضيبي: يُسأل عنها الذي أطلقها

* هيكل: وهل أطلقها من نفسه هكذا بدون تحريض؟

- الهضيبي: ومن أين لي أن أعلم أن هناك من حرض؟

* هيكل: ألم يكن النظام السري تابعا لك مباشرة؟

- الهضيبي: أنا كنت مرشدا عاما أبحث رؤوس المسائل وأقررها ولا أدخل في التفصيلات، شأن النظام السري كنت أعلم أنه موجود ولكن بالنسبة لي كان رأس مسألة (!!) أما التفاصيل فكان يشرف عليها اثنان خميس وفرغلي.

* هيكل: إذن أحدد سؤالي: هل ترى أن الإسلام يبيح إنشاء منظمة سرية مسلحة للإرهاب؟ وهل السياسة في هذا البلد والحريات التي نتطلع إليها يمكن أن تسمح بقيام منظمات سرية مسلحة؟

- الهضيبي: من قال هذا؟!

* هيكل: أنت قلت الآن.. لقد قلت إنك تعرف أن هناك نظاما سريا، ولكن الذي نفيته أنك أنت الذي كنت تصدر الأوامر، ولقد قلت لي أنك كنت تعرفه كرأس مسألة ولكنك لم تعرف الظروف التي يعمل فيها، ألم يكن محققا أن أفهم من كلامك هذا؟.

كان محققا بالطبع أن يصل "هيكل" من كلام مرشد الجماعة الإرهابية لهذا الفهم المنطقي، ولايزال محققا حتى اليوم أن يصل المنطق المستقيم للفهم نفسه، لكن المنطق المشوّه الحاكم في تعامل الجماعة مع جرائم عناصرها الإرهابية، هو محاولة تبييض صفحتهم وصفحتها بكل الحيل غير المنطقية، وعلى قاعدة اللامبدأ النازي: "اكذب حتى يصدقك الناس".
----------------------
بقلم: عصام الزهيري

من المشهد الأسبوعي







اعلان