01 - 11 - 2024

كارثة للمجتمعات المحافظة .. "التزييف العميق" يتيح صناعة فيديوهات إباحية مقابل 30 دولارًا وصورة!

كارثة للمجتمعات المحافظة ..

احذري من نشر صورِك على منصات التواصل.. قد يتم صنع فيديو إباحي باستخدام تقنية "Deepfake"

يواجه المجتمع العربي الآن تقدمًا تكنولوجيًا هائلًا لم يعهده من قبل، وأمام تلك التحديات التكنولوجية يقف أبناؤنا من الشباب والمراهقين في مواجهتها ووسط ما يرونه على منصات التواصل الاجتماعي وعبر اليوتيوب وغيره، يلتقطون كل ما هو جيد وسيء ويحاولون اللحاق به وتجربته، والذي قد يلحق بهم وبغيرهم الأذى، وبرغم محاولات السياسات والقوانين المحلية والدولية تحجيم الاستخدام السيء للتكنولوجيا والانترنت إلا أن التكنولوجيا تتفوق عليها في كل مرة.

فالآن لم يعد أمر الانتقام من أحد يحتاج إلى محترف فوتوشوب لتركيب أي شيء إباحي على صورة كما كان في السابق، بل تطور الآن إلى إمكانية صنع فيديو إباحي كامل مقابل دفع بضعة دولارات فقط.

وعلى غرار ما حدث للطالبة "بسنت" وأشعل مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الأيام الماضية، الآن بإمكان أي شخص أن يقوم بصنع فيديو إباحي كامل لأي شخص من خلال "صورته" فقط، فبعيدًا عن انشغالنا بالمعلمة الراقصة وحياة الفنانين والفنانات ومشاكلهم الخاصة، انتشرت مؤخرًا عددًا من المواقع التي تقدم خدمة تسمي Deepfake (التزييف العميق)، وهي تقنية تقوم على صنعِ فيديوهات مزيّفة عبر برامج الحاسوب من خِلال تعلّم الذكاء الاصطناعي.

تقوم هذه التقنية على محاولة دمج عدد من الصور ومقاطع الفيديو لشخصية ما من أجلِ إنتاج مقطع فيديو جديد – باستخدام تقنية التعلم الآلي - قد يبدو للوهلة الأولى أنه حقيقي لكنّه في واقع الأمر مُزيّف.

فقد استُعمِلت هذه التقنية في إنشاء مقاطع فيديو إباحيّة مزيفة لعددٍ من المشاهير كما استُخدمت في أحيان أخرى لخلق أخبار كاذبة ومُحاولة خدع القُرّاء والانتقام الاباحي.

ومن خلال هذه المواقع التي انتشرت الآن لهذا الغرض والتي يمكن لأي شخص من خلالها أن يُرسل عددًا من الصور الشخصية الخاصة بأي فتاة أو سيدة لعمل فيديو إباحي لها دون أن تعلم أو تدري عنه شيئًا، مقابل فقط دفع مبلغ 30 دولارًا وربما أقل حسب مدة الفيديو.

كنا في الأعوام الخمس الأخيرة نتحدث عن أمرٍ عجيب، أعلن عنه بعض المشاركين على منصات التواصل الاجتماعي، وهي استخدام بعض الفتيات المراهقات لصور صديقاتهن في عمل أعمال سحر لهُن من أجل الانتقام منهن إذا ما أُعجبت إحداهن بصديق لأخرى، بينما الآن وبعد انتشار تلك التقنية الحديثة وغيرها في المستقبل؛ فحدِّث ولا حرج فيما نراه في حاضرنا الآن، وما سنراه في المستقبل الذي يبدو أنه مُرعب إلى حدٍ كبير على الأجيال الحالية والقادمة.

كل ما على الراغب في صنع ذلك الفيديو أن يُرسل صورة واضحة للشخص بدون ارتداء نظارة أو غطاء للرأس، وأن تكُون نظرته مستقيمة أمام الكاميرا دون النظر يمينًا أو يسارًا، وألا تقل دقة الصورة عن 720، غير أن الموقع عليه مكتبة كاملة للأفلام الإباحية التي يمكنك الاختيار منها لتركيب صور الشخص عليها.

وقد أشارت دار الإفتاء في بيانٍ لها أصدرته مؤخرًا إلى عدم إجازة استخدام تقنية (التزييف العميق) قائلة: "لا يجوز شرعًا استخدام تقنية "التزييف العميق Deepfake" لتلفيق مقاطع مرئية أو مسموعة للأشخاص باستخدام الذكاء الاصطناعي لإظهارهم يفعلون أو يقولون شيئًا لم يفعلوه ولم يقولوه في الحقيقة؛ لأن في ذلك كذب وغِش وإخبار بخلاف الواقع، وفي الحديث: «مَنْ غَشَّنَا فَليْسَ مِنْا» رواه مسلم، وهو نقص قاطعٌ صريحٌ في تحريم الغِش بكل صوره وأشكاله".

وأكمل البيان قائلًا: "والإسلام إذْ حثَ على الابتكار والاختراع؛ فقد جعله ليس مقصودًا لذاته، بل هو وسيلة لتحقيق غرض ما؛ لذا أحاط الإسلام الابتكارات العلمية بسياج أخلاقي يقوم على أساس التقويم والإصلاح وعدم إلحاق الضرر بالنفس أو الإضرار بالغير، فمتى كان الشيء المُخترع وسيلة لأمرٍ مشروعٍ أخذ حكم المشروعية، ومتى كان وسيلة لأمر منهي عنه أخذ حكمه أيضًا".

وأشار البيان إلى نهي الإسلام عن الإضرار بالغير قائلًا: "واختلاق هذه المقاطع بهذه التقنية فيه قصدُ الإضرار بالغير، وهو أمرٌ منهي عنه في حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّم: «لَا ضَرَر وَلَا ضِراَر»، إضافة لما فيها من الترويع والتهديد لحياة الناس، والشرعية الإسلامية جعلت حفظ الحياة من مقاصده العظيمة وضرورياتها المهمة حتى بالغت في النهي عن ترويع الغير ولو بما صورته المُزاح والترفيه".

وعقَّب البيان في ختامه قائلًا: "وهو أيضًا جريمة قانونية يُعاقب عليها وفق القانون رقم (175) لسنة 2018م، الخاصة بـ "مكافحة جرائم تقنية المعلومات"، فقد جرَّم المُشّرِع المصري في هذا القانون نشر المعلومات المُضللة والمُنحرفة، وأودع فيه مواد تتعلق بالشق الجنائي للمحتوى المعلوماتي غير المشروع".

وفي حقيقة الأمر لم يكن التلاعب بالفيديو أمرًا جديدًا فقد كان الناس يتلاعبون بمقاطع الفيديو لخداع الجماهير، ولكن الأسوأ في الأمر الآن أن تقنية التزييف العميق أدخلت مستوى جديد من الدقة في المعادلة، لقد أصبح من الصعب الآن التفريق بين المقاطع الحقيقية وغير الحقيقية، ولا شك أن هذا يمكن أن يُستخدم في عدد من الأغراض الشريرة بين البشر العاديين أو الإجرامية بهدف التقويض، أو حتى السياسية والذي من شأنه أن يُسبب إرباكًا وتوتر وعدم استقرار في المجتمعات.

ومن أبرز الأمثلة على استخدام تلك التقنية ما حدث في أغسطس الماضي من انتشار سلسلة مقاطع فيديو للممثل الشهير توم كروز، والتي حققت ملايين المشاهدات على منصة "تيك توك"، واعتبر الخبراء سلسلة المقاطع المزيفة الأخيرة أحد أكثر الأمثلة الواقعية المثيرة للقلق حتى الآن جراء الآثار السلبية لخدعة التكنولوجيا الفائقة "التزييف العميق".

فوصف الدكتور هاني فريد؛ الأستاذ بجامعة كاليفورنيا في حوار سابق له نشرته قناة العربية؛ بأن تلك المقاطع تم إعدادها بإتقان بشكل "لا يُصدق"، وكان هذا الرأي هو نفس رأي خبراء آخرين أدلوا بتصريحات لمجلة "فورشن" الأمريكية.

وفي عالم اليوم الذي يمتلئ بمنصات التواصل الاجتماعي والمواقع والصفحات والتطبيقات الإلكترونية المتنوعة، يمكن أن تزداد احتمالية وقوع الأشخاص ضحية لتضليل أو تزييف مثلما حدث ويحدث، وبالتالي يمكن لهذا التضليل أن يؤثر على الرأي العام من خلال استهداف شخصيات سياسية ومشاهير وأصحاب شركات ومرشحين للرئاسة وشخصيات دينية وقادة فكر وثقافة وغيرهم، باستخدام تلك التقنية.

ومن النصائح التي قدَّمتها مجلة "Ciber Security" لمرتادي منصات التواصل الاجتماعي حول العالم، لمواجهة والتغلب على تزييف التقنيات الحديثة قالت: "يجب الالتزام بمبدأ الشك الصحي للوصول إلى اليقين، ومراعاة عدم مشاركة أي محتوى أو معلومات إلا بعد التأكد منه بنفسك من مصادر متعددة، مع التمهُّل والتفكُّر في مصدر المقطع ولأي غرض تم نشره" كما نصحت بتجاهل المقطع إذا كان من مصدر واحد وليس من مصادر متعددة.

وأضافت: "يجب نشر التوعية بخطورة تلك التقنية بين المقربين، وسرعة اللجوء إلى تقديم بلاغات للسلطات واستشارة محامي في حال التعرض لأي عملية تزييف عميق"، وأشارت إلى ضرورة أن تستخدم الصحافة الإجراءات الاليكترونية المضادة لأغراض التدقيق والتأكد من مصداقية أي مقاطع فيديو قبل إعادة نشرها.

وأوصت المجلة؛ الشركات والبرامج الحكومية أن تستثمر في حملات التوعية للمواطنين عن خطورة تلك التقنية.
------------------------
تقرير - إيمان جمعة

من المشهد الأسبوعي