27 - 04 - 2024

المجتمع المصري 2030 في أعين اثنين من الخبراء: عشوائيات جديدة.. مزيد من الفقراء.. وأسوار تحيط بالأثرياء

المجتمع المصري 2030 في أعين اثنين من الخبراء: عشوائيات جديدة.. مزيد من الفقراء.. وأسوار تحيط بالأثرياء

* سمير غطاس: حزام الفقر يتسع ويهدد السلم المجتمعي الداخلي 
- أسوار المدن الجديدة لا تحمي إلا ساكنيها ومشاكل خارج السور تتفاقم
* د. ثريا عبدالجواد: القضاء على الفقر «خيال X خيال» والحل مشروع قومي اقتصادي كبير 

تغيرت كثير من الملامح في المجتمع المصري، ينظر له أبناء السبعينات والثمانينات من خلال علامة تعجب، أغلبهم يردد ليست هذه مصر، و2030 ليست ببعيدة، فكيف سيكون المجتمع المصري في هذه الحقبة، هل سينفض عنه الفقر والجهل والمرض والتدني الأخلاقي، أم أن كرة الثلج ستجرف المزيد أمامها؟

العدالة الاجتماعية

تقول الدكتورة ثريا عبد الجواد أستاذ الاجتماع القانوني بكلية الآداب جامعة المنوفية أن القضاء على الفقر شيء من الخيال في أي مجتمع، حتى لا نجلد أنفسنا، فالظاهرة موجودة في كل المجتمعات الدولية وإن كانت بنسب مختلفة، والقضاء عليها دائما محفوف بالمخاطر، ولكن حتى نكون أكثر واقعية فكل ما يمكن أن يحدث هو التخفيف من حدة الفقر وتأثيره على المجتمع، ويتم ذلك بمراعاة الطبقات الفقيرة والمحرومة، ويراعي تطبيق العدالة الاجتماعية.

وأضافت: ما يتم في مصر من سياسات منذ عهد الرئيس السادات، ويتم ترديده في كل حقبة هو التذرع بالعوامل الدولية التي تدفع إلى المزيد من عدم المساواة، في حين أنه على المستوى الداخلي يمكن انتهاج مسارات مختلفة تحقق توازنا مجتمعيا أفضل، والمحصلة أن أعداد الفقراء تتزايد وعدم المساواة في ارتفاع، فمواجهة الفقر تتطلب سياسات اقتصادية واجتماعية تنهض بالطبقة الفقيرة والمجتمع ككل، وذلك من خلال بنية اقتصادية قوية تدفع المجتمع، هذه المواجهة تؤدي إلى استخدام آليات جذرية، ولا تتأتى بمشروعات تحسن من حال بعض الفئات، فالفروق تؤدي إلى مزيد من الإفقار، والمواجهة تتطلب فرصا تعليمية جيدة للفقراء، وفرص عمل أفضل، وتتطلب مشروعا قوميا اقتصاديا كبيرا يؤدي إلى قفزة إنتاجية قوية وزيادة في النمو، وإقرار العدالة الاجتماعية، وتحقيق مكانة اقتصادية دولية ومركزا انتاجيا قويا مستحقا لمكانة مصر. 

وأشارت د. ثريا إلى أن السياسات المتبعة الآن تؤدي إلى مزيد من الإفقار، خاصة أننا نلاحظ اتجاه الدولة إلى خفض الدعم المستحق للطبقة الفقيرة والاتجاه إلى رفعه تماما، ورفع رسوم الخدمات من كهرباء وغاز ومواصلات، كل ذلك يمثل فاتورة تثقل كاهل الفقير، ولا يلتفت إليها الأثرياء، فالأفق لا يحمل إلا مزيدا من أعداد الفقراء، والبطالة، ولن يغرينا ما تردده وسائل الإعلام المحلية أو بعض التقارير التسويقية، وأن كان هناك بارقة أمل لا نستطيع اغفالها، وأن هناك معالجات لأوضاع فئات ذوي القدرات الخاصة والغالبية منهم تنتمي إلى الطبقة الفقيرة.

أوهام الانخفاض

ويرى النائب البرلماني الدكتور سمير غطاس أنه وفقا للبيانات الرسمية فإن نسبة الفقر زادت، ومجلس الوزراء برر هذه الزيادة بأنه نتاج المرحلة الانتقالية، ولكنه لم يوضح متى سيتراجع المنحنى، ويقول: في الخمس سنوات الماضية زادت نسبة الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق، وإذا سلمنا – وهو أمر مشكوك فيه – أن الفقر يزيد في المراحل الانتقالية، فمتى سنصل إلي مرحلة استقرار وتقل نسبة الفقر، هناك شكوك أذا ما كانت نسبة الفقر ستنخفض أم تواصل ارتفاعها خاصة مع تآكل الطبقة الوسطى، وانخفاض مستوى الدخل، لا توجد بيانات رسمية محددة وشفافة، حتى بالنسبة للمستقبل المنظور، والتبريرات التي تسوقها الحكومة غير منطقية وغير علمية، فالمرحلة الانتقالية ليست مدة زمنية مفتوحة، نضيف أيضا الزيادة المضطردة في الأسعار وتبريرها بالزيادة الدولية، وهو أمر طبيعي في ظل جائحة كورونا، ولكن في مصر الزيادة بدأت قبل كورونا خاصة في الخدمات العامة، مؤكدا أن هناك خلط بين الخدمة والاستهلاك، فالخدمة مدفوعة من الضرائب والمفترض أن الدولة تقدمها بأقل من سعر التكلفة، وفيما يتعلق بالكهرباء فنحن بصدد تصدير الفائض، فعلى الأقل لا نزيد سعرها على المواطنين، وإذا قلنا بارتفاع الأسعار الدولية، فالبنزين على سبيل المثال ينخفض مع انخفاض سعر البترول، ونحن ليست لدينا أوهام أن تنخفض ولكن على أقل تقدير يتم تثبيتها.

وأتى غطاس على التعليم من واقع تجربته كعضو برلماني في لجنة التعليم مؤكدا أن الدستور نص على أن ميزانية التعليم 6٪ من الموازنة على أن تزيد تدريجيا،ولكن واقع الأمر أنها انخفضت منذ 2013 والآن أقل من 6٪ ، وهي نسبة ضئيلة جدا مقارنة بالدول المشابهة لمصر، وليس الدول الأوربية، وقال: التعليم هو الاستثمار الحقيقي لنهضة أي دولة، وكنت عضوا بلجنة التعليم في البرلمان وأعلم كم يقتطع من ميزانية التعليم لصالح الموازنة العامة، ومنذ ثلاث سنوات ونحن في تردي تام للتعليم، وضياع لمستقبل المصريين، فمن غير المعقول أن طالب الصف الرابع الابتدائي يدرس13 مادة، إلى الآن ما يحدث في العملية التعليمية هو "تجريب"، بالإضافة إلى اكتظاظ الفصول، وخلق تعليم موازٍ حتي المرحلة الجامعية، وأقول إن الربح لا يكون في التعليم والصحة، فهناك 164  دواء ناقصا في السوق المصري، إلى جانب زيادة نسبة الفقر، وكل ذلك يتم تحميله على ميزانية المواطن المثقلة بالأعباء أصلا.

وأضاف: الوجبات المدرسية كانت تقدمها  مصانع وحققت أرباحا طائلة نتيجة الفساد، كل المؤشرات تقول أن نسبة الفقر تتزايد، ولم تطل الطبقات الكادحة والفقيرة بل طالت الطبقات المتوسطة التي تعاني من مشاكل كبيرة، وكل مرة يعد النظام بالصبر لسنة؛ ستة أشهر؛ سنتين، والشعب لا يجد أمامه إلا الصبر، ولكن دون نتيجة، وقد يحدث تخلخل في السلم الأهلي الداخلي يخلق حالة من عدم الاستقرار وانفجارات شعبية بأشكال متعددة، خاصة في غياب أفق حزبي، ولابد أن يعطى المواطن أملا في أن وضعه يتحسن قياسا بالأسعار وارتفاع الخدمات العامة من مواصلات، وتعليم ، وصحة، فهناك شكوى عامة من المستشفيات الحكومية وجشع المستشفيات الخاصة، نتيجة غياب الحوار المجتمعي، فالبرلمان لا يقوم بواجبه من محاسبة الحكومة ومساءلة الوزراء، بل أن بعض الوزراء يتأفف من طلبات الإحاطة، كل هذه مؤشرات لا تبشر بتحسن في الأوضاع الاجتماعية للمواطن. 

وأضاف: نأمل أن هذا الملف وما يتم طرحه من مناقشات من مختصين يتم أخذه بعين الاعتبار لصالح الدولة والمواطنين، وحفاظا على سلامة المجتمع، ولا تكون الرغبة في تحسين الوضع مجرد استهلاك إعلامي، في حين الواقع يقول أن الدولة تركت المواطن فريسة لجشع التجار وفسادهم.

ثقافة العشوائيات 

جانب مجتمعي آخر طرأ على ملامح مصر، وهو هدم العشوائيات ونقل ساكنيها إلى أحياء جديدة، ويرى د. سمير غطاس أن المجتمعات التي تطورت كان يصحبها تطور ثقافي وسلوكي، ويقول: نعم نقلت الدولة سكان العشوائيات إلى أماكن جديدة، ولكنها نقلت هؤلاء السكان مكانيا فقط، لم يتم تطويرهم ثقافيا ولا سلوكيا، والمحصلة أن هذا المواطن بنفس سلوكياته التي لم تتغير سيحول المكان الذي انتقل إليه إلى عشوائيات جديدة، والمشكلة أن الانقسام المجتمعي والطبقي سيوسع من حزام الفقر، والريف ما زال فقيرا، فهو طارد للمواطنين نتيجة انعدام الخدمات، ولنا أن نتخيل منطقة على أطراف القاهرة في حي مدينة نصر فقط يسكنها ما يقارب 3 مليون مواطن نزحوا من الريف إلى العاصمة بحثا عن لقمة عيش، وسيظل الريف طاردا لأبنائه، في ظل عدم وجود مشروعات حقيقية ترفع من مستوى الدخل وتستوعب الطاقات البشرية، ومن ثم يتم خلق عشوائيات جديدة، وأحزمة من الفقر تحيط بالمدن الجديدة، ويعاد إنتاج العشوائيات، وكذلك آليات التقسيم ما بين جنوب وشمال، مناطق تتوفر فيها الخدمات، ومناطق معدومة؛ ستكون طاردة لأهلها.

أسوار المدينة

أما المدن الجديدة سواء التي تنشؤها الدولة أو بعض رجال الأعمال، فيرى غطاس أنها لفئة معينة، وليست لعموم الشعب، ووصل سعر المتر إلى 25 ألف جنيه في بعض هذه المدن، ويقول: لماذا تم بناء العاصمة الإدارية بهذا السور العظيم؟ أليست عودة للعصر الفاطمي، فهي مبنية للنخبة، وهذا السور يحيطها حماية لهم، فالعالم يتجه إلى هدم الأسوار وليس بناءها، لا توجد مدينة مغلقة إلا في العصور الأولى، عندما كانت تبنى المدن وتحيطها أبواب وأسوار تغلق مساءً خوفا من الغزو أو اللصوص، والعاصمة الإدارية وكل المدن الجديدة ما هي إلا استثمار للطبقات الغنية، ولكن هذه المدن لن تخفف من أزمة الإسكان في مصر ولن تحل مشكلة المواصلات، فمن يسكن هذه المدن لدية سيارة أو أكثر، القاهرة عندما بنيت كانت تستوعب 4.5 مليونا الآن يسكنها 19 مليونا، ويكفي أن الإهمال بتطوير الأحياء وصل إلي حي مثل مدينة نصر الذي لا يوجد به مستشفى حكومي واحد، والمدارس تصل إلى 80  طالبا في الفصل، هناك أولويات يجب أن تراعى، ونحن مواطنون ولسنا رعايا تتصدق علينا الدولة، فالخدمات يدفعها المواطن من ضرائبه التي تتزايد بشكل غير مسبوق، وفي الوقت نفسه يتم معايرته بالخدمة! نحن مواطنون من حقنا أن نعرف وعلى البرلمان أن يدين وينتقد، أكثر من 70٪ من موازنة الدولة يذهب لسداد فوائد الدين الذي وصل إلى 139 مليار دولار وما زال نزيف الديون هو الحل أمام وزير المالية باعتراف صريح له.
----------------------
تحقيق - آمال رتيب

من المشهد الأسبوعي








اعلان