23 - 04 - 2024

ماسبيرو.. وإهدار القوة الناعمة

ماسبيرو.. وإهدار القوة الناعمة

هو نوع جديد من الإهدار.. لكنه لا يقل فى خطورته وتأثيره عن إهدار المال العام وربما يفوقه..

صدمتنا جميعا مشاهد التظاهرات والهتافات للعاملين داخل مبنى ماسبيرو، وبدون الدخول فى تفاصيل داخلية خاصة بالمبنى العريق يعلمها جميع العاملين به وكانت سببا مباشرا فيما وصل إليه من تدهور.. نستطيع القول أن ماسبيرو كان لسنوات طويلة رمزا لقوة مصر الناعمة على مستوى كافة الدول العربية، كانت برامجه ومسلسلاته تدخل كل بيت عربى فتنشئ علاقة حميمة بين المواطن العربى ومصر وأهلها..

والقوة الناعمة كما يُعرفها "جوزيف ناى" أستاذ العلوم السياسية الشهير هى القدرة على الجذب، لا عن طريق الإرغام والقهر والتهديد العسكري والضغط الإقتصادي، ولا عن طريق دفع الرشاوى وتقديم الأموال لشراء التأييد والموالاة، كما كان يجري في الاستراتيجيات التقليدية الأميركية، بل عن طريق الجاذبية، وجعل الآخرين يريدون ما تريد.. لكننا بكل أسف أهملنا هذه القوة الناعمة العريقة التى لا تقل فى أهميتها عن الآثار المصرية أو السياحة.

أهملنا ماسبيرو ولم نحاسب من فرط فى تراثه وأفلامه وباعها بثمن بخس لدول تريد أن تسحب البساط من تحت أقدامنا وتهمش قوانا الناعمة.. تارة عن طريق إفساد المنظومة الكروية والرياضية، وتارة أخرى بسرقة تراثنا وفننا وآثارنا، واستضافة من هم دون المستوى من مطربى المهرجانات وتكريمهم لتكريس صورة "أن هذا هو الفن المصرى.. لم يعد به أم كلثوم ولا عبد الوهاب بل صار يتربع على عرشه حمو بيكا وحسن شاكوش"

تُرك ماسبيرو خاويا على عروشه،  مثقلا بديون متراكمة بالمليارات، وآلاف الموظفين المتهمين بالوقوف وراء ترهله وتراجع أدائه.. وأصبح لا يملك القدرة المادية على التطوير بسبب تراجع حصيلة الإعلانات بدرجة لا تتناسب مع اسم ماسبيرو وعراقته، وتراجع نسبة المشاهدة مقارنة بقنوات وليدة لكنها مدعومة بشكل يكفل لها النجاح.. ومن أين تأتى الإعلانات و هو يتسول الضيوف كى يحضروا برامجه بينما تدفع القنوات المنافسة مبالغ ضخمة لنجوم لامعة فى مختلف المجالات تستعيدها أضعافا من الإعلانات التى تلهث وراء المشاهير..

ماسبيرو لا يحتاج إلى فرصة جديدة كى يعود للحياة بقدر ما يحتاج إلى دعم حكومى وتطوير تقنى وفنى قائم على استغلال حقيقى لطاقاته البشرية والإبداعية لإنتاج برامج ومسلسلات جماهيرية ناجحة وجذابة تأتى بالمعلن صاغرا..

لقد كانت بين يدى مصر فرصة ذهبية للتربع على عرش الإعلام العربى لكننا بكل أسف تركناها تتسرب من بين أيدينا دون إدراك لخطورة الأداة الإعلامية وقدرتها على وضع مصر فى المكانة التى تستحقها..

إن أى تقدم تشهده مصر على المستوى السياسى أو الاقتصادى يجب أن يواكبه آلة إعلامية محترفة تتمتع بالحرية فى تدفق المعلومات والمهنية والتنوع والجاذبية..

تحتاج مصر إلى شبكة أخبار عالمية تعود بها لمركز الصدارة الإعلامية العربية وتنافس بها القنوات العالمية كشبكة CNN، BBC، الجزيرة، والعربية، سكاى نيوز، وفرانس 24 تضم مجموعة محترفة من المراسلين والإعلاميين وتجعلنا مصدر الخبر لا مجرد ناقلين ومتلقين لما يجود علينا به العالم من أخبار وتقارير وتحقيقات ومعظمها ملونة وتخدم أهداف من يقدمها، وهو ما فعلته العديد من الدول العربية ولم تفعله مصر حتى الآن.

نحتاج فقط من يملك الفكر والقدرة والموهبة على وضع مصر فى قلب العالم إعلاميا لكى نستحق الهبة الإلهية بوضعنا فى قلب العالم جغرافيا.

-----------------

بقلم : سحر عبدالرحيم

مقالات اخرى للكاتب

الغزو الروسى لأوكرانيا وتداعياته على المنطقة العربية





اعلان