25 - 04 - 2024

فلنستعد هويتنا

فلنستعد هويتنا

هوة عميقة ألقينا فيها وسحابة غليظة أخفت شمس المعرفة عن مجتمعاتنا منذ السبعينيات.. موجة ظلامية عادت مع الذين فروا إلى دول الخليج طلبا للعمل، بعدما عجزوا عن إيجاده هنا، فى بلدهم الأم.

المصريون الذين لم يعرفوا الترحال والهجرة فى تاريخهم إلا فيما ندر، دفعوا دفعا إلى السفر يحملون تاريخا من المعرفة والعلم احتاجتها تلك المجتمعات لتبنى عصرها الحديث.. ولأن صاحب المال والمستقبل هو المهيمن دائما، يحمل غيرة من ريادة المصريين فى عالمم العربى.. فتم بالتدريج غسل عقولهم بفرض عادات تلك البلاد  عليهم ومزجها بالشرع حتى تحقق الهيمنة. و كما قالها الشيخ محمد الغزالى فى كتابه  المشهور "السنة النبوية بين اهل الفقه وأهل الحديث".. فرضوا عاداتهم علينا تحت عباءة الشرع واستخدم الدين فى السياسة ليختلط تحقيق أهداف سياسية بهيمنة دينية تؤسس لعصر السلفية و الوهابية، التى فرضت سحابة ثقيلة على عقولنا وأعادتنا  قرونا الى الوراء، بل لأحط الأزمنة تخلفا وغلوا وفرض أفكار ما أنزل الله بها من سلطان.. ليغيروا الهوية المصرية بوسطيتها واعتدالها وعادتها و نمط حياتها الكوزموبولتينية وثقافاتها الموروثة من تعدد روافدها الثقافية لتشكل نموذجا خاصا جعل مجتمعنا المصري وثقافتنا و أدبنا ومفكرينا وفننا منارة لمحيطنا العربي، ولكن ماذا حدث للمصريين ليقعوا فى شرك الغلو الدينى و طمس هويتهم  الحضارية؟

السياسة الملعونة ومن غيرها؟ استخدم الدين وتيار الإسلام السياسى فى الصراع على السلطة و التمكين، كان  لابد من نشر تلك الآراء السلفية والمعتقدات الوهابية، والتى اعترف ولى العهد السعودي مؤخرا أنه كان بناء على نصيحة  الحلفاء لمحاربة الشيوعية وللقضاء على النفوذ السوفييتى فى أفغانستان.

 وبدأت اللعبة اللعينة، كان لابد من الجهل أن يسود، وأن ينتزع من المواطن أي نزوع للتفكير الحر، إنما تدريبه على السمع والطاعة، فلا مجادلة ولا مقارنة ولا تحليل ولا تفسير ولا تساؤل، إنما الخضوع التام، ومن الطبيعى أن الطاعة    الدينية تجر الطاعة السياسية, خاصة شعار السلفية الشهير الذى ضمن لهم التعايش مع كل الأنظمة.. حرمة الخروج على الحاكم حتى إذا أخذ أموالك وضرب ظهرك، مع تغليب الزهد فى الحياة الأرضية طلبا لحياة الأبدية.. فلا ثورة على ظلمولا طلبا للحقوق، وهذا حلم  كل الديكتاتوريات، فتمت الصفقة الشيطانية، سيطروا على العقول فى مقابل الأمان والمكاسب والمصالح.. وغرقت مصر فى ليل طويل، تربت فيه أجيال لم تر وجه مصر الحقيقي.. وانتشر التزمت والغلو والرجعية الفكرية فى كل المجالات. 

كان للمرأة نصيب خاص من الجريمة، فأعاودها إلى أحط عصور الجوارى وسلبوا منها الحقوق، التي حاربنا من أجلها الأمهات والجدات، وكان الانتصار العظيم لهم عندما أقنعوا النساء بأنهن لا يساوين إلا ما تعطى أجسادهن في سوق النخاسة، وكان ذلك أكبر انتصار للوهابية والسلفية الرجعية معا. 

حتى جاء الوقت التى نفضت فيها  مصر عن جسدها كل تلك الافكار الدخيلة عليها، وكل الممارسات التى نالت من حضارتنا وريادتنا بان وضعتهم كلهم تحت مجهر   الدولة ولكن المعركة لم تحسم بعد وأمامها طريق طويل وصعب، فقد عششت تلك الأفكار طويلا فى حياتنا وتسللت الى كل مناحيها وامتزجت بميول الإسلام السياسي الذى قام فى فترة ما بكسب المؤيدين لدور الدولة الاجتماعى، فحظى على شعبية جارفة، وامتزجت فيه الحاجة المادية بنشر غلوهم ومفهومهم الخاص للدين، فكانت النتيجة ما نراه اليوم من تغير مفزع لهويتنا المصرية.   

نحتاج اليوم إلى إرادة سياسية ومجتمعية حتى تعود مصر الحقيقية لأبنائها، حرة أبية ومنارة للمعرفة، لا مكان فيها للغلو ونفى الحياة وكراهية كل آخر.. لتعود لمصر هويتها التى سرقت منا و جاء وقت استرددها!  
-----------------------------
بقل: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة





اعلان