25 - 04 - 2024

بغباء إدراكي وعقل ينضح بالشرور: هكذا تخيل الإخوان اللقاء السري بين "طه حسين" و"حسن البنا"!!

بغباء إدراكي وعقل ينضح بالشرور: هكذا تخيل الإخوان اللقاء السري بين

مكون أساسي من مكونات الأزمة الرهيبة لجماعة الإخوان الإرهابية أنها جماعة وظيفية، بمعنى أنها أداة منظمة بشكل جيد لتحقيق هدف عملي محدود. أما هدفها الآخر المعلن - وهو إقامة الخلافة - فهو غير عملي لأنه مستحيل طبقا لسياقات مجتمعاتنا - والمجتمعات البشرية - وثقافتها وزمنها. لذلك يبقى الهدف الممكن وغير المعلن للجماعة هو الهدف الحقيقي دائما. ولا تتجاوز أهداف الجماعة الحقيقية تحقيق مصالح قياداتها الشخصية الصغيرة، ولو تجاوزتها فإلي خدمة أهداف كيانات أكبر توّظف قياداتها وتحركها من خارج الأقطار التي تعمل فيها. على ذلك تمثل الجماعة في مجملها آلة أو ماكينة بشرية ضخمة مستعدة للعمل في كل الظروف بالفعل، لكنها خاوية في كل ظرف، وفي انتظار التوجيه أو التلقيم الخارجي بالأوامر، ومع أوامر التشغيل لابد أن تزوّد بطاقة التشغيل أو بالتمويل الكفيل بتحريكها. فإذا وجهت الجماعة نفسها أو وجهها غيرها كأداة للعمل كماكينة انتخاب فإنها تطوّع أجزاءها ببساطة للتفاعل مع الهدف، بالعثور على كل الوسائل الكفيلة بتحقيق نتائج في تلك الانتخابات، لكنها بعد الفراغ منها تواجه مباشرة مشكلة الفراغ من أوامر التشغيل، إذ تعتبر الجماعة نفسها حققت هدفا وجوديا، ويلزمها من ثم لتحقق أهدافا جديدة أوامر تشغيل جديدة، تبحث عنها قياداتها من خارجها، وتجدها على شكل أهداف عملية أخرى تزودها بها كيانات أكبر تستفيد من تشغيلها في الاتجاهات الأخرى، و..هلم جرا.

مفاد السابق باختصار أن أزمة الجماعة أنها تفتقر للفكر النظري والدافع الوطني والعقل السياسي منذ إنشائها، ولذلك تخلق لأعضائها واقعا افتراضيا بديلا عن الواقع الحقيقي، وتعزلهم ليعيشوا في شرنقة زمان وهمي غير زماننا الذي نعيش فيه، ليسهل تحريكهم في كل اتجاه تريده، إنما ما هو الاتجاه بعد كل هذا الانقطاع عن الواقع والعزلة الشعورية عن المجتمع والتجريف الفكري والمعرفي..؟!!. الاتجاه يتحقق طبقا لعقل الجماعة البديل، والجماعة تملك - فقط - عقلا عمليا تتمكن به من تحقيق الاستفادة المباشرة والأهداف الصغيرة، لكن شعاراتها الفضفاضة المضللة ليست في ذاتها فكرا عمليا ولا أهدافا يمكن تحقيقها. لذلك كان الفكر دائما هو الثغرة ونقطة الضعف وكعب آخيل الجماعة، وكان غياب الفكر هو ما يجعلها تصل دائما إلى محطة الإرهاب وإن طال المدى، ففي أعقاب إنجاز آلة الجماعة العبثية لأوامر التشغيل المؤقتة كتأسيس شركة أو اختراق نقابة أو تجنيد عضو أو الفوز بانتخاب، تفقد تروسها الاتجاه تلقائيا وتدور بعشوائية في كل اتجاه، وتمزق بأجزائها الصلبة المتطايرة بعنف أجساد من حولها وتصيب مجتمعاتها بانفجارات الإرهاب وتصدعاته الدموية.

بسبب هذه الطبيعة الوظيفية العبثية لجماعة الإخوان كان المفكرون والأدباء والفنانون دائما على رأس قائمة أعدائها، ليس فقط لأنهم أكثر مكونات المجتمع قدرة على اكتشاف خوائها الفكري العبثي الخطير، ولأنهم الأكثر فزعا أيضا من فراغها العقلي، وإنما لأنهم يمثلون بكيانهم ووظيفتهم وقيمهم جلّ ما تفتقر الجماعة إليه وتخشاه وتكرهه وتحبه في نفس الوقت. هذه العلاقة المأزومة والصراعية بين الجماعة الإرهابية والكتّاب والمفكرين يجسمها الكاتب "محمد الباز" في كتابه المتميز "مفكرون وأدباء ضد الجماعة"، الذي يرصد فيه علاقات الجماعة بالكتّاب والمفكرين المصريين عبر أجيال القرن العشرين المتتابعة. ويهمنا أن نستعرض في هذا الموضع فصلا منه يتعلق بموقف الجماعة من عميد الأدب العربي "طه حسين"،  لأنه يذهب إلى مدى بعيد في كشف ورقة التوت عن عورة الجماعة العقلية، وعن فراغها الوظيفي الفكري الخطير، وعن محاولاتها لملئه ولو بالوهم والخيال.

في هذا الفصل يحرص "الباز" على رصد علاقة الجماعة بعميد الثقافة المصرية من خلال كتابات مؤرخ الجماعة الرسمي "محمود عبدالحليم" في كتابه "الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ"، وينقل الفقرات الكاملة التي حكي فيها "عبدالحليم" عن لقاء تخيلي تماما (= كاذب!) جرى بين مرشد ومؤسس الجماعة "حسن البنا" والعميد "طه حسين"، يقول مؤرخ الجماعة أنه سمع بتفاصيله (التي نسي معظمها ولم يعد متأكدا من بقيتها!) من حسن البنا نفسه. ويبدأ اللقاء الكذبة من "نقد فكري" صدر من طرف "البنّا" لكتاب "مستقبل الثقافة في مصر" الذي نشره "طه حسين" سنة 1938، ولا نعرف ما هو المذهل في نقد مرشد الجماعة لأن مؤرخ الجماعة لا يورد هذا النقد ولا يعرف منه غير وصفه بأنه مذهل!. لكنه يؤكد أن هذا النقد كشف به "حسن البنّا" عن وجود تناقضات صارخة في كتاب "مستقبل الثقافة" (!!)، وهو ما دفع "طه حسين" لطلب لقاء البنّا بشكل سري..!. لماذا بشكل سري؟! لا أحد يعلم أكثر من كون السرية جزءا من مقتضيات الحبكة الدرامية لمؤرخ الإخوان!.

في اللقاء المزعوم يقول "طه حسين" لـ"حسن البنا": "هذا نوع من النقد لا يستطيعه غيرك (!!)، ولقد كنت استمع إلى نقدك لي وأطرب (!!)، وأقسم يا أستاذ حسن لو كان أعدائي شرفاء مثلك لطأطأت رأسي لهم (!!)، لكن أعدائي أخساء لا يتقيدون بمبدأ ولا بشرف (!!)، إن أعدائي هم الأزهريون"!!.

هذه العبارات "الفلمية" لا تكشف فقط عن جرأة الكذب والقدرة الوقحة على الفبركة وتصديق الأكاذيب والفبركات، وهي قدرة معتادة لدى عناصر الجماعة، لكنها تكشف على مستوى أهم عن الغباء الإدراكي والشرور الفكرية التي تنضح بها رؤية الجماعة للعالم، عندما تقدم تصورها المنحط للمعارك الفكرية والثقافية التي خاضها عميد الأدب العربي - وكان من بينها كتاب مستقبل الثقافة في مصر - كما لو كانت حروبا طاحنة تدور بين ميليشيات متنازعة، لا نضالات مفكر يريد أن يفتح بصيرة مجتمعه الحضارية وطرقه إلى مستقبله. ومؤرخ الجماعة يضع على لسان العميد عبارات جديرة بأن توضع على لسان ممثل يقوم بدور قيادة من قيادات المافيا في فيلم هوليوودي، أو على لسان قيادة من قيادات الإرهاب في الجماعة نفسها، عبارات يستحيل أن تلائم مفكرا في وزن وعبقرية "طه حسين"، ولا هي من طبيعة دوافعه التنويرية في نقد مؤسسة الأزهر التعليمية برغبة تطويرها فكريا ومعرفيا وحضاريا، لا تدميرها في حرب على السلطة كالتي تخوضها الجماعة ضد أعدائها من أبناء الوطن. ليأتي خيال مؤرخ الجماعة عن لقاء مؤسسها ومرشدها بأهم مفكر مصري في القرن العشرين خيالا ناضحا بما في روح الجماعة من شر، وبما في عقلها من خواء.
--------------------------
بقلم: عصام الزهيري

مقالات اخرى للكاتب

222 عاما على ثورة القاهرة الثانية: هل يكفي صدق الدافع الوطني لصنع ثورة؟





اعلان