29 - 03 - 2024

المصريون نسخة أصلية

المصريون نسخة أصلية

تعاقبت على المصريين ثقافات عدة، ومورست عليهم جميع أنواع الحيل، لكنهم لم يتأثروا أو تتبدل ثوابتهم، ولأن الدين له مكانة خاصة عندهم فقد تعاملوا مع جميع الديانات السماوية وصولا إلى الإسلام الخاتم بمذهبه السني المعتدل وذلك بعد يقين كامل وليس لمجرد تقليد غيرهم أو الانصياع لهم. 

وإذا نظرنا إلى التاريخ القريب مقارنة بحضارة عمرها آلاف السنين، سوف نجد أدلة كثيرة على هذا.. لقد حكمتهم الدولة الفاطمية الشيعية، وحاولت بكل الوسائل تغيير مذهبهم، وأقيم الجامع الأزهر لتدريس التشيع ونشره، وتمت مداعبة المشاعر بإظهار المحبة الفياضة لآل بيت رسول الله، عندما علموا مكانتهم العالية عند المصريين.. إلا أن الشعب العبقري صنع طريقته الخاصة، والتي أعلى فيها مكانة آل البيت وفي نفس الوقت حافظ على مذهبه السني بلا تأثير، حتى أن الأزهر تحول لاحقا إلى أكبر جامع و جامعة سنية في العالم الإسلامي، كذلك حكمت الدولة العثمانية مصر سنوات كثيرة، فلم تتغير الثقافة الشعبية أو تتأثر، وإن كانت أخذت بعض الأمور الجيدة التي تم تمصيرها أيضا، و نفس الأمر حدث مع الاحتلال الفرنسي الذي ترك أثره الواضح  في أغلب البلدان التي دخلها حتى على مستوى اللغة، لكنه لم يغير من العادات والتقاليد المصرية الأصيلة على الإطلاق، رغم محاولات السيطرة والإدماج الكثيرة، ثم جاء الاستعمار الإنجليزي أيضا ومعه العديد من أصحاب الجنسيات الأوروبية المختلفة، الذين انتشروا في ربوع مصر وعملوا في كافة المجالات، ولكن ظل المصريون يحتفظون بطبيعتهم ونكهتهم الخاصة التي لا مثيل لها في العالم.

من هنا يتضح أن الشعب المصري "نسخة أصلية" لا يمكن تشكيل شخصيته أو طمس معالمها أبدا مهما حدث.. لهذا فإن الفشل سيكون نهاية كل من يحاول ذلك، أو يتوهم أنه بمجموعة من الشعارات و الخزعبلات التي يظن أنها فكر وتحضر، أو بأي طريق آخر سوف يؤثر في شكل الهوية الثابتة للمصريين، والتي هي راسخة في ريفهم و صعيدهم وسواحلهم، ومن ثم تنطلق إلى كل شبر في البلاد.. وسنجد على مر التاريخ أن كل رمز فكري تنويري حقيقي كان صناعة شعبية خالصة، ولم يستطع أحد فرض شخصية معينة على شعب المحروسة أبدا، حتى و إن تم تلميعها بكل شكل، فالأمة المصرية ليست جامدة متحجرة عصية على التطور.. على العكس تماما، هي واعية و ذكية تميز الخبيث من الطيب، وترفع من تجد فيه الخير وتعطيه قدره، بينما تتجاهل من هم دون ذلك حتى يطويهم النسيان بكل هدوء.. لن تكون مصر إلا كما هي، بحضارتها الضاربة في جذور التاريخ، و ثقافتها الأم التي انصهرت فيها كل الثقافات التي مرت عليها، وعقيدة شعبها وإيمانه الراسخ، و احترامه للدين والتمسك به وعدم التفريط تحت أي مسمى مهما كان بريقه ودرجة خداع من يحملون رايته، ولن تكون أبدا علمانية بزعم التحضر و التنوير، ولا  متشددة متحجرة رافضة للحداثة والتجديد، وستذهب كل الأفكار الدخيلة إلى مزابل التاريخ مع أصحابها، حتى وإن اعتنقها قلة لا تذكر ومهما تلقوا من دعم ومساندة، و أتيحت لهم فرص الظهور عبر الوسائل المختلفة لترويج مشروعهم الظلامي بحجة التنوير، مستغلين ظروفا معينة وثغرات هنا أو هناك يحاولون النفاذ منها، رافعين شعارات تبدو براقة وهي سموم في أحشاء حية رقطاء ناعمة الملمس وخداعة المنظر.
--------------------------
بقلم: السعيد حمدي

مقالات اخرى للكاتب

المصريون نسخة أصلية





اعلان