28 - 03 - 2024

هل استخدم الإسلاميون رأيا شاذا لأبي حنيفة ليستحلوا تجارة الجنس في تركيا؟!

هل استخدم الإسلاميون رأيا شاذا لأبي حنيفة ليستحلوا تجارة الجنس في تركيا؟!

في غمار التدهور المريع في قيمة الليرة التركية بسبب إصرار "أردوغان" على قراره المتهور بتخفيض سعر الفائدة البنكية، يذهب الإسلاميون الأتراك وحلفاؤهم من جماعة الإخوان الإرهابية إلى حملة دعم دينية دعائية جديدة لليرة التركية، وترفع حملة الجماعة شعارات ضد "الفوائد الربوية" مهللة لأردوغان بصفته المجاهد الإسلامي الأكبر ضد الربا!!. ورغم أننا لسنا في حاجة للإشارة إلى حجم الدجل المضحك والملموس في دعاية من هذا النوع، لأن الفارق بين سعر الفائدة الذي يفرضه أردوغان (15%) إلى سعر الفائدة الذي ينصح به الإقتصاديون لتجنب انهيار أسعار الليرة وهو سعر 19%، لا يعني ما تنسبه الجماعة لأردوغان وتروج له بوصفه موقفا ضد الربا، لكن السؤال الذي يكتسب أهمية أبعد من ذلك يدور حول الصمت الملغز الذي يبديه دراويش الرئيس التركي عندما يتعلق الأمر بـ"قانون البغاء" في تركيا، وهو القانون الذي يبيح تجارة الجنس ويسمح لبيوت الدعارة بأن تتكاثر في أنحاء تركيا بأعداد صادمة تصل إلى 650 بيتا طبقا لاحصائية منذ عدة أعوام!. هذا الصمت الملغز من قبل الإسلاميين إزاء كارثة كهذه - أو ما يفترض أنه كارثة بالنسبة للإسلاميين - لا يعني إلا أمرين: إما أنهم راضون عن الدعارة وعن مكاسب الاقتصاد التركي "الإسلامي" منها، أو أن لديهم مبررا "شرعيا" ما، من وجهة نظرهم، لكنهم يخشون مصارحة الناس به حتى لا يزدادوا سخطا عليهم واحتقارا لهم، فمعنى وجود مثل هذا التبرير لتلك التجارة الرخيصة بلحم وأجساد التركيات أن الإسلاميين وصلوا إلى حال من البشاعة النفسية والقبح الأخلاقي يشكلون معه خطورة داهمة على كل مجتمع يمكن أن يوجدوا فيه، ومهما رفعوا من شعارات تدور حول الشرعية والشريعة أو الديموقراطية وخلافه. 

تقنن تجارة الجنس في تركيا بموجب قانون جنائي أعدته حكومة حزب العدالة والتنمية "الإسلامي"، وصادق عليه البرلمان في 26 سبتمبر سنة 2004، ودخل حيز التنفيذ في الأول من شهر يونيو عام 2005، وبموجب هذا القانون أصبحت بيوت الدعارة قانونية ومرخصة بشرط التزام العاملات فيها باجراءات التعامل مع الأمراض المنقولة جنسيا. ولذلك تحتاج المرأة إلى أن تكون مسجلة لدى وزارة الصحة التركية، وحاصلة على بطاقة هوية تفيد بتواريخ قيامها بالفحوص الطبية اللازمة، وتجبر السلطات التركية العاملات بالجنس على الخضوع لفحوص طبية منتظمة، كما تسمح لعناصر الشرطة بأن تتحقق من السجل الصحي لهن دوريا لتحديد ما إذا كان فحصهن يتم بشكل صحيح وللتأكد من أن "البغايا" يقمن بزيارة السلطات في المواعيد المقررة. 

ورغم أن تلك الاجراءات لا تحول دون دخول سوق الجنس التركي أعداد من العاملات غير المرخصات حكوميا، تشير الاحصاءات الرسمية إلى أن أعدادهن وصلت في أسطنبول وحدها إلى أكثر من 3000 امرأة من العاملات في قطاع "الخدمة الجنسية". وتؤكد المصادر التركية تضاعف أعداد العاملات في المجال بمعدل 220% خلال فترة 8 سنوات في ظل حكم العدالة والتنمية برئاسة "رجب طيب أردوغان"، كما تشير إلى أن عدد العاملين في تجارة الجنس وصل إلى 300 ألف شخص، وإلى أن تجارة الجنس في تركيا تدر دخلا سنويا قدره 4 مليارات دولار، مع استبعاد "نوادي التعري" التي يشترط في عملها أيضا الحصول على ترخيص من الحكومة التركية وخضوع العاملات فيها للكشف الطبي الدوري كذلك..!.

نتحدث إذن عن "صناعة جنس" تركية بدأت ونمت وازدهرت في ظل حكم حزب أردوغان "الإسلامي" وفي ظل رئاسته لتركيا، فهل يستساغ ألا يكون لدى الإسلاميين الأتراك وحلفائهم من الإخوان في مصر وغيرها ما يعتبرونه "مبررا شرعيا" لتلك التجارة الدنسة؟!. لنحصل على إجابة لذلك دعونا نفتح كتاب "المحلى بالآثار" لابن حزم الأندلسي، كتاب الحدود، مسألة المستأجرة للزنا، ويقول فيه: "عن أبي سلمة بن سفيان، أن امرأة جاءت عمر بن الخطاب فقالت يا أمير المؤمنين أقبلت أسوق غنما فلقيني رجل فحفن لي حفنة من تمر، ثم حفن لي حفنة من تمر، ثم حفن لي حفنة من تمر، ثم أصابني (أي ضاجعني)، فقال عمر: قلت ماذا؟ فأعادت. فقال عمر: مهر مهر مهر، ويشير بيده كلما قال، ثم تركها"!. ويضيف ابن حزم: "قد ذهب إلى هذا أبو حنيفة ولم ير الزنا إلا ما كان مطارفة وأما ما كان فيه عطاء أو استئجار فليس زنا ولا حد فيه"!. معنى ذلك أن "أبا حنيفة" فرّق بين حكم الزانية وحكم المستأجرة للزنا (!!)، ورأى أن الأخير لا حد عليه نظرا لوجود شبهة المهر..!!. وقد جاء في "تبيين الحقائق وشرح كنز الدقائق" وهو من كتب الحنفية: "لا يجب الحد بالزنا بامرأة استأجرها ـ ومعناه استأجرها ليزني بها ـ أما لو استأجرها للخدمة فزنى بها يجب عليه الحد" (!!). 

ورغم أن الشافعية والمالكية وكثيرون من الأحناف أيضا لا يقرون رأي "أبي حنيفة" في سقوط الحد عن "زنا المستأجرة"، مما يجوز معه القول بأنه "رأي فقهي شاذ" وإن صدر عن أول الأئمة الأربعة في الفقه الإسلامي، إلا أنه قد يعد في نظر الإسلاميين مبررا "شرعيا" أكثر من كاف للإغراق في تجارة الجنس الخسيسة وتحدي العالم كله بها. 

أما السؤال الذي قد يطرأ على ذهن القاريء بخصوص أن لا أحد منهم سبق أن قدم هذا المبرر الفقهي لاستحلال الدعارة، فإجابته تكمن في أن صمتهم على هذه التجارة القذرة بالتركيات ناطق في حد ذاته بوجود هذا التبرير، لكن بعض الإسلاميين على عادتهم في الحساب الانتهازي على وعي تام بأنهم لو قدموا ذاك التبرير لاحتقرهم الناس أكثر مما يحتقرونهم بالفعل، وهم لذلك يكتفون بتقديم صمتهم الدال كذلك على حقارتهم واستعدادهم لارتكاب أدنأ الموبقات تحت لافتة تطبيق شرع الله.
--------------------
بقلم: عصام الزهيري

مقالات اخرى للكاتب

222 عاما على ثورة القاهرة الثانية: هل يكفي صدق الدافع الوطني لصنع ثورة؟





اعلان