26 - 04 - 2024

الإبراهيمية

الإبراهيمية

لايوجد ولم يعلن عن أن هناك ديانة جديدة تسمى بالديانة الإبراهيميةK ولكن جاء هذا المسمى التلفيقى حين تم توقيع اتفاق سلام وإقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والإمارات العربية فى سبتمبر من العام الماضى، وكان ذلك ضمن البيان الصادر من الخارجية الأمريكية بعد التوقيع  وجاء فيه: "أن أمريكا تقدر هذه العلاقات والتى تدلل على توافق الإبراهيمية حيث أن إبراهيم هو أبو الأنبياء فى الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية". 

ومنذ ذلك الحين وجدنا كتابات وتصريحات تتحدث عن الديانة الإبراهيمية! فهل كون إبراهيم شخصية ذكرت فى كتب الديانات الثلاثة يعنى أنه يمكن أن نتحدث عن ديانة تجمع الكل؟ لاشك فإن هذا كلام لاعلاقة له بالمنطق ولا بالأديان الثلاثة، حيث أن هذه الأديان وان كانت تؤمن بعقيدة الله الواحد، ولكن لكل منها رؤيتها وطقوسها الخاصة الشئ الذى يجعل إيمان واعتقاد كل مؤمن بديانته، واعتبارها الحقيقة المطلقة دون الديانات الأخرى على المستوى الواقعى والتطبيقي

فاليهود لايؤمنون بالمسيحية حيث توقفوا عند بهوديتهم، والمسيحيون آمنوا باليهودية لأنها سابقة عليهم فآمنوا باليهودية والمسيحية، أما الإسلام لأنه جاء بعد اليهودية والمسيحية فآمن بهما في إطارالإسلام بعد ذكر الديانتين فى القران، وفى إطار عقيدة الألوهية أى عبادة الإله الواحد، وهى عقيدة فطرية منذ ادم حيث تعدد الرسل والأنبياء والرسالات. 

ونقول كيف يكون ذلك واليهودية لا تؤمن بالمسيحية من الأساس ولازال اليهود ينتظرون المسيح، كما أن المسيحية تؤمن بأن المسيح إله فى الوقت الذى يؤمن فيه الاسلام بأن المسيح رسول؟ إذن ماهى الحكاية؟ الحكاية أنه لاعلاقة لها بالاديان، ولكنها لعبة سياسية فى المقام الأول تهدف اول ما تهدف إلى اختراق المجال العربى والإسلامي لصالح إسرائيل تلك الدولة الصهيونية التى أعلنت أنها دولة دينية يهودية لاتقبل غير اليهود!! 

ولذا فهذه الدعوة المشبوهة هى امتداد لدعوات سابقة مثل ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد الذى كان يهدف إلى ذوبان الكيان الصهيونى فى المنطقة العربية، ولما فشل هذا المخطط الذى كان على الأرضية السياسية والاقتصادية ظهر هذا المخطط الجديد وعلى الأرضية الدينية التى تتقدم كل الأرضيات للمؤمنين بالاديان، وهنا يحضرني تأكيد أنه رغم عدم ايمان اليهود بالمسيحية ولكنهم استطاعوا اختراق المسيحية تحت مسمى (المسيحية الصهيونية) اعتمادا على أن العهد الجديد هو امتداد للعهد القديم، حيث أن العهد القديم الذى يؤمن به المسيحيون يقول إن اليهود هم شعب الله المختار وأن فلسطين أرض الميعاد وأن اعادة بناء الهيكل يعنى الإسراع بالمجئ الثانى المسيح!!! وهذا يعنى أنه يتم الخلط بين الدينى والسياسى ويؤمن المسيحيون أن فلسطين يهودية ولليهود، بل يجب أن يشارك المسيحي اليهودى فى تحقيق بناء الهيكل حتى يجئ المسبح!!  

هنا وجدنا الإدارات الأمريكية على اختلاف انتمائها الحزبى تتبنى إسرائيل ومخططها الصهيونى للسيطرة على المنطقة ولصالح إسرائيل، أما القول إن هدف مايسمى بالابراهيمية هو التوافق الإنسانى وإعلاء قيم التسامح والحب وقبول الآخر، فهذا ما تتوافق عليه الديانات كل فى إطار عقيدته وحسب إيمانه، حيث أن الأديان جاءت لصالح الإنسان وبالتالى يستوجب الأمر إعلاء القيم الإنسانية وقبول الآخر. 

أما الإبراهيمية التلفيقية فهذه ضد طبيعة الأشياء وجوهر الأديان، حيث أن التعددية الدينية هى إرادة الله ومقصده (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118 هود)، (من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم)، وهذا هو جوهر حرية الاختيار الدينى (فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر). 

ولذا، هل يريدون الحظر على حرية العقيدة التى قدرها الله ولصالح الكيان الصهيو- أمريكى، خاصة أن عملية التطبيع مع إسرائيل مرفوضة شكلا وموضوعا بالرغم من بعض العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول العربية خاصة مصر، التى لايقبل شعبها هذا التطبيع بالرغم من وجود العلاقات الرسمية. ولذا فقد فعل فضيلة شيخ الأزهر خيرا عندما كشف هذا المخطط وأكد على تشارك الأديان فى التسامح والمحبة والإخاء وقبول الآخر فى إطار عقيدة كل مؤمن بعقيدته. 

حفظ الله مصر وشعبها العظيم من شر الفتنة.
-----------------------
بقلم: جمال أسعد

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان