10 - 11 - 2024

مغزى الصدمة التاريخية: الرئيس "السادات" لم يذهب إلى القدس وحيدا!!

مغزى الصدمة التاريخية: الرئيس

أخمن أن البعض من أبناء الجيل أو الأجيال الذين شهدوا زيارة الرئيس "السادات" للقدس، وقد كانت مدهشة ومفاجئة بل وصادمة لهم حسب تصويرهم لها، وعاصروا وقائع عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل، أنهم لو عاد بهم الزمان لتلك الآونة ما كانوا عارضوا نفس المعارضة التي أبدوها آنذاك، أو أنهم - ربما - كان يمكن أن يعارضوها بطريقة أخرى غير الطريقة العنيفة التي عارضوها بها، لكن ذلك قد لا يكون صحيحا على الوجهين، حتى لو افترض القائلون بـ"لو" غير التاريخية أنهم سيعودوا لتلك اللحظة التي مرت منذ ما يقارب النصف قرن بخبرتهم التاريخية التي حصلّوها اليوم، وهو ما يمكن أن نستنبطه من الجدل والمواقف الحادة المعارضة لاتفاقيات سلام جرت مؤخرا بين بلدان عربية كالإمارات والمغرب والبحرين والسودان وبين إسرائيل.

لكن ما يمكن أن يفكر فيه أحد اليوم بجدية بخصوص زيارة القدس والاتفاقية المصرية للسلام يتعلق بواقعتين مرتبطتين بها، إحداهما سابقة عليها والأخرى تالية لها. أما التالية فهي واقعة اغتيال الرئيس "السادات"، وهي لاتزال إلى اليوم تمثل - على الأقل بالنسبة للأجيال التي لم تشهد أحداث تلك الفترة - صدمة أكبر من كل صدمة أخرى قد تكون وقعت في فترة حكم "السادات"، الصدمة الأكثر إيلاما وترويعا من أي صدمة أخرى، بما في ذلك ما يصفه المعارضون بصدمة زيارته للقدس، إن جاز لي من حيث المبدأ أن أقارن بين الحدثين المختلفين. وما أفكر فيه هو طبيعة المعارضة العنيفة التي قوبلت بها زيارة الرئيس الراحل للقدس وعلاقتها بحادث اغتياله على يد جهاديين مسلحين، واعتقاد هؤلاء الإرهابيين أن زيارة الرئيس للقدس يمكن أن تبرر لهم اغتياله بغض النظر عن كونه قائد وصانع نصر أكتوبر!. وعادة ما يناوشني سؤال بخصوص إمكانية وجود مثل تلك العلاقة المحتملة، أي احتمال وجود دعم يمكن أن تكون المعارضة العنيفة لزيارة القدس قد أعطته لقاتلي الرئيس، وسؤالي يتخذ دوما شكلا شخصيا وافتراضيا: هل كان يمكن أن يصيبني موقف المعارضة العنيفة لزيارة القدس لو كنت من شهود وأبناء تلك المرحلة بتأنيب ضمير بعد استشهاد الرئيس "السادات" لأسباب على رأسها زيارته للقدس..؟!.

أما الواقعة الأقدم المتعلقة بزيارة القدس واتفاقية السلام مع إسرائيل فهي تطرح سؤالا أكثر عمومية وعمقا.. الواقعة رواها الروائي العملاق "نجيب محفوظ" في عدة مناسبات، وهي تتصل بتأييده المسبق وغير المقصود للرئيس "السادات" في عقد اتفاقية السلام وفي التطبيع مع إسرائيل، وهو التأييد الذي صار فيما بعد زيارة القدس تأييدا علنيا، لكنه لم يكن قبلها تأييدا بالمعنى الصحيح، ولم يكن مقصودا به التأييد، لأنه سبق أي حديث عام عن عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، وسبق زيارة القدس بحوالي خمس سنوات بأكملها. والواقعة جرت خلال لقاء لكتّاب الأهرام مع العقيد الليبي "معمر القذافي" سنة 1972، خلال هذا الاجتماع نوقشت القضية الفلسطينية فقال "محفوظ" كما يذكر بعبارته: "في هذا الموضوع قلت أنه إذا لم تكن لدينا القدرة على الحرب فلنتفاوض ونصطلح وننهي هذه المسألة"، ويردف "محفوظ": "وقد أيدني حسين فوزي وتوفيق الحكيم، وكان كلامي مفاجئا، فلم يكن يخطر في بال أحد التفكير، مجرد التفكير، في هذا الحل". وهو "الحل" الذي عاد "محفوظ" ومعه آخرون إلى طرحه على هيئة تأييد لاتفاقية السلام المصرية مع إسرائيل ولزيارة "السادات" للقدس.

السؤال المحيّر بالنسبة لي في ضوء هذه الواقعة هو: لماذا إذن صوّر - أو تصوّر - هؤلاء الذين عارضوا زيارة القدس أنه كان لها وقع الصدمة الصاعقة؟!. طالما كان هناك بالفعل تفكير معلن بخصوص عقد سلام مع إسرائيل منذ لقاء "القذافي" سنة 1972 ومن قبله بكل تأكيد، وهو تفكير كان يطرح - سواء بجرأة أو على استحياء - احتمال الصلح مع إسرائيل. وبغض النظر عن موقف المعارضة أو التأييد لاتفاقية السلام في وقتها: كيف اقترن موقف معارضتها بكل هذا الاستهوال والاستبعاد واقترنت مشاعر معارضتها بكل انفعالات الصدمة التي يصورها معارضو زيارة القدس مع إعلان الرئيس "السادات" لأول مرة عنها..؟!.

هذه الواقعة حسب رواية "نجيب محفوظ" لها تدرأ إمكانية حضور الصدمة مع إعلان أنباء زيارة القدس ونوايا عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، خصوصا وأن فكرة التفاوض مع إسرائيل وعقد اتفاقية معها كانت مطروحة سياسيا ودبلوماسيا قبل حرب أكتوبر من خلال مبادرات دولية ومساعي مختلفة، وجرى بعضها عندما كان الرئيس "جمال عبدالناصر" في الحكم. فهل كان حديث الصدمة إبان إعلان الرئيس السادات زيارته للقدس حقيقيا بالفعل..؟! أم أن إعلان الصدمة كان مجرد تكتيك سياسي لتقوية موقف معارضته..؟!.
-------------------------
بقلم: عصام الزهيري

مقالات اخرى للكاتب

222 عاما على ثورة القاهرة الثانية: هل يكفي صدق الدافع الوطني لصنع ثورة؟