25 - 04 - 2024

الأخطاء الطبية بين المسئولية القانونية للطبيب وحقوق المريض

الأخطاء الطبية بين المسئولية القانونية للطبيب وحقوق المريض

سوف يظل الدور الذي يقوم به الأطباء في علاج المرضي واضحًا ولا ينكر في ظل الظروف الصعبة التـي يعملون بها، وقال الشافعي رحمه الله: (صنفان لا غنى للناس عنهم: العلماء لأديانهم، والأطباء لأبدانهم).

أما فيما يخص الأخطاء الطبية فبعيدًا عن حمـاس البعض تجاه هذا الملـف فهناك الكثير من الحالات التي تنتهي إلى الوفاة لأسباب دون ذنب أو تقصير من الطبيب. فالأصل براءة ذمة الطبيب، وأن العهدة في إثبات موجب المسؤولية إنما تقع على المدعي، كما هو مقرر في القاعدة الشرعية:"البينة على من ادعى واليمين على من أنكر".

وقد اتفق إجماع فقهاء المسلمين على عدم مسؤولية الطبيب غير المتعد بشكل عام إلاّ في حدود ضيقة وله الحق في اختيار إحدى طرق العلاج مادامت ليست قطعًا الوحيدة وتفاصيله كالتالي:

أولا: اتفق جمهور الفقهاء علي أنه لا مسئولية علي الطبيب، عن الأضرار التي تترتب علي عمله، استنادًا إلى أن الطبيب إنما يقوم بآداء واجب وله كل الحرية في اختيار الطريقة التي يؤدي بها هذا العمل – فيرى الحنابلة والشافعية أن أساس عدم مسؤولية الطبيب، يكمن في أن فعله يتم بإذن المريض أو  وليه أو  الحاكم، وأنه يقصد صلاح المفعول ولا يقصد الإضرار به، فقد جاء في كتاب الأم للإمام الشافعي (والوجه الثاني الذي يسقط فيه الفعل أن يأمر الرجل به الداء الطبيب أن يبط جرحه، أو  يفجر له عرقاً، أو  الحجام أن يحجمه أو الكاوي أن يكويه، أو  يأمر الحجام أن يختنه فيموت من شيء من هذا، ولم يتعد المأمور ما أمره به، فلا عقل ولا مأخوذية إن حسنت نيته، وذلك إن الطبيب والحجام إنما فعلاه للصلاح بأمر المفعول به).

ثانياً: اختلف فقهاء المذاهب الإسلامية في تعليل رفع مسؤولية عن الطبيب: فيرى الحنابلة والشافعية: (أن علة ذلك، أن الطبيب يأتي فعله بإذن المجني عليه، وأنه يقصد بذلك صلاح المفعول، ولا يقصد الإضرار به). الإمام الشافعي (الأم) الجزء السادس دار المعرفة بيروت باب خطأ الطبيب ص 166، 172.

والأطباء - شأنهم شأن غيرهم من أصحاب المِهَن الأُخْرى مَسْؤُولُون في النهاية عن أخطائهم التي كان يمكنهم التَّحَرُّز منها، ولكي نضع هذا الموضوع في إطاره السليم، فيجب أن نقــر واقع الحال الذي يقول بأن: نقابة الأطباء، والطب الشرعي، وكذلك أروقة المحاكم والنيابات العامة لا تخلو من ملفات الأخطاء الطبية التي تؤدي الى آثار، ومضاعفات خطيرة، أو إهمال جسيم أو عملية جراحية خاطئة أدت للوفاة.

فالخطأ الطبي هو إتيان الطبيب سلوكا أو فعلا على نحو يخالف الأصل أو التطبيق العلمي المعتبر بصورة تؤدي إلى وقوع الضرر على المريض أو التسبب في ذلك. والأمثلة على الأخطاء الطبية كثيرة، فمنها خطأ الطبيب في وصف العلاج اللازم للمريض أو رفض علاجه إذا كان المريض في حالة خطرة، تستدعي من الطبيب مساعدته والتدخل السريع لعلاجه. وكذلك الخطأ في تشخيص المرض، وكان ذلك يعود إلى عدم استخدام الطرق أو التقنيات الحديثة في التشخيص، والتي تقتضيها حالة المريض.

فالطبيب ملزم أثناء معالجة مريضه أن يبذل العناية الواجبة التي تمليها عليه أصــول مهنة الطب وقواعدها ويتصف بكل صفة رفيعة تليق بمن يقضون حوائج الناس ويمسحون آلامهم، لا أن يزيد تعبه بأخطاء قد تكون أصعب مما أصاب المريض.

ولا شك أن قضايا الأخطاء الطبية مهما كانت نسبتها سوف تظل محل اهتمام المجتمـع، وهو اهتمام بحق لما لهذا الموضوع من أهميـة بالغة لاتصالها بحياة الإنسان المكفولة بالحفظ والصون في الشريعة الإسلامية والقوانين واللوائح والمواثيق الدولية، لاسيما أن بعض الأخطاء أصابت المجتمع بالخوف، وتحتاج إلى عقاب رادع يكفل منع تكرارها، وحتى لا يفلت الجاني من العقاب. فالطبيب مسؤول عما يستعمله من أدوات ومسؤول حال تقصيره في واجباته الطبية سواء بسبب عدم التروي أو الجهل بالأشياء التي من الواجب عليه معرفتها أو الإهمال، وإخلال الطبيب بتنفيذ هذه الالتزامات تجاه مريضه يجعله عرضة للمساءلة عن ذلك.

ولكي تتحقق مسؤولية الطبيب تجاه مريضه سواء كانت هذه المسؤولية عقدية، أو مسؤولية تقصيرية لابد من توفر مجموعة من الشروط وهي:-

أولا: أن يكون الطبيب قد اقترف خطأ على نحو يخالف الأصول العلمية أو الأعراف الطبية المعتبرة.

ثانيا: أن يكون هذا الخطأ قد أحدث ضررا لمريضه.

ثالثا: وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر.

ويعتبر التعويض من الآثار التي تترتب على ثبوت المسئولية بعد أن تتحقق المسؤولية من خلال إثبات علاقة السببية بين الخطأ والضرر، فالتعويض يقدر بقدر الضرر في حين أن العقوبة تقدر بقدر خطأ الجاني.

إذن فالتعويض يرتبط بالضرر وليس بالخطأ وهو وسيلة القضاء لجبر الضرر سواء بمحوه أو تخفيفه فلابد أن يكون متناسبًا مع الضرر الذي أصاب المريض دون أن يزيد عليه أو ينقص عنه، فلا يجوز أن يتجاوز مقدار الضرر ويتم تقدير التعويض تقديرا موضوعيا.

والحقيقة أن عمل الطبيب يقتضي أن يكون أمينًا ومؤهلًا علمًا وعملاً لتعلقه بفرض من فروض الكفايات وهو حفظ النفس البشرية وصونها وهذا مقصدُ هام ورفيع من مقاصد الشرع.

ونهاية كما نحذر من ترك الأطباء وشأنهم دون مساءلة نحذر أيضًا من المبالغة والإفراط في مساءلة الأطباء بغير أدلة اتهام قوية ترقى لما ينسب إليهم لما لذلك من آثار سلبية على نفوسهـم ولإعطائهم مجالًا أكبر في التماس علاج المرضى باطمئنان دون خشية أو تردد لا سيما وأن التزام الطبيب هو التزام ببذل العناية الضرورية واللازمة.

-----------------------------

بقلم: محمد جلال عبد الرحمن  

(محامٍ وباحث وحاصل على جائزة الدولة عن افضل كتاب في العلوم الرقميـة بريد الكتروني: [email protected])

مقالات اخرى للكاتب

إنهاء مباردة





اعلان