24 - 04 - 2024

الجونة ودميانة والطائفية

الجونة ودميانة والطائفية

السكوت على الخطأ خطيئة والتساهل مع الفساد إفساد وتخطى القيم انهيار مجتمعى والتدين الشكلى متاجرة بالدين. ما علاقة هذا بعنوان المقال؟ 

العلاقة هو مهرجان الجونة السينمائي، وما حكايته؟ هو مهرجان أقامه أولاد ساويرس فى الجونة (قريتهم السياحية)، وبالطبع لا يقيم المستثمر شيئا لا يأتى إليه بفائدة شخصية وذاتية وليس حبا فى الفن أو الوطن. 

الحكاية بدأت من عرض ملابس الممثلات على ما يسمى (السجادة الحمراء) التى لم يكن لها وجود قبل ذلك إلا نادرا فى مهرجانات مصر، فالمشكلة تمثلت فى أنواع وشكل الملابس التى تجاوزت كل التجاوز للعادات والتقاليد المصرية، ليس ذلك فحسب ولكن حتى عادات الفنانين المصريين المسايرة لما يتم فى الخارج. فكانت معركة لانهاية لها على السوشيال ميديا وجد فيها المتاجرون بالدين فرصة للتواجد وأداء للمهمة، وكأن الدين انحسر فى شكل الملابس التى هى نتاج مجتمعى يختلف من مجتمع إلى آخر، فى الوقت الذى شاهد فيه المعترضون هذا الكرنفال! 

الأهم ان هذه المعركة أظهرت أن هناك مناخ طائفى قابع فى الضمير الجمعى للكثيرين هنا وهناك، وجدنا كثيرا من المسيحيين يدافعون عن المهرجان وعن صاحبه، وعن الأزياء الخارجة وغير اللائقة على أرضية طائفية توحدا مع أصحاب المهرجان المسيحيين، وكأن المسيحية بقيمها العظيمة تبيح هذا! 

فى المقابل وجدنا الطرف الآخر يقيم الدنيا ولا يقعدها على المهرجان وأصحابه ايضا على أرضية طائفية، فى الوقت الذى يجب أن يكون النقاش على أرضية فنية سينمائية للمعروض من الأفلام وللندوات المشارك فيها أجانب. هنا يجب أن ننوه بأن كارهي عبد الناصر (من هنا وهناك) شاركوا فى مؤازرة المهرجان من منطلق أن أصحابه لايحبون ناصر. فهل مثل هذه الأشياء تستدعى هذا؟ وهل هذا يؤسس للحوار الموضوعى وقبول الآخر؟ 

أما موضوع دميانة فهذا موضوع آخر، فقد عرض فى المهرجان فيلم (ريش) الحاصل على جائزة فى مهرجان كان الدولى، والذي تم تكريمه وصانعيه من وزيرة الثقافة وبالطبع مع موافقة الرقابة على الفيلم. 

(ريش) دون الدخول فى نقد فنى لست متخصصا فيه، كان من تمثيل مواطنين مصريين من قرى ملوي، قاموا بأداء أدوارهم فى الحياة كما هى دون تمثيل، والنجاح حدث لمجموعة عوامل منها أن قصة الفيلم هى ذات القصة الحقيقية للبطلة بكافة تفاصيلها مثل ماصرحت دميانة ببساطة المرأة المصرية المبدعة بالفطرة. 

نعم الفيلم يصور حالة الفقر فى القرية والمصنع وفى أماكن كثيرة، وبشكل فنتازيا مخلوطة بالواقع والواقعية (وهى مدرسة فنية)، المفاجأة أن بعض الممثلين خرجوا من عرض الفيلم بعد دقائق قليلة بحجة أنه يصور الفقر على غير الحقيقة، وبالتالى فهو يسىء إلى سمعة مصر! فهل بالفعل حدث هذا؟ أم أنكم أحسستم بالضآلة أمام هؤلاء الفنانين بالطبيعة وبالفطرة؟ أم أخذتكم بالغيرة من حصولهم على جائزة دولية لاتحلمون بها يوما؟، وكان الرفض شبه الجماعى والموضوعي والذى يعى حقيقة مصر وسمعتها التي هي أكبر من فيلم يصور الفقر، ولذا كانت مزايدة لاتليق بمصر وسمعتها من جانب هؤلاء، وهنا نسأل: هل لايوجد فقر فى مصر وفى العالم كله؟ وهل لايوجد أفلام بلا نهاية صورت الواقع المصرى الفقير؟ وهل يوجد ما يقول إن مصر لايوجد بها فقر؟ فى الوقت الذى قال فيه الرئيس (احنا فقراء أوى)، بل قال إن مصر بعد يناير كانت شبه دولة، فى الوقت الذى يكون منطقيا أن ننظر فيه إلى مشروعات التكافل الاجتماعى (حياة كريمة) على أنها دليل على وجود فقر وفقراء وإلا ما كان للمشروع سبب!! 

الخلاصة: لايجب أن نأخذ الأمور على أرضية طائفية، لأن هذا ليس فى صالح أحد على الإطلاق، يجب أن نلتزم بالقيم والعادات المصرية حتى تكون مثل هذه المهرجانات تؤدى دورا فنيا للفن والسينما وللوطن بعيدا عن المظهرية الرأسمالية (وكله بفلوسى ياسيدى)، لا يجب على فنان أن ينسى دوره كقوة ناعمة ويزايد خطأ ونفاقا تحت ادعاء حبه للوطن، بذريعة أن الفيلم يسئ إليه. من حق المشاهد أن يقبل أو يرفض العمل الفني، فهذه رؤية شخصية، ولكن دون الحكم على الفيلم والفن بمعايير دينية أو غير فنية. 

مصر أكبر من المزايدة عليها . ومصر لن يضيرها تصوير الفقر ولكن يعنيها ويعنينا مواجهة الفقر ومحاربة الفساد وتأكيد القيم والأخلاق، وإيجاد عدالة اجتماعية تحقق الرفاهية للشعب حتى يتقدم الوطن بالفن وبالعمل وبالمصارحة والانتماء لهذا الوطن العزيز. 

حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
-----------------------
بقلم: جمال أسعد

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان