25 - 04 - 2024

عاصفة بوح | ثلاثية الفقدان (3 من 3)

عاصفة بوح | ثلاثية الفقدان (3 من 3)

مدت يديها فى الفراش تلتمس دفء وجوده بجانبها لعقود .. ماذا؟ هل هاجمه الارق الذى غزاه من سنة ماضية فاستيقظ فى الفجر تؤنسه صلاته راجيا من الله أن يهبه نعمة النوم ولو لسويعات قليلة ويلقى بظهره على كرسيه المفضل لعل ملك نوم يريحه .. ثم  هبت من نومها تناديه وقبل ان تتلفظ ياسمه الحبيب، هاجمتها الحقيقة المرعب.. لقد رحل. 

خانها وتركها وحيدة فى هذا العمر وبعد سنوات العشق والونس والصحبة الجميلة، خانها و مات قبلها، ويالها من خيانة، لم نتفق ياحبيى على ذلك؟ لقد سمحت للأنانية ان تصاحبنى ولومرة فى حياتي، بطلبى من الرحمن أن أرحل قبله ولو بثوان معدودة، ولكن لربنا حكمته.. أخذ حبيبي فجأة بلا مقدمات، وتركني لنوع عجيب من العذاب لا لغة تصفه ولا أدب خلده ولا ربابة  لحنته وغنته فى  النجوع.. حب استثنائي  لذا كان الوجع أيضا استثنائيا!

إذن، ماخافت منه العمر كله قد حدث.. مات حبيبها ومؤنسها و صديقها وزوجها وأبو أولادها.

مات فى اليوم الذى كتب عند ربه، توقعت أن يحدث لهما ما حدث للناس منذ بدء الخليقة فما تصورت أنهما استثناء، حاشا لله، لكن كيف تصورت أن السيناريو الذى تخيلته لرحيلهما معا سيتحقق، كما أرادت؟

رومانسية حتى في تصورها للموت، موتهما معا أو موتها قبله، أما رحيله هو فكانت تبعد الفكرة عن قلبها وعندما تهاجمها تلقى بنفسها فى حضنه وتضمه بقوة وتقبله فى كل وجهه، وكان يضحك ويقول: ما هذا العطاء المفاجىء اللذيذ؟ لا تجاوبه، إنما تزيد ضمه ثم تهرع إلى غرفتها، وتضع فوطة فى فمها وتصرخ بكل ما أوتيت من قوة لمجرد أن فكرة فقدانه زارتها، فما بالك بالحقيقة؟

الصمت يحيطها من كل الجهات، حتى وهم يواسونها، أو يكتفون بالتليفون خوفا من تبعات فيروس كورونا الذي قتله ولم يقتلها رغم خطورة حالتها، لسبب لم تعرفه حتى الآن.. لماذا لم ياخذهما الموت معا كما حدث لأصدقاء العمر، غادرت أولا.. لم يبلغوا زوجها ومات فى المستشفى دون أن يعرف أن حبيبته وزوجته قد رحلت قبله بأسبوعين.. كانت تتمنى تلك النهاية الجميلة الرؤؤفة بها، الرومانسية كما تخليتها لسنوات وتمنتها حتى آخر نفس.. ولكن لمالك الكون حكمة اخرى، نطيعه ونحمد، ولكنه لا يخفف من ألم الفراق .. حتى الآن على الاقل!

الوحدة قاتلة، بدونه فراغ مميت فى قلبها وحياتها، الذكريات تطبب روحها لدقائق، ثم يتغلب عليها الفقدان، كل هذا الحب، كل تلك الذكريات والتفاصيل الكبيرة والصغيرة التى  شكلت حياتهما وحولتها إلى عشرة طيبة وونس مريح وبهجة للقلب ومتعة اللقاء والاندماج الجسدى. 

الوجود المادى فى حياتها صوته، دخوله عليها وصوت المفتاح فى الباب يعلن عودته لبيته وأولاده وحضنها، يشتعل الكون بالحياة لمجرد سماع وقع اقدامه على عتبة البيت، العادي الذى يصير غير عادي نابع منه ومن وجوده داخل جدران بيتهما وروحها وشريانها ودقات قلبها وعدد أنفاسها اللا نهائية.

كانت الحياة العادية فى بيتهما وعلاقتهما، غيرعادية.. تتحول لشيء مختلف، ربما للطيبة والحنية وغياب الغدر. القسوة والخذلان لم يطرقا بابهما قط ، يشكر هو كرجل على ذلك فهو في وسط جنسه استثناء، أما هي فليست استثناء بين بنات جنسها إلا فى حبها العجيب له، النابع من حبه الشديد لها. فمن ذلك الانسان أو الشيء الذى يمنعها من إغراقه بمحبتها وتدليلها وتقديرها لعشرته، الجميلة الهينة السلسة المحببة المحترمة لأنوثتها وطموحها في آن واحد، وهي لم يختلط عليها الأمر ولو لطرفة عين، فهى له أنثى عاشقة متدللة مانحة، وفى العمل مقاتلة شرسة لتحقيق ما حلمت به نجاح، ولن يحول بينها و بين النجاح كونها امرأة!

الصمت والوحدة والذكريات، ثلاثية الفقدان التى تصاحبها فى الدنيا صدمة و قهرا وحزنا وإنكارا وتمنيا أن يكون مجرد كابوس ستستيقظ منه، وتجري نحوه لتضمه بقوة وتقول: الحمد لله أنك هنا بجسدك وأنفاسك، أستطيع لمسك وسماع دقات فلبك والإحساس بدفء يعلن تمتعك بالحياة، وأجري فى البيت أناديك: كان كابوسا فظيعا، ساعدنى كما تعودت ان تفعل على الاستيقاظ منه،عندما أعجز عن الخروج من شركه.

ولكن هذه المرة، عجزنا معا عن الإفلات، فأصبح حقيقة لا مجرد كابوس!

يقولون إن الحزن يبدأ كبيرا ثم يصغر، لا أراه ينطبق عليّ حتى الآن، فالحياة بدونه جحيم.. كأن أحدا أطفأ النور فجأة، فعم الظلام التام ولم أعد أرى شيئا، والأهم أني لا أريد أن أرى شيئا بدونه، هكذا بمنتهى البساطة!

أتخيل أيامى القادمة بلا طعم، بلا روح أو حب أو إحساس، من يعوضنى عن روحى إذا ما سقطت منى فى الطريق، من يعوضنى عن صمت غيابه، عن ابتسامته التي تخفف من وطأة الحياة بمشاكلها ومسؤولياتها حتى لو لم تستند على أسباب منطقية لإشاعة الطمأنينة، لكن لأن ابتسامته تقول غير ذلك فأصدقها رغما عن الواقع الأليم، من ذا الذى سيشاركنى أسرارى وأوقاتى ويعوضنى وجوده عن العالم أجمع، من ذا الذى سيشاركنى شاي الصباح وهمسات ما قبل النوم واعترافاته الليلية، من سيمسح دمعات حيرتى من خذلان الأصدقاء والخلان، من ذا سيمسك بقبضته يدي ليؤكد لى ان كل شيء سيكون على ما يرام، ألسنا معا؟.

حبيى لم يعد أي شيء على ما يرام، فكيف يكون كذلك وأنت بعيد؟

ليغفر لي الله حزني، فهو ليس اعتراضا على قضائه.. إنما ببساطة أشتاق لحبيبى! 
----------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة





اعلان