01 - 05 - 2024

عاصفة بوح | للكبار فقط (1 من 3)

عاصفة بوح | للكبار فقط (1 من 3)

نظرت له بشغف وحنية فى آن واحد، تساءلت من مكنون القلب: حبيبى، من منا سيكون المحظوظ  والمحبوب من السماء، فياخذ تذكرة درجة أولى إلى الجانب الآخر، أولا.

ترقرقت عيناها بالدموع لمجرد تخيل حدوث ما لا مفر منه؟ نظر لها بعتاب ، متسائلا عن سر تمسكها بهذا الحديث فى الآونة الاخيرة.. نعم وصلنا معا إلى آخر المشوار، ولكن لا أحد يعرف متى يأتى زائر السماء ليلقى علينا تعويذة الفراق؟ جال بخاطره أن الناس الآن تعيش أطول مما عاش آباؤهم.. إذن لنرجىء الحديث لوقت اخر ونتمتع بصحبتنا معا فى تلك اللحظة، فحياتنا معا كانت نغما متجدد الإيقاعات زاده الزمن تناغما وانسجاما ووئاما وعشرة جميلة، لم تنل منها الأيام قلامة ظفر تغير من المحبة، لا جفاء ولا ملل مثلما أصاب الكثيرين من الأزواج والمحبين.. و لكن هل نحن إلا استثناء في كل ما تعلق بالعشق والزواج .. والله لا أتصورنا إلا كذلك!

يقولون إن الزواج والاعتياد والروتين والملل يقتلون الحب.. إذن كيف هزم حبنا كل ماسبق؟، كيف سبحنا فى بحر الحياة بكل تلك السلاسة العاطفية رغم مصاعب الحياة و مشاكلها ومسؤولياتها.

هل كان الحب يكفي؟ أم تطلب الأمر معارك نفسية واجتماعية وتحديا لكل ما هو معتاد ليصبح خاصا واسثنائيا.. الروتين اليومى أصبح شغفا لتجدد الصحبة الهينة السهلة.. الأطفال نعمة ورزق وتجدد ومتعة خالصة جمعت أجمل ما فينا وكانت شاهدا فعليا على لحظات العشق الخالصة واللحظات الحميمة حيث افضى بعضنا إلى بعض وأصبحنا ولو للحظات جسدا واحدا مقسوم على روحين وقلبين ينبضان بنفس اللحن، أحبكَ وأحبكِ... حبيبان كما أرادنا الله أن نلتقى!

هل أصبح الإخلاص فى الزواج والحب فعلا غير مألوف، وربما مجرما من الأجيال الحالية؟ حيث طغت المصالح المالية والجسدية على أحاسيس الحب الحقيقية، كما عرفناها نحن آباء وأمهات الجيل الحالى؟ شعارهم مال الرجل وجسد المرأة، فلا عجب ألا يكمل الزواج شهورا أو سنوات قليلة، قبل أن يبدأ بالتحلل لنفس تلك الأسباب، تغير المال وملل من الجسد الذي تشبع من التهامه حتى التخمة المميتة لأي استمرار! فما بالك لو تحدثنا عن الوفاء حتى آخر العمر. لابد أنهم يشبهوننا بالديناصورات المنقرضة.. بل وصمونا بالقسوة على الروح والجسد بتلك الأبدية المفروضة على عشاق الحياة المتجددة، فى تعدد العلاقات والزواج.. فزيجة واحدة لم تعد تكفي، لا ذكرا أو أنثى وليذهب شكل الأسرة الواحدة بأطفالها إلى الجحيم.

الحمد لله أننا ولدنا في عصر الحب العائلي، بتقاليده الجميلة المحببة للنفس السوية.. اللمة الحلوة بصغارنا وخالاتهم وأعمامهم .. كان لكل ذلك مذاق محبب، وكان لخلوتنا بعائلتنا الصغيرة المباشرة الاعتيادية سحر خاص شكلناه نحن بقلوبنا المجنونة والمعجونة بكل أنواع الحب.. خلوتنا كانت حبا مصفى.. أولادنا متعة معتقة شربناها بتفاصيلها الصغيرة المبهجة.. أول سنة وأول حرف، أول خطوة، أول تنهيدة فرح عبرعنها بلغة خاصة لا يفك طلاسمها.. إلا الأبوان الفخوران بإنجازهما الخلاق.

العادى تحول على أيدينا إلى الساحر والغامض والمثير والاستثنائي، حتى تغير الفصول كان سببا لاحتفال وفرحة. الصيف بانطلاقه وبحره وسهره وزهوره.. والشتاء بحميميته وتلاصق أجساد العائلة الصغيرة فى سرير واحد ملتمسين دفء الحب والأسرة والعشق الزوجى، مع غطائه السميك معجون بمشروبات دافئة وحارة، ممزوج بعناق حب يكفى أزمنة وأجيالا، لا يرتوى ولا يهدأ.. لأنه تجدد مع تتابع الأيام والأنفاس تتلاحق لتخلق منه حياة يومية، لا يزول توهجها مادام العادى قد تحول على أيدينا إلى فعل بهيج!

هل كنا مختلفين.. بالقطع نعم!هل كنا موهوبين أو متميزين عن الآخرين؟ بالقطع لا.. إلا فى العشق والحب الذى ناضلنا كل يوم فى حياتنا حتى لا تطعننا الايام بخنجر حاد تصقله.. من المعتاد والمثير للسأم الذى يهاجم معظم العلاقات إذا لم يعدوا لها ما استطاعوا من تنبه وأجهزة استشعار ليحموا العلاقة من تبعات الأيام!.. حرب يومية نعلنها على الروتين والملل لنحافظ على شعلة مشاعرنا رطبة فواحة طازجة، قابلة للالتهام لتدفيء قلوب ظمآنة دائما لدفقة حنان لا يهزمها إلا  الجفاء والقسوة والإهمال وجمود قلوب لم يمسسها الحب يوما، لأن المصلحة كانت فى الأساس سبب الاختيار!

فكيف نعيش دون ثلاثية العشق والحب والوفاء بطمأنينة؟

ولكن لكل حكاية نهاية ولكل حياة وقت محدد، الموت زارنا واختاره دوني لأسباب لا يعرفها إلا الله.. هل كان يستحق رحمة الله أكثر مني فأعفاه من ألم الفراق؟ أم هو امتحان فرضه عليّ لأنه يعلم أنى قد أنجح فيه، بينما يرسب هو فيه لأسباب لا يعلمها الا الله وحده؟

ولكن توقفت الحياة على أعتاب بابى .. فحبيبى قد غادر الحياة يا ناس!
-----------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة





اعلان