29 - 03 - 2024

معلمين بالتطوع والحصة.. إلى متى تستمر المسكنات؟

معلمين بالتطوع والحصة.. إلى متى تستمر المسكنات؟

قبل أيام من بداية العام الدراسي الجديد ٢٠٢١\٢٠٢٢، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن حاجتها لمعلمين جدد، لسد العجز الكبير الذي تعاني منه المدارس بمختلف مراحلها التعليمية، ابتدائي واعدادي وثانوي، وحددت نظامين للتطوع، الأولى التطوع بشكل مجاني شرط حصول المتطوع على مؤهلات تربوية عليا، ودون الحصول على أي أجر، على أن ينحصر دور المتطوع في مساعدة المعلمين خلال تنفيذ المهام التي يتم تكليفهم بها من خلال مشرف المادة، ويكون التطوع بمدارس لا يوجد بها طلاب مقيدين لهم صلة قرابة بالمتطوع حتى الدرجة الثانية .


أما النظام الآخر فهو التعاقد بالحصة، ويكون وفق الاحتياج الفعلي للمادة في المدرسة، بقيمة أقصاها ٢٠ جنيهًا للحصة الواحدة، ويكون بحد أقصى 24 حصة في الأسبوع، ولا يجوز أن تزيد فترة الاستعانة بالمتطوع على 11 شهرًا خلال العام المالي الواحد، على أن يكون الحد الأقصى لراتب المعلم المتعاقد بنظام الحصة ١٦٠٠ جنيهًا للشهر، وليس من حق المتطوع المطالبة مستقبلًا بالتعيين على الموازنة العامة للدولة، والأولوية في قبول المتطوعين من الفئات التي خرجت على المعاش حديثًا، والذين سبق أن عملوا ضمن مسابقة الـ36 ألف معلم، وفقًا لبيان وزارة التعليم.


اعلان الوزارة طرح العديد من التساؤلات حول تعامل الدولة مع منظومة التعليم بشكل عام، وبشكل خاص منذ تولي الدكتور طارق شوقي الحقيبة الوزارية، والذي أعلن منذ أول يوم لتولي الوزارة أنه يسعى لحل أزمة التعليم والارتقاء به، وبناءًا عليه، أطلق العديد من القرارات الجذرية، كتغيير نظام الثانوية العامة بالكامل، وتغيير أسلوب الامتحانات واستبدالها بالـ"بوكليت"، والاستعانة بـ"التابلت"، ورفع الرسوم الدراسية وإنشاء أكبر قدر من المدارس، كل ذلك بالطبع قوبل بازدراء من أولياء الأمور، الذين وصفوه بهدم للتعليم وليس بناء، وهو ما ينكره الوزير ويؤيده فيه السيسي، لكن يظل السؤال حول مدى إدراك الدولة للأهمية المحورية والأساسية للمعلم في قلب تلك المنظومة، والذي بدونه لن تكتمل أو تنجح أي خطة للتطوير. 


السؤال ملح لأنه في الوقت الذي أطلق فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي مصطلح "الجمهورية الجديدة" ونحن نشهد تطورًا في عدد كبير من المشاريع، إلا المنظومة التعليمية التي شهدت تطورًا شكليًا فقط من حيث عدد المدارس، لكن دون الاهتمام بالمعلم نفسه، الذين بلغ عددهم في المدارس نحو 1.187 مليون معلم ومعلمة طبقا لوزارة التربية والتعليم للعام الدراسي 2020/2019، فيما يبلغ عدد الطلاب في المدارس أكثر من 24 مليون طالب وطالبة، وبذلك يتخطى العجز في عدد المعلمين 320 ألف معلم.


ولا يخفى على أحد أن نقص عدد المعلمين في المدارس دفع العديد منهم لتعليم أكثر من مادة خارج تخصصه، وهو ما يجهد المعلم من جهة، ومن جهة أخرى يضر بالمنظومة التعليمية والطلاب على وجه التحديد، لأن المعلم يقوم بتدريس مادة خارج تخصصه الذي اعتاد عليه منذ بدء عمله، هذا بالإضافة لوجود العديد من الحصص الفارغة التي لا يتلقى فيها الطلاب أي مادة دراسية نظرًا لعدم وجود معلم، وهو أمر منتشر بكثرة في المدارس المتواجدة في مناطق نائية. 

            

تشير أرقام نقابة المعلمين، وهي رافضة لقرار الوزارة، إلى أن عدد الذين خرجوا على المعاش في شهر أغسطس فقط بلغ ٥ آلاف و٥١٨ معلم، وهو معدل شبه ثابت شهريًا، وبهذا المعدل يكون سنويًا هناك أكثر من ٥٠ ألف معلم يخرجون على المعاش، أي أن آخر ٥ سنوات خرج على المعاش أكثر من ٢٥٠ ألف معلم، بينما طيلة تلك السنوات، والعجز يزداد سوءًا، لم تجر إلا مسابقة تعيين واحدة عام ٢٠١٥ شملت ٣٠ ألف معلم فقط، وهو ما يوازي ١٠٪ فقط من الخارجين على المعاش.


وبجانب تعنت الوزارة وإهمالها تعيين معلمين بشكل دائم، أثارت الشروط التي وضعتها الوزارة للمعلمين المتطوعين غضب خبراء ومتخصصين، حيث لم تتعد الشروط إلى أكثر من الحصول على مؤهلات عليا وإجراء كشف أمني، وجواب ترشيح من مدرسه سبق العمل بها للمعلمين المتعاونين بنظام الحصة، وهو أمر سهل الحصول عليه حتى لو تكن قد عملت ولو دقيقة في أي مؤسسة تعليمية من قبل.



المسكنات لا تصلح للتعليم


وفي حين رأت الوزارة أن هذه الشروط كافية للعمل كمعلم لمختلف الفئات العمرية، حتى مدارس البنات، رآه الخبير التعليمي كمال مغيث منافيةً لكل القيم التعليمية والأخلاقية والمهنية، وقال أن الوزارة تجاوزت كل الشروط التي يجب أن تتوافر في المعلم وهو ما سيحول المدارس إلى سويقة تمارس فيها كل أشكال الاستغلال والغش والبلطجة والرشوة. 


واستنكر مغيث الاستعانة بهؤلاء المعلمين المتطوعين في مدارس البنات، وتساءل كيف يثق رئيس الدولة آو رئيس الوزراء أو وزير التربية والتعليم بمتطوع يأتي من الشارع بلا فيش وتشبيه وبلا أوراق ثبوتية وبلا قانون يحدد واجباته وحقوقه وبلا إمكانية يملكها صاحب العمل لإجباره على الالتزام بالخلق القويم في القول والسلوك. 


واستطرد مغيث لتوضيح كيف كان يتم التوظيف وتعيين المعلمين من قبل، حيث قال أنه عندما توظف معلما للتاريخ، كان ذلك بناء على مؤهل دراسي حكومي معتمد على المواد التي درسها في الكلية وتقديره العام للسنوات الأربع الذى أعطاه ميزة الاختيار لو كان مرتفعا، وكان يطلب منه مسوغات للتعيين، وكان يعمل في ضوء قوانين ولوائح تحدد حقوقه وواجباته، وكان تقدير الطلاب وأولياء الأمور والزملاء له يؤكد رسوخه وكفاءته، وتفتح له آفاقا للرضا والتميز والترقي، مشيرًا أنه في ذلك الوقت كانت شكوى أحد الطلاب أو أولياء الأمور من أسباب علمية آو إنسانية آو أخلاقية تخصه شخصيًا أثناء عمله، كافية لتهديد وظيفته ومكانته أو نقله لمكان بعيد، وكان هذا كله يدفعه للقراءة العامة في أكثر من موضوع ليصبح متميزًا ن تلاميذه وزملائه، ويهتم بالمظهر الهام واختيار الألفاظ والحرص على ألا يصل لمديره أي شكوى تشينه.


وأوضح مغيث أن كل ما تم معه من تحقيقات وكل ما ناله من جزاءات آو شهادات تقدير، فضلًا عن تقارير المفتشين عن أدائه المهني الذي يوثق ويوضع في تقرير سنوي، يتراكم عامًا بعد عام، ليكون أداة لترقيتي لمناصب أعلى، لافتًا أن كل هذا التراث المهني العميق تم التخلي عنه بإعلان التطوع بالمجان أو بالحصة، مؤكدًا أن بهذه الممارسات لن يكون للتعليم أو الأخلاق آو المهنية أي معنى.  


خلف الزناتي نقيب المعلمين ورئيس اتحاد المعلمين العرب رفض أيضًا قرار الوزارة، معتبرًا أن التدريس رسالة سامية لتربية الأجيال قبل أن تكون مهنة، ويجب أن ندرك أن الاستدامة والاستقرار بهما ضروري لاستقرار العملية التعليمية، بمعنى أنها لا يجب أن تكون مهنة مؤقتة أو مهنة من لا مهنة له، وهذا يهدد استقرار المجتمع لأن طالب اليوم هو شاب الغد ورجل المستقبل الذى يبنى وطنه، وبالتالي تربيته وتنشئته يجب أن تكون عملية دقيقة وأسساً وقواعد لاختيار من يصلح لتربية الأبناء وليست عملية عشوائية .


ويرى نقيب المعلمين أن الحلول التي تلجأ تعتمد عليها الوزارة هي حلول مؤقتة واعتبرها مسكنات لا تصلح لبناء عقل ووجدان الطالب، ودخول عدد من المتطوعين أو العمل بالحصة دون الشعور بالأمان في العمل، يؤدى لمشاكل كثيرة أولها زيادة الدروس الخصوصية، ثانيا تدنى مستوى العملية التعليمية لوجود أشخاص غير مؤهلين بالتدريس، ثالثا يفقد كثير من أولياء الأمور الثقة في العملية التعليمية وهو أمر شديد الخطورة .







اعلان