23 - 03 - 2023

مدينتي الفاضلة| صداقة الغروب والشروق فى الدين ليست مستحيلة

مدينتي الفاضلة| صداقة الغروب والشروق فى الدين ليست مستحيلة

هلل الاعلام للمداخلة التليفزيونية الأخيرة للرئيس السيسي على الهواء، لأنه لمس أوتارا مشدودة  لفئات من الشعب، عندما قال ببساطة أن الانسان يولد وارثا دينه.. المغزى الذي وصلني شخصيا هوأن يقتصر تقييمنا للآخر على سلوكه، وهذه قناعة أو توجيه يدعم التغيير الايجابي المُبهر، الذي تشهده مصر بعد طول جمود وتخلف ومعاناة.. المداخلة تدعم الانجازات التي تفوقت على قدرة الاعلام على مواكبتها، غالبا لطول فترات الركود والسجود والتطبيل، ففقدوا صلاحية الوعي، وصدق التعبير، وفنون التوجيه.. لكن الغريب ان انتشار تداول "المسيحيين" للمداخلة على مواقع التواصل، جاء حذرا بدون تعليق!! مع أن الشعب بكل طوائفه يعاني من شيء ما في الخطاب الدينى أفقده الكثير من تأثيره وجاذبيته.. وكأن الخط مقطوع أو "ملمس"!! أعداد بيوت الله - جوامع وكنائس - في ازدياد، وأعداد ابتعاد الشباب عنها أضعاف!! خاصة بعد حكم الاخوان الذي فتح المخازن والأبواب لثعالب صغيرة وأفاعي، تاجرت بالمؤمنين منهم، نهشت أحلامهم وسممت أفكارهم، وقدمتهم ذخيرة للدواعش والمرتزقة.

عدت أرتوي بمشاهدة فيلم " الباباوان"- the two popes-.. الذي قدم صورة مقربة للسياسة التي تحكم اختيار بابا جديد للفاتيكان يناسب المرحلة التي كانت تمر بها الكنيسة، لإنقاذها وانقاذ 1.2 مليار كاثوليكي في العالم تقودهم كنيسة روما.. الفيلم عن حتمية "تغيير" سياسة وقيادة الفاتيكان في عهد البابا بيندكت الـ16، على خلفية انفجار فضيحة فساد مالي وجنسي، تكرر التستر عليها حرصا على مظهر الكنيسة، بدء التحقيق الرسمي للدولة أجبره على حتمية استقالته، خرقا للتقاليد التي تحتم مواجهة البابا لأعتى الظروف، وتحمل عذاب نتائجها دون انسحاب وحتى الموت تمثلا بصلب المسيح.. الفيلم معزوفة صراع راق بين نقيضين لامفر من صدق التحامهما!! وجه الكنيسة المحافظ المتشدد ويمثله البابا بيندكت الألماني الذي شارك شابا في جيش النازى، والوجه التقدمي الثائر للكاردينال الأرجنتينى فرانسيس الأول، الذي اتهمه زملاؤه الرهبان بالخيانة لأنه راقب ولم يدافع عن 30 ألف أرجنتينى معارض قتلهم الحكم العسكري الديكتاتوري في العاصمة بوينس أيرس.. استقالة كل منهما مشروطة بموافقة الآخر.. وكل منهما متشدد ومتشبث بفكره المختلف، الأول يبنى الجدران لحماية الكنيسة، والثاني يطالب بهدم الجدران لإنقاذها، الأول تمسك بالبذخ ومهابة الملكية، والثاني بأحلام المساواة والعدالة الاجتماعية اليسارية، الأول عاش مدججا بالحراسة مختبئا في الكتب والدراسة، فانعزل عن الاندماج في حياة رعاياه ولم يعرفهم.. والثاني يدندن أغاني الآبا ويرقص التانجو ويصرخ لفوز الأرجنتين في نهائى كأس العالم.. وكلاهما يحمل عبء كتمان خطايا شبابه وجموح أفكاره، حتى يتحررا بتبادل سر الاعتراف.. يجاهد البابا بيندكت للتواصل الانساني بينهما، وعندما ينجح يبتسم، لأنه انتقى خليفته واطمأن لكفاءته في تصحيح أخطائه بسياسة أصلح لهذه الفترة العصيبة، لكنه لازال لا يوافق عليها!! نفذا وصية المسيح، المحبة والتسامح وقبول الاختلاف..ويشاهد العالم اليوم جولات البابا فرانسيس الأول وآخرها في الامارات..نموذج للبساطة والتواضع يعلم الدين بسلوكه الشخصي.. يرفض الطائرة الخاصة والسيارة المصفحة ويرتدي أبسط الملابس، ويحرص على تحية الحراس قبل الملوك والزعماء.

الفيلم هو لقاء أخير بين غروب نظام وشروق مستقبل.. فيلم بديع ينعش الروح ويطهر النفس تتطابق أحداثه مع واقع رجال كل دين.. رغم تأكيد المخرج البرازيلي فرناندو ميللر، والكاتب النيوزيلاندي أنتونى مكارتن بأن الحوار اللاهوتي بين البابوين هو خيالي، لكنه يرتقي لصدق السيرة الذاتية.. أدعوكم للاستمتاع بمشاهدته على نتفليكس.. وبالفرح بروح الأديان.
------------------------
بقلم: منى ثابت

 

مقالات اخرى للكاتب

 مدينتي الفاضلة | محاكمة القرن.. دين شنوده إيه؟!
اعلان