23 - 04 - 2024

رسالة إلى رئيس الجمهورية عما يفعله رئيس جامعة حلوان

رسالة إلى رئيس الجمهورية عما يفعله رئيس جامعة حلوان

من المحتمل أن يصدر حكم داخل جامعة حلوان بعد أيام بعزل أستاذ الجيولوجيا د. يحيى القزاز، بعد تحقيقين طالا معه بتهمة "إهانة السيد رئيس الجمهورية" و"مساعدة جماعة إرهابية على تحقيق أهدافها"، وبعد أن تم سجنه عاما ونصف تقريبا، ثم أفرج عنه بكفالة مالية على ذمة محاكمة في هاتين القضيتين. وقد كان على رئيس الجامعة أن يكتفي بما ينظره القضاء غير ممعن في أي وسائل أو أساليب قد تؤدي إلى تنكيل بالرجل أو إيذائه، ويتركه لمصيره أمام المحاكم، ولا ينصب من الجامعة محكمة أخرى، خاصة أن د. القزاز متحفظ على أمواله، ولا يمكنه التصرف فيها، وهذه عقوبة كبرى في حد ذاتها.

لقد سبق أن نبهت في مقال سابق عن الموضوع إلى أنني سأخاطب السيد رئيس الجمهورية بشأنه، وقلت: "إن البعض يتزيد في التصرف، حتى لو كان في ظلم بيَّن وشر مستطير، معتقدا أن هذا سيقربه من السلطة السياسية، بينما هو يسيء إليها، وربما لو عرفت بالفعل لأنكرته وأوقفته على الفور"، وبعدها جاء قرار وزير التعليم العالي بعدم التجديد لرئيس جامعة حلوان إنما ندبه مؤقتا لحين تعيين رئيس جديد، ما يعني أيضا أن ما يفعله مع القزاز، لم يفده، على أي حال، أو يفهم منه أن الرئاسة لم تستجب لما يفعل وتستملحه، وإلا كان قد تم التجديد له في منصبه، وأنها اكتفت بنظر القضاء لهذا الاتهام، الذي إن ثبت فإن القزاز سينال عقابه المستحق.

ولأن هذا المقال موجه إلى السيد الرئيس، فلا ضير أن أعيد من سابق قوله، وأشرح الموضوع من الألف إلى الياء. وأبدا بالقول: لقد كافحت جامعة حلوان طويلا كي ترسخ أقدامها بين الجامعات المصرية، ونجحت على مدار سنين في تقديم أساتذة كبار إلى الحياة العلمية والمعرفية والثقافية والتربوية في بلدنا العريق، نعرف إنتاج أكثرهم، ونعرف بعضهم شخصيا. لكن أي جامعة، حتى تستحق هذا الإسم، لا بد لها أن تكون مستقلة في قرارها ومقرراتها، وأن ينبع مسارها في التفكير والتعبير والتدبير من إدراكها أنها مؤسسة تعليمية وعلمية، ولا شيء غير ذلك، تعتز بأساتذتها المخلصين لمهمتها، وتحدب على طلابها، وتحميهم طالما كانوا في رحابها ومحرابها وحرمها يبحثون عن العلم المفيد.

لهذا ملأتني دهشة وعجب من الطريقة التي تتصرف بها هذه الجامعة من واحد من كبار أساتذتها، وهو الدكتور يحيى القزاز أستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم، الذي يتم تعقبه، بل التنكيل به، لأسباب لا علاقة بها بمهمة الجامعة ووظيفتها وشؤونها وشجونها، إنما لخلفيات سياسية، دفع الرجل ثمنها محبوسا لعام ونصف تقريبا، وخرج إلى بيته، بعد تحقيق متواصل، دون أن يصدر بحقه حكم يدينه، لأن القضاء لم يجد في الاتهامات التي وجهت إليه ما يشكل أركان "قضية" يجب نظرها.

بدأت هذه الحكاية المؤلمة في عام 2017  حين تقدم عميد كلية العلوم بخطاب لرئيس الجامعة يتهم فيه القزاز بإهانة السيد رئيس الجمهورية، فأحال الأخير الخطاب إلى المحقق، وهو وكيل كلية الحقوق، ثم وضع الخطاب والإحالة في الدرج،بعدها تم القبض على القزاز، وما إن تم إخلاء سبيله في مايو 2019، وذهب لاستلام عمله، حتى طُلب منه تقديم شهادة من نيابة أمن الدولة تفيد بحبسه، وتحدد مدته، لتبرر انقطاعه عن العمل، وفي اللحظة نفسها، طُلب منه التوقيع على مذكرة تفيد بإحالته إلى مجلس تأديب، والتوجه على الفور لحضور الجلسة، فسأل: كيف أُحال إلى مثل هذا المجلس، وأنا في محبسي، ودون علمي، وكيف أحضر جلسته وأنا لم أستلم عملي بعد؟

وحضر القزاز مجلس التأديب رقم 2 لسنة 2018، ما يعني أن المجلس ربما يكون قد أعد له وهو في محبسه، ثم تُلي على مسامعه كلام الشاكي، الذي أرفق مع خطابه قصاصات صحفية يزعم أن ما فيها "تهجم على الرئيس"، وهو أمر يدعو للاستغراب، إذ ليس من مهام عميد كلية أن يجمع أخبارا من مواقع عابرة، ولو كان القزاز قد فعل هذا، فهناك جهات أخرى خارج الجامعة أولى بتعقبه ومحاسبته، وفق قانون محددة مواده في هذا. 

وما يمعن في الدهشة أن العميد أجاب بـ "لا" على أسئلة المحقق من قبيل: هل القزاز يتحدث داخل الجامعة في السياسة أو له نشاط سياسي؟ وهل يحرض الطلاب على العنف أو يحدثهم في الشأن العام؟ وهل له انتماء لتنظيم ديني؟ وهل هو مهمل في أداء واجبه التعليمي؟ ورغم هذه الـ "لا" فإنهم أضافوا إلى التهمة السابقة أخرى تزعم أن الرجل قد أخل بواجباته الوظيفية، في مخالفة لقانون الجامعات الذي يحدد مثل هذا الاخلال في إهمال عضو هيئة التدريس فى المحاضرات، وإعطاء دروس خصوصية، وتسريب الامتحانات أو بيعها، أو مخالفة لعرف الجامعة كأن يعمل الأستاذ في مهنة تؤثر على صورته كأن يعمل سمسار عقارات. كما أن التحقيق لم يحدد نوع الإخلال الذي قام به أستاذ مشهود له بمنح طلابه ساعات إضافية من التدريس غير مدفوعة الأجر عن تلك المقررة له.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ فوجئ القزاز بإحالته إلى مجلس تأديب آخر، يأخذ رقم 1 لسنة 2020، بتهمة "مشاركة جماعة إرهابية معلومة الهدف"، وهي تهمة أبعد ما يكون عن رجل كان من أشد ناقدي جماعة الإخوان والتظاهر ضدها بل هو صاحب فكرة "تمرد" التي أخذها عنها من نسبها إليه، فضلا عن هذا فإن إحالة إلى المجلس الثاني تمت دون تحقيق على يد المحقق، وهو أستاذ في كلية الحقوق بالجامعة نفسها، مبررا هذا بالخطاب الذي أرسلته النيابة إلى الجامعة بناء على طلبها، والذي كان المقصود منه تقديم مستند قانوني رسمي يبرر سبب الانقطاع عن العمل كل هذه المدة، وليس السؤال عن تهمة القزاز، أو البحث عن سبب آخر للتنكيل به.

ومنذ يناير 2019 يستمر التحقيق مع القزاز في تهمتين وعبر جلستين منفصلتين، تأخذ كل منها رقما مختلفا، وإن كانتا تنعقدان في يوم واحد، وظل هذا قائما حتى 5 يوليو الجاري. ورغم أن التشكيل القانوني لمجلس التاديب يحصره في رئيس المجلس وهو نائب رئيس الجامعة وعضو من كلية الحقوق لا يقل عن أستاذ ومستشار من مجلس الدولة، فقد فوجئ القزاز بعد عامين من تاريخ الإحالة بوجود شخص غريب يقوم بتقديم سيديهات على أنها دليل على التهمة الموجهة إليه، وهو أمر يخالف القانون، حيث لا يجوز تقديم شيء بعد الإحالة، وقد أثبت محامي القزاز هذا في الجلسة. واللافت أن هذا الشخص الغريب يكتب كل ما يقوله القزاز في الجلسة، وحين طالب بخروجه، لأن وجوده غير قانوني، رفض رئيس المجلس هذا.

إننا أمام  جامعة تقوم بـمحاكمة سياسية لأستاذ بها، وهذا ليس من اختصاصها، بل يجب عليها أن تنأي بنفسها عن هذا حفاظا على سمعتها العلمية في مصر والعالم، وفتح الباب أمام قيل وقال في حقها.

فيا سيادة الرئيس، إن كل من يعرفون إخلاض د. القزاز في عمله كأستاذ جامعي، ينتظرون منكم التدخل لوقف هذه الإجراءات القاسية.
-------------------------------
بقلم: د. عمار علي حسن

مقالات اخرى للكاتب

مِزاج الشعب .. الكِيّف والسياسة في مصر





اعلان