23 - 04 - 2024

شهر عسل مع مومياء (2 - 2)

شهر عسل مع مومياء (2 - 2)

كانت نقطة البداية في التحقيق هو طرح تلك الفرضية المنطقية، ألا وهي: إذا كان الكشف الاثري تم صدفة بسبب حفرة غرست فيها عجلة أحد الحفارات التي كانت تعمل في المنطقة لوضع أساسات شاليهات، فإن معرفة ملاك الأرض يمكن أن يكون أول ضوء يبدد عتمة هذه السلوك المريب والمشين للدولة إزاء هذا الكشف.

علي الفور، تواصلت مع صديق من أبناء مطروح وكان يعمل في جهاز المحافظة. الصداقة التي جمعتني بصديقي هذا الذي ينتمي لعائلة بدوية قوية سمحت لي بالاقتراب المباشر من الموضوع. 

بدا علي صديقي الضيق عندما طرحت عليه القضية وقال:

- لا أدري متي سيحترم هذا البلد تاريخه... أنصت لي صديقي، هذا الموضوع صعب عليك مواجهته، بسبب قوة مراكز الضالعين فيه. تعلم كم أنت عزيز علي، وصدقني أنا اشفق عليك من أن تخوض في هذه القضية، فلن ينالك منها إلا أذى شديد ولن تستطيع أن توقف أي شيء. حاول أن تنسي مارأيت في عجيبة وحاول أن تنسي أصلا أن الظروف قادتك إلى المنطقة. 

* أخي العزيز،  أشكرك علي مشاعر القلق عليَّ، ولكن من المستحيل أن أعمل بنصيحتك المخلصة. فقط، شيء واحد أرجوه منك، وهو أن تسعي لي أن احصل علي نسخ من حجج ملكية هذه الأرض...وأقسم لك أن تلك المساعدة لن تعرف بأي شكل من الأشكال حتي لو كان الثمن حياتي.

بعد مجادلة استمرت مايقرب من الساعة، استجاب صديقي ووعدني بجلب صور لحجج ملكية الأرض.  الغريب أنني عندما طلبت منه أن يكشف لي عن الأسماء رفض بالرغم من معرفته بها، واكتفي بالقول: من هنا إلى الغد فكر في نصيحتي، فإذا قررت التراجع فلا داعٍ أن تعرف الأسماء وبالتأكيد فلا داعٍ للحصول علي الحجج.

في اليوم التالي، التقينا علي أحد مقاهي المدينة، وقبل أن يسلمني الحجج كرر نصيحته مرة أخرى، وذلك قبل أن يسلمني المظروف، وطلب مني ألا افتحه ونحن معا في القهوة.

في الطريق إلي الشاليه، فتحت المظروف لكي أكتشف ما توقعته. حجج الملكية تؤشر إلى آن الأرض تم تخصيصها من الدولة بسعر رمزي في العام 1983 لعدد من الشخصيات التي كانت لسنوات في وقت حصولي علي الحجج تمثل نصف عدد مجلس الوزراء، بما في ذلك أحد أهم نواب رئيس الوزراء. ولكن بقيت أسئلة من دون إجابات ومن بينها وأهمها: إذا كان هذا هو السبب في الجريمة التي ترتكب في حق هذا الأثر، فما الداعي إذا كان يمكن للدولة أن تخصص أرضا أخرى بنفس تلك الاسعار الرمزية لقطاع الطرق هؤلاء؟

وكانت تلك الخطوة التالية في التحقيق، والتي تمخضت عن إجابات كاشفة وإن كانت موجعة. تبين بالمستندات إنه عندما تم تخصيص هذه الأرض شديدة التميز ليس فقط لوجودها في منطقة عجيبة وإنما لشدة قربها من البحر، فإن المخصص لهم لم يتعجلوا في البناء وتركوها سنوات. وعندما بدأوا في عمليات الحفر تم الكشف الأثري في نهاية العام 1988. 

طبقا لقانون الآثار، فإن الدولة من حقها مصادرة الأرض وتعويض المخصص لهم إما ماليا أو بتخصيص أرض أخرى بديلة. المسألة حتي الآن تبدو منطقية، فلماذا لم يحدث هذا؟ هل نفذت الأراضي في منطقة عجيبة؟ الإجابة كانت بالنفي.

بمزيد من التحقيق، اتضح أنه في الفترة مابين التخصيص وبدء عمليات الإنشاء، أصدرت الدولة تعديلات علي قانون البناء علي الشواطىء بحيث وضعت حرما (مسافة) بين أول صف للبناء وبين البحر مبتعدة بالمباني عن خط المياه. وحيث إن القاعدة القانونية تلزم جهة إنفاذ القانون بعدم تطبيقه بأثر رجعي، فإن مباني السادة الوزراء لم تكن لتتاثر بتعديل القانون. ولكن ماحدث هو الكشف الأثري، وهو الذي إذا طبق عليه القانون يوجب نزع الملكية والتعويض بأرض جديدة سيطبق عليها قانون تنظيم البناء أمام البحر.  وحيث إن وزراء مصر هم القانون، فكان القرار بترك الكشف الاثري مفتوحا أمام مد بحر الشتاء ونهب الأجانب ممن يسيحون في مصر، حتي تأتى لجنة أثرية يتم تشكيلها في العام 1992 لكي تكتب أغرب تقرير من نوعه، وقد حصلت علي نسخة منه، والذي تلخص في ديباجة طويلة تبعتها توصيات.

في نهاية ديباجة التقرير، يقول الأثريون إنه بمعاينة تلك المقابر، اتضح أنها تعود إلي العصر اليوناني الروماني ومن إنه توجد منها العديد من المقابر المماثلة في طول البلاد وعرضها، ومن ثم فإن اللجنة تري بأن وجودها في هذه المنطقة المتميزة عقبة في طريق تطوير المنطقة سياحيا. وبناء علي ما تقدم، فإن اللجنة توصي بإعادة ردم المقابر وتسليم الأرض للمخصص إليهم، وقد تم إقرار توصية اللجنة - التي ضمت اسماء لامعة في حينها وأخرى لمع أصحابها فيما بعد - من جهة الإدارة وتحدد موعد إعادة الردم وإعادة الأرض لأصحابها في بداية العام 1994. العجيب أن الحظ العثر لقطاع الطرق هؤلاء هو الذي أوحى لي بقضاء شهر عسل لم يتم في تلك المنطقة. فبعد أسبوعين من عمل مكثف اتضحت لي الصورة بكل تفاصيلها القبيحة والوقحة،  ليس ذلك فقط وإنما بالمستندات. وبدأت سباقا مع الزمن لوقف أو علي الأقل  إرجاء وقوع جريمة التدمير العمدي لأثر يضم جثامين كبار قادة جيش كليوباترا الذين كنت استشعر عند هذه النقطة أنهم يلعنون حظهم التعب أن عاشوا في بلد سيكون هؤلاء أبناؤها وإجرامهم في قدسية جثامين من ماتوا منذ أكثر من ألفي عام دفاعا عن أرض وتاريخ لم يقدره الأبناء.

شهادة حق لأهرام إبراهيم نافع

حيث إنني من أنصار أن ما يمكن إصلاحه بعيدا عن النشر أفضل، وخاصة في تلك القضايا التي قد تسيء لسمعة وصورة الدولة، فإنني فضلت وبعد أن اكتملت القضية بكل تفاصيلها أن أضعها أمام رئيس هيئة الآثار وكان قد تولي المسؤولية قبل شهور قليلة كي يوقف هذه الجريمة بعيدا عن النشر، وقد شجعتني سمعة الرجل الطيبة أكاديميا ونزاهته المالية. 

تواصلت مع الرجل وحرصت علي طرح القضية ولكني امتنعت عن إبلاغه بوجود كافة المستندات التي تثبت كامل تفاصيلها، وهو تصرف حتمي علي أي محقق صحفي. أبدي الرجل انزعاجا شديدا ووعد بالتحقيق قبل أن يعاودني بعد أيام قليلة. 

ومرت الأيام ولم اتلق الرد، فعاودت الاتصال كي أفاجأ بالرجل وقد اختلفت طبقة صوته وهو ينفي تماما صحة ما أبلغته من معلومات. حاولت أن أقنع الرجل بأن ما أبلغته هو حقائق ومن إنني لم أنقلها عن شخص آخر، وإنما عاينتها شخصيا، ولكني فشلت في إقناعه، ولم يعد هناك سبيل سوي محاولة النشر التي كنت اتخوف من وجود عراقيل أمامها. ففي النهاية، وحتي في زمن كان صدر صفحات  الأهرام تتسع للاراء- ناهيك عن تحقيقات- تتعارض مع موقف الدولة. فإن القضية أعنف من أن تتحملها صفحات الأهرام. أو هكذا ظننت.

كتبت التحقيق في أجزاء أربعة وحرصت أن لا أضمن كل جزء كافة المعلومات والمستندات التي لدي. ذهبت بالأجزاء الأربعة إلى رئيس قسم التحقيقات ووضعتها أمامه، وبدأ في القراءة، كي تتبدل ألوان وجهه. وبين الفينة والأخرى يرفع وجهه عن الصفحات ناظرا إلى وهو يردد: ماهذا؟ التزمت الصمت حتي فرغ من القراءة، ووضع رأسه بين كفيه. 

- يحيي ...أنت متاكد من كل حرف في هذه الأوراق؟

* ياريس هناك قائمة ملحقة مدون بها كافة المستندات.

- يانهار أسود...طيب والعمل إيه؟

- العمل أنا قمت به...ما يبقي هو نشر العمل لوقف الجريمة عن الوقوع.

- انت بتهرج أكيد...بالبساطة دي؟ 

* لا .. بالصعوبة دي، أعتقد أن الجانب الصعب قمت به أنا.. الباقي هو الجانب الأسهل من العمل.

- هذا فوق صلاحياتي.. كل ما أستطيعه هو أن أقدم التحقيق للأستاذ ابراهيم نافع وله الحرية في أن يقرر.

* تمام ...متي؟ 

- سأتوجه إلى اجتماع التحرير الآن وسوف أسلمه التحقيق بعده ولن أقرأ عناوينه كما جرت العادة خلال الإجتماع حتي   أضعه تحت الضغط.

* تمام كدة...

- أرجو أن تكون موجودا علي أحد المكاتب القريبة من مائدة التحرير في حال طلب منك الإجابة علي أي إستفسار.

وبالفعل، انتهي اجتماع التحرير وقام رئيس قسم التحقيقات بوضع التحقيق أمام إبراهيم نافع الذي لمح اسمي عليه، قبل أن يسأله: منذ متي يبعث يحيي بتغطياته من البوسنة إلي قسم التحقيقات المحلية.

- ياريس يحيي في أجازة زواج في مصر

* طيب كويس، إيه بقي الشغل ده؟

- دي حاجة كدة اتعتر فيها وهو في الإجازة...

بمجرد أن قرا الأستاذ إبراهيم أول صفحتين حتي علي صوته قائلا: هاتولي يحيي.

أجبت الرجل وقلت له: حاضر ياريس...

نظر الرجل لي في صمت قبل أن يقول: اسبقني علي المكتب.

جلست أمام نافع وهو يقرأ وكلما قلب صفحة كنت بالكاد أسمعه وهو يغمغم: ياولاد الكلب ....ياولاد الكلب...

انتهي الرجل من القراءة وأشعل سيجارة وهو يرجع بظهر كرسي مكتبه إلي الوراء محملقا في سقف غرفة المكتب، قبل أن يعتدل ناظرا لي وهو يقول: 

- هل المستندات التي اثبتتها في نهاية التحقيق في حوزتك؟

* بالتأكيد، وهناك أشرطة فيديو وعشرات من الصور الفوتوجرافيا،وأيضا لدي مومياء كاملة نقلتها من القبر.

- يا نهارك أسود...أنت مجنون يابني؟ انت بتتكلم جد؟ 

* ايوة ولو عاوز حضرتك ممكن أسلم المستندات والمومياء والأشرطة لقسم التحقيقات.

- إيه البلاوي دي؟ يعني أنت جاي في اجازة من البوسنة علشان تعمل البلوة دي؟

- يافندم والله ماكان قصدي بس هم لم يدعوا لي أي فرصة إلا أن افعل ذلك وقد حاولت وقف الجريمة وتواصلت مع رئيس هيئة الآثار علشان نلم المسالة من دون فضيحة ...بس رفض. 

* يحيي حبيبي انا موش غاضب عليك ...أنا بس حموت من الغيظ من فداحة الفجر.

- طيب أنا قمت بما ظننته واجبا علي ...وأترك المسألة لتقديركم...

(كدت أن أسمع صرير أسنان إبراهيم نافع وهو يكاد يتميز غيظا)

* بص يا يحيي أنا سأجيز النشر، ولكن لا تتوقع أن يقف الاهرام من ورائك في حال حدوث تداعيات من أي نوع.

- وأنا موافق ياريس...

( بالطبع، وافقت وأنا استشعر قلقا شديدا، ولكني كنت أعلم أن الأستاذ إبراهيم بطبيعته وتركيبته لن يقف صامتا في حال نالني مكروه )

وبدأ النشر

اليوم التالي ...المومياء حلت منزل الزوجية

في صباح نشر أول جزء من التحقيق، قامت الدنيا ولم تقعد، كان أول رد  من هيئة الآثار أن أصدرت بيانا مقتضبا نفت فيه بشكل قاطع صحة ما تضمنه التحقيق، حيث أنهم ظنوا أن ما نشر هو كل التحقيق بسبب أني طلبت من رئيس قسم التحقيقات ألا يرقم الأجزاء حتي لا أعطى انطباعا بكم المعلومات والمستندات والصور التي لدي.

ساعات بعد البيان وصل مخصوص من هيئة الآثار حاملا ردا مفصلا من الهيئة وطلبا مستحقا بحق الرد، وهو ما تم في اليوم الثاني في الصفحة الثالثة للأهرام المخصصة للتحقيقات. وفي الرد بات واضحا مدي الارتباك الذي أصاب الهيئة،  حيث إنها كانت تقول الشيء في سطر لكي تكذبه في السطر الذي يليه. وقد استجاب الأهرام ونشر رد الهيئة في الثلث الأسفل من الصفحة الثالثة، ولكن ما لم تتوقعه الهيئة أن الصفحة بأكملها من فوقهم حملت الجزء الثاني من التحقيق بمزيد من معلومات تفضح تفاصيل إضافية للجريمة ومدعمة ببعض المستندات.

عند هذا الحد، توقفت الهيئة كي تتدخل وزارة الثقافة وعلي رأسها الوزير فاروق حسني، الذي أرسل ردا حاول فيه التغطية علي أكاذيب الهيئة بمزيد من الأكاذيب.

وكما حدث في رد الهيئة، استجاب الأهرام بنشر رد وزارة الثقافة في الثلث الأخير لصفحة التحقيقات وعلاه الجزء الثالث بمزيد من الكشوف.

مرت ثلاثة أيام من دون مزيد من الردود وأبلغني الأستاذ إبراهيم نافع بأننا سننتظر، وخاصة أن التدخل الوحيد الذي قام به هو إخفاء أسماء الوزراء المتورطين والاكتفاء بذكر كونهم من النافذين في الدولة. كان رأي نافع - او أمله أن يستشعر هؤلاء الوزراء حرجا فيقدمون علي حل المشكلة بتنازلهم عن الأرض، ولكن ذلك لم يحدث، فأمر نافع بنشر الجزء الثالث. في اليوم التالي، أبلغت وزارة الثقافة إدارة التحرير أنها بدأت في اتخاذ الإجراءات لمقاضاتي بتهمتين: 

- نشر أخبار كاذبة تسيء لوزارة الثقافة ومسؤولين في الدولة لم تحددهم. 

- الاستيلاء علي آثار.

وبدأت أشعر بأن ماقاله لي صديقي البدوي الموظف في محافظة مطروح يتحقق.. فلا أنا نجحت في منع الجريمة من الوقوع، وفوق ذلك سأدخل السجن بدلا من أن يدخله المجرمون. 

في تلك اللحظة، قررت سحب الجزء الرابع والأخير من التحقيق، وقمت بإعادة كتابة نهايته. ما قمت به كان دافعه يأسي من الإصلاح، وليس مجرد إحتمال أن ينتهي بي الحال في السجن. 

وبدلا من الخاتمة التي دعوت فيها الدولة مخلصا التدخل لمنع استمرار الجريمة، كتبت: وحيث أن الجميع يتظاهر بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وحيث إن تلك الآثار هي تراث عالمي، وحيث إن هذا التراث الانساني هو ملكنا وجزء من تاريخنا طالما احسننا إليه، وحيث إننا اثبتنا إننا لسنا مؤتمنين عليه، فأنا أطالب إيطاليا بالتدخل لإنقاذ هذا التراث الذي ينتمي للعصر اليوناني الروماني لأنه يخصهم بقدر ما يخصنا، كما أطالب اليونان بالتدخل لوقف هذه الجريمة التي أقدم عليها من لا يحترمون التراث الإنساني، أنا أطالب اليونيسكو بالتدخل لفرض ولايتها علي من لا يؤتمن علي هذا التراث.

الغريب ان الأستاذ إبراهيم نافع أجاز النشر، ولم يستغرق الأمر ساعات قبل أن تسجل كل من إيطاليا واليونان واليونسكو ولا أعلم لماذا المانيا احتجاجاتها الشديدة علي تلك الجريمة، وطلبت من مصر السماح لها بإرسال فرق أثرية للتحقق من صحة ما نشر. في نفس اليوم، عقد الوزير فاروق حسني مؤتمرا صحفيا عالميا دعي إليه جميع المراسلين الأجانب وكانت المفاجأة. 

أقر فاروق حسني بوجود الموقع الأثري، ولكنه زعم إنه مازال موضع حفريات ومن إنه سيدعو بعثة أثرية من جامعة فرانكفورت للمشاركة في استكمال الحفريات وتحويل الموقع إلى مزار عالمي. 

وبالرغم من الأكاذيب التي حفل بها المؤتمر، إلا أنه تجنب الإشارة من بعيد أو قريب للأهرام. وفي اليوم التالي، سحبت هيئة الآثار الدعوي القضائية ضدي، وذلك قبل أن يستدعيني الأستاذ إبراهيم نافع إلى مكتبه، حيث أبلغني بذلك. قبل أن أغادر مكتبه، قال لي بصوته العميق:

حسك عينك مرة تانية تعمل اللي عملته قبل ما تاخذ إذن مني شخصيا. ابتسمت قائلا: ياريس أنت كثير السفر، فهل أنتظر حتي تعود؟ 

اكتفي نافع بقوله: يحيي ...قالها بشكل ممطوط وكأنها تحذير. ولكن مالم يدركه أنه وهو ينطق اسمي ممطوطا كتحذير كانت ابتسامة واسعة علي وجهه.. ابتسمت وأنا أرد: حاضر ...ولكني أدركت أن ابتسامته كانت تعني إنه كان يجب أن يقول ما قاله وإن كان لا يعنيه. 

مر أسبوعان علي انتهاء القضية، وكنت اتحرق للخلاص من المومياء التي بحوزتي بإعادتها إلى هيئة الآثار. 

حملت جثمان ضابط كليوباترا وذهبت إلي من أدخلوني إليه بصفته المسؤول. قلت للرجل: أنا سعيد بانتهاء القضية وأرجو ألا يكون أحدا قد أخذها بشكل شخصي، فالقضية كانت عامة وانتهت، وأنا هنا لأشكركم أنكم صححتم الخطأ، ولإعادة ما يخصكم.

- ما يخصنا؟

* نعم، المومياء.. قلتها وأنا أفتح الحقيبة كي يري ما بداخلها. 

- إحنا عملنا جرد ولا توجد مومياء مفقودة.

* ههههه حضرتك بتهزر ...يعني انا جبت دي منين؟

- اللهم أعلم .. روح يمكن أخدتها من ترب الغفير واللا أي ترب...المقابلة انتهت.

كانت الصدمة إنني خرجت وفي يدي مومياء لا أدري ماذا أفعل بها. إتصلت بصديق قديم منذ أيام الدراسة يعمل في هيئة الآثار الذي انفجر ضاحكا وهو يقول:

انت عبيط يابني ...طبعا ...هم لو اخدوها دلوقتي حيكون اعتراف بكل مانشرته.

* هار اسود ...طب اعمل ايه؟

- البس ياعم بقي ... استني شوية لما الموضوع يبرد ونبقي نشوف نرجعها إزاي.

وعلي مدار شهور، رفضت زوجتي البقاء في المنزل مع المومياء وبقيت في منزل والدتها.. أما أنا فكانت المومياء سميري وسامري في البيت حتي حنت الهيئة علي العبد الفقير واستردت ما يخصها.. بلد عجيب ولكن لا يأس معه.
-----------------------
بقلم: يحيى غانم

الحلقة الأولى من شهر عسل مع مومياء

مقالات اخرى للكاتب

صباح تحت القصف!





اعلان