27 - 04 - 2024

شاهد على العصر (45) قطف ثمار نضال إبعاد الكنيسة عن السياسة

شاهد على العصر (45) قطف ثمار نضال إبعاد الكنيسة عن السياسة

الكنيسة هى جماعة المؤمنين بالمسيحية القبطية الأرثوذكسية، أي الكنيسة المصرية، والمصرية هنا تعنى العقيدة المسيحية ذات الهوى المصري.

والهوى والهوية المصرية كانت نتيجة للصراع الطائفى بين الكنيسة الغربية والكنيسة المصرية، كانت المصرية هى السمة المميزة بين الكنيستين، ولذا سميت بالقبطية أي المصرية. 

وجماعة المؤمنين تعنى رجال الدين والمؤمنين من غير رجال الدين (العلمانيين). هنا يصبح من الطبيعى أن تكون الكنيسة والازهر هما المؤسستان اللتان يعتز بهما كل المصريين. 

على ذلك كان للكنيسة طوال تاريخها دورها الوطنى المقدر، ولكن هل للكنيسة دور سياسى؟ لم تكن هناك أنظمة سياسية تعطى حق التعاطى السياسي لأى أحد من المصريين، ولكن نظام الطوائف والجوالي (الجاليات الأجنبية ) كان هو النظام المعمول به. ويعنى أن لكل طائفة رئيس يعبر عن مشاكلها ويتعامل مع المسؤول بدرجاته فى المسؤولية. أي أن بطرك الكنيسة هو رئيس الطائفة الأرثوذكسية الذى يتعامل مع الحاكم عند اللزوم. ومع  محمد على وما كان من الارتباط بالخارج بأنظمته السياسية المستحدثة، ظهرت علامات التغيير والتحديث لإرهاصات مواطنة لم تعرف بالإسم حينها، فتم إلغاء الجزية المفروضة على الأقباط، وقبولهم فى التجنيد ومنحهم الرتب (بك - باشا) وعين منهم مأمور مركز. 

ولكن فى كل الأحوال ظلت الكنيسة تعتبر نفسها المسؤول السياسى عن الأقباط، وظل الأقباط أنفسهم يتوارثون ذلك الواقع ولايعترفون بغير تمثيل الكنيسة لهم. وعليه ظلت الأنظمة السياسية قبل وبعد يوليو 1952 تتعامل مع الكنيسة على أنها الممثل السياسى للأقباط. كان من علامات هذه المتغيرات السياسية إنشاء ما يسمى بالمجلس الملى عام ١٨٧٤ وهو مجلس شعبى من الأقباط يدير الكنيسة ماليا وإداريا على أن تكون الإدارة الروحية والدينية لرجال الدين (الإكليروس)، ولأن الإكليروس توارث المسؤلية الطائفية عن الأقباط ، فلم يتحمل مشاركة الشعب فى إدارة الكنيسة، بل والأهم هو أن أعضاء المجلس الملى هم من علية ووجهاء الأقباط الذين يتعاملون مع السلطة مباشرة، الشئ الذى جعلهم يتصورون فقدانهم لسلطتهم الدينية والدنيوية على الأقباط. 

هنا حدث صراع بين البطرك وبين المجلس الملى وصل إلى عزل البطرك وعودته للدير كراهب!!، هذا الصراع كان ولازال حتى اليوم أيا كانت شخصية البطرك أو قامته الروحية. فقد عزل وخطف يوساب الثاني، حتى البابا كيرلس وهو قامة دينية وتقشفية وروحية اختلف أيضا مع المجلس الملى!. 

أما البابا شنودة فكان ذو ميول سياسية وفدية ومعجبا ومتقمصا شخصية الزعيم مكرم عبيد، إضافة لشخصيته إلكاريزمية التى لا تنكر، حتى أنه كان قد اختلف مع البابا كيرلس ذاته. ولذلك جاء بطركا مؤمنا ومصرا وموقنا أنه هو الممثل الدينى والسياسى للأقباط. وقد ظهر هذا منذ البداية التى قدرها الله له مع بداية السادات أيضا. 

كان شنودة والسادات شخصيتان تشتركان في الميل للسيطرة على الأتباع وعلى القرار، شنودة يعتبر نفسه رئيسا دينيا وسياسيا للأقباط، والسادات هو رئيس مسلم لدولة مسلمة (هذا تعبيره الطائفى التاريخي) فكيف يتجرأ شنودة وينازعه رئاسة أقباط مصر وهو الرئيس الدستوري؟. فتصاعد الخلاف وتم  إبعاد البابا للدير مع اعتقال أكثر من ألف وخمسمائة معتقل فى سبتمبر ١٩٨1. 

جاء مبارك وكان يعلم شخصية البابا تماما، ولكن شخصية مبارك لم تكن صدامية كالسادات، كما أن البابا شنودة كان من الطبيعى أن يغير من الأسلوب فقط ولايغير الهدف، فهو لا يتنازل عن كونه الممثل السياسى للأقباط. فتعامل مبارك مع شنودة بنفس الطريقة التى تعامل بها مع تيار الاسلام السياسي. وهى (عدى وأنا أعدى علشان الامور تعدى). كانت تظهر خلافات مع النظام عند وقوع حوادث طائفية، وكان البابا يلوى ذراع النظام بالذهاب إلى الدير، كنوع من الاعتصام للضغط على النظام خاصة بعد ظهور جماعة أقباط المهجر والمتأقبطين الذين كان يعتبرهم البابا ظهيره السياسي فى الضغط الخارجى على النظام. 

كنت قد ارتبطت بالبابا شنودة لأسباب ذكرتها سابقا، وكنت مثل غيرى من الأقباط مبهورا بدور البابا السياسى الذى يحصل عليه بصورة أو بأخرى. ولكن بعد ما تدعمت علاقتى بالبابا وأصبحت داخل المطبخ إلى حد ما  وبعد تصاعد العمليات الإرهابية ضد الأقباط فى تسعينيات القرن الماضي، أدركت أن من ضمن الأسباب الأساسية للإرهاب ضد الأقباط، هو إصرار البابا على أنه هو الممثل السياسي للأقباط مما جعلهم يتعاملون مع الأقباط والبابا والكنيسة باعتبارهم دولة داخل الدولة، إضافة إلى إحراج النظام السياسى خارجيا. 

كان لابد من إعادة الأمور إلى نصابها السليم وأن يعى الجميع بلا استثناء أن الأقباط مواطنون مصريون لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات، وأن الدولة هى الممثل الوحيد لكل المصريين مسلمين ومسيحيين، والكنيسة هى الممثل الدينى فقط. غير ذلك سيجعل الكنيسة تقوم بأدوار ليست أدوارها ولاتملكها دستوريا ولا قانونيا، والأهم أن هذا الدور لا تقدر الكنيسة عليه ولذا هى تعفى الدولة من دورها وتكون النتيجة هى تنازل الأقباط دون أن يدرون عن حق المواطنة، وعن دور الدولة فى المسؤولية الدستورية عن المصريين المسيحيين.  

كما أن إصرار البابا على الدور السياسى مع تركيبته السياسية هذه، جعلته يدير الكنيسة على أرضية سياسية لاعلاقة لها بالارضية الروحية والكنسية، فكيف هذا؟ 

قانون الكنيسة يقول إن البابا هو أسقف الإسكندرية، مثله مثل أى أسقف آخر لأي أبارشية أخرى، ولذلك فالبابا ليس رئيسا للأساقفة، بل هو مثلهم أي أخاهم وشريكهم فى الخدمة الرسولية ولكنه هو الأول وسط متساوين. ولكن البابا شنودة تعامل مع الجميع على أنه الرئيس وليس الأب، فكانت قراراته لاتناقش والجميع يخضع له. 

فى أحد الأيام كان فى ضيافتى بمنزلى أربعة أساقفة (الدير المحرق - القوصية - ديروط - دير مواس) ومعهم المتنيح القمص ميخائيل متى (أستاذ البابا شنودة). قلت لهم إن البابا مثلكم فى الرتبة الكنسية، قالوا لا هو أبونا ورئيسنا وولى مهمتنا فهو الذى قام باختيارنا أساقفة. وعلى ذلك شاهدنا خلافات ومواجهات داخل الكنيسة ومازالت الكنيسة تعانى من آثارها حتى الآن بين البابا شنودة والانبا اغريغوريوس، وبين البابا والأب متى المسكين. ولأن الإدارة كانت سياسية أكثر منها روحية لم تكن غير خلافات شخصية وذاتية تكسوها ادعاءات خلاف عقائدى. 

هنا كان دوري الاصرار على أن البابا لايمثل الأقباط سياسيا، وكان لى كتاب (من يمثل الأقباط الدولة ام البابا؟). وإلا كان من الطبيعى أن يمثل الأزهر المسلمين. وكان الهدف أن مشاكل الأقباط وهى موجودة لاينكرها أحد، لايكون حلها عن طريق البابا حيث أنها ستصبح مشاكل كنسية طائفية لاعلاقة للمواطن المسلم بها، ووقتها يقول "خللى شنودة يحل مشاكلكم" وهنا يكون النظام بين فكى رحى، ضغط الكنيسة ورأى الشارع. 

ولكن لابد أن تكون الدولة هى المسئولة عن هذه المشاكل المتراكمة تاريخيا وحلها لا يأتي بين يوم وليلة ولكن بالتراكم أيضا، ولكن على أرضية وطنية وليس على أرضية طائفية.

عندما قلت ذلك وكتبته وناضلت فى سبيله، كان أقل ما وصف به أنه كلام مجانين ومهرطقين ومن يقوله ضد الكنيسة والبابا بل المسيحية والمسيحيين! وكان هذا طبيعيا لان الأفكار الحاكمة والموروث الذى يقدس غير المقدس، يجعل الأمور تختلط إلى أبعد حد. 

قلت ودفعت الثمن، ولكن الأهم والحمد لله أن الله أبقاني حتى شاهدت الثمار والنتائج التى كنت أناضل من أجلها. الآن هناك من يتحدث ليس بنفس الأفكار ولكن بنفس الكلام والعبارات التى كنت أتحدث بها. هناك من ينادى بالإصلاح الكنسى الذى ناديت به منذ أواخر الثمانينيات. الأهم أن الكنيسة الآن فى عهد البابا تواضروس، وهو لاعلاقة له بلعب دور سياسى فلا يريده ولايبتغيه وغير مهيأ له. ولكنه عاد بالكنيسة إلى دورها الوطنى وليس الدور السياسى. 

والأهم أن المصريين المسيحيين بعد ٢٥ يناير وبعد مشاركتهم فى ثورة ٣٠ يونيو، تلك المشاركة غير المسبوقة فى التاريخ المصرى، كان من نتيجته تقليص المساحة الطائفية وزيادة المساحة السياسية مما جعل الدولة تعمل على تطبيق المواطنة الحقيقية التى لا تتحقق أيضا بالريموت كنترول ولكن بالتراكم وبالمشاركة فى العمل السياسى خارج الكنيسة. 

ولما طرحت الأمور والمشاكل فى إطارها العام - وليس فى إطارها الطائفي - وجدنا تحقق الكثير على أرضية المواطنة سواء فى إعادة إعمار الكنائس أو بنائها، وفى الوصول إلى مواقع فى كل الاتجاهات للمصريين جميعا، فماذا يعنى ذلك؟ يعنى أن نظام الطوائف ولى وذهب، وأن دور الكنيسة السياسي أصبح لا محل له من الإعراب، ولكن دورها دينى روحى ووطنى فقط. 

إن المسيحيين مواطنون مصريون تابعون للدولة وليس للكنيسة، وهذا يؤكد والحمد لله صحة وجهة نظري التى أعلنتها منذ عقود، وهى أن مصر للمصريين ولايحل مشاكل مصر ولا يعمل على تقدمها بين الأمم ولا يكون حائط الصد ضد أي تحدى خارجى غير كل المصريين الذين يحبون الوطن وينتمون إليه، أما الدين فهذه علاقة بين الإنسان وبين الله ولا يجب أن تطرح للمناقشة أو أن تكون موضع خلاف، فالمواطنة يحكمها القانون أما الطائفية فيتاجر بها المتاجرون.

الفن والثقافة والسياسة

هل كانت النشأة فى البيئة التى نشأت فيها لها تأثير فى تكوين شخصيتى؟ يجول هذا السؤال فى مخيلتى بعد دخولى لمنتصف العقد السابع من العمر. 

بالفعل وبالرغم من أن تلك النشأة كانت فى منطقة شبه عشوائية (عزبة القرود) وسط أغلبية من فقراء هذا الشعب الصابر والصامد من الجزارين وبائعى الخضار وبعض ملاك قراريط لاتسمن ولاتغنى من جوع، ولكن اكتشفت أن لهذه النشأة في ذاك المناخ وتلك العلاقات، لها الفضل فى أن يتشكل وعيى فى إطار التجمع البشرى وقبول الآخر الإنساني، أيا كانت الفوارق الدينية أو الاجتماعية أو الطبقية. فاللعب ونحن أطفال فى الحارة والاستحمام فى الترعة والتجمع أمام المسجد الكبير قبل أذان مغرب رمضان لنعلن للصائمين الأفطار. كيف ظهر ذلك التأثير؟ كنت قد اكتشفت أن هوايتى التمثيل وكانت المدارس والكنيسة مجالان لممارسة هذه الهواية، وأول دور قمت بتمثيله فى الكنيسة كان دور أعمى، وأدركت  بعد ذلك أن تقمصى لهذا الدور بنجاح كان نتيجة لتأثرى بشخصية تعيش بيننا وكان أعمى يعيش فى الحارة التى أعيش فيها، فكنت أقوم بنفس الأداء الذى تأثرت به. كما كان من أهم الأدوار التى قمت بها فى المدرسة الإعدادية دور جزار، وأجدت لأن الجزار جارى فى المنزل، وبجوار دكان والدى فى السوق. 

عند تعيبنى فى صدفا كانت هواية التمثيل قد تمكنت منى وحصلت على الجائزة الأولى لمراكز الشباب على مستوى الجمهورية، وفى نفس الوقت التحقت بمعسكرات منظمة الشباب الاشتراكى ثم بتنظيم الشباب الاشتراكي، فسار المسرح مع البدايات السياسية. فالمسرح عمل جماعى فى المقام الأول، والسياسة هى العمل مع الجماهير أي منبع الجماعة. 

نقلت عام ١٩٦٩ إلى بنك ديروط وظلت الإقامة فى منزلى بالقوصية، وكان لا بد من مواصلة المسرح والسياسة. مارست المسرح فى مركز الشباب وفشلت لعدم وجود الإمكانات والإرادة لدى المسؤولين، التجأت إلى الكنيسة ولكن حسب تركيبتى التجمعية قمت بإخراج مسرحيات (جنفياف وتاجر البندقية) ولكن وهذا هو الأهم جعلت اصدقائى من الشباب المسلم فى هذه المسرحيات داخل الكنيسة، وهذا كان طبيعيا وفقا لتربيتى مع جيرانى فى اللعب أمام المسجد الكبير. وكان هذا بالطبع عملا فريدا ومميزا وجود شباب من المسلمين مع شباب الكنيسة نتيجة لتأثير النشأة. ولا أكون مبالغا إن قلت أن هذا النشاط المشترك ترك آثاره الإيجابية حتى الآن فى المجتمع القوصي، حيث أن الفن والثقافة هما أهم وأعظم المجالات التى تجمع ابناء الوطن الواحد بعيدا عن السياسة والدين. تزوجت وتوقفت عن العمل المسرحى بعد عدم المقدرة على عرض مسرحية هاملت لشكسبير فى الكنيسة، بالرغم من أن مسرحية تاجر البندقية كانت سبب زواجى حيث كان منزل زوجتي بجوار الكنيسة. 

هنا كان الاتجاه إلى عمل ندوات ثقافية وبالطبع فى الكنيسة لأن مجال المشاحنات والأحقاد فى هذه السن بين الأقران لم تعطنى الفرصة لعمل ثقافى فى النادى أو الساحة. 

كانت الندوة يوم الأربعاء تيمنا بحديث الدكتور طه حسين فى الإذاعة والذى كان يسمى بحديث الأربعاء. استمرت الندوة أعوام 1972 حتى عام 1975. وكنت أدعو شخصيات من القوصية وأسيوط على رأسهم دكتور أسعد فيلبس وهو من أعظم الأطباء وقتها علما وثقافة.  

وكان من الطبيعى أن أتحايل بصورة أو بأخرى لحضور الشباب المسلم حسب تركيبتى التى اكتسبتها من تلك النشأة الفقيرة فى الحى شبه العشوائى. تفرغت كموجه فى منظمة الشباب الاشتراكى كسياسى يسكن فى ضميره وقلبه وعقله العمل الثقافى الذى أشعر فيه بالحميمية والعلاقات الإنسانية. ظللت فى محاولات عمل ندوات ثقافية بالنادى ولم تستمر، استبدلت ذلك بجلسات ثقافية خاصة لشباب أصبحوا الآن فى مواقع قيادية ويعرفون بفضل هذه الجلسات. 

في تسعينات القرن الماضى بعد دخولى مجلس الشعب وبعد اتساع علاقاتى على المستوى العام .كان لابد من الانتفاع بتلك العلاقات فى عمل ثقافى امتدادا لهذا الدور المهم، قمت بعمل ندوة الأربعاء فى الكنيسة كل شهر وجاء على مدار عام الأساتذة أحمد الجمال ونبيل عبد الفتاح ورضا هلال وعادل حسين ومصطفى بكرى وجمال الغيطانى والفنان حمدى احمد والفنانة رغدة والمبدع أسامة أنور عكاشة وجورج اسحق. ولكن وآه من لكن هذه ولأسباب تم سردها، لم تستحسن القيادة الكنسية وجود مسلمين محاضرين وحضور. فقاموا بإلغاء الندوة، فماذا أفعل والعمل الثقافى قد أصبح لدي، صنوا للعمل السياسى بل يكمل كل منهما الآخر. 

نقلت الندوة فى منزلى بإمكانات بسيطة، وكنت أدعو الأصدقاء من القاهرة مثل الأستاذ نبيل زكى والمهندس أبو العلا ماضى والفنان حمدى احمد والأديب محمد مستجاب والأستاذ طلعت الشايب. 

وجدت أن الجلسات المحدودة يمكن أن تكون أكثر استفادة، فقمت بعقد هذه الجلسات المستمرة وتخلل ذلك محاولات لعمل ندوة متسعة فى النادى حيث أن العودة للكنيسة كانت قد أصبحت غير مناسبة لي. لم تنجح محاولات النادي، فقررت ومنذ ستة أعوام تقريبا عمل صالون ثقافي، الصالون غير الندوة وغير المحاضرة أو المناظرة. فالصالون يكون فى مكان محدد وبمواعيد محددة وبأشخاص معينين أي ليست جلسة مفتوحة ولكنها بالطبع ليست مغلقة. 

يتم عقد الصالون بمنزلى يوم الأربعاء كل أسبوعين، يتم تحديد موضوع للمناقشة لكى يستعد الأعضاء لمناقشته. تعطى الكلمة للمتحدث ويتكلم بكامل حريته بلا مقاطعة، ثم تتم بلورة ما اتفقنا عليه حتى ندعم فكرة الحوار الموضوعى الذى يقبل الرأي والرأي الآخر. لا يوجد محاذير فى اختيار الموضوعات، استضفنا صديقا لبنانيا شيعيا حتى نتعرف عن قرب على مدارس الشيعة، من منها على الأرضية الدينية ومن على الأرضية السياسية. حضر من يقول إنه ملحد ولا ديني، تكون الصالون من مجموعة شباب مثقف ويسعى إلى مزيد من الثقافة والمعرفة. تجمع الأعضاء العلاقة الثقافية والأهم العلاقة الإنسانية. 

نحدد بعض الجلسات فى إطار ما يسمى بالاعتراف كنوع من المصارحة النابعة من الثقة بالذات لذكر السلبيات قبل الإيجابيات، يوجد بالصابون مجموعة متنوعة الاتجاهات والثقافات، هناك الشيخ الأزهرى المستنير الذى يضيف دائما للصالون، ورجل الأعمال المثقف. لدينا الأديبة التى لها قصصها القصيرة التى تبنتها قصور الثقافة. هناك الشاعرة المجتهدة التى أصدرت دوواين. بالصالون شاب شاعر بدواوينه الرومانسية مع ثوريته ولمسته الصوفية. هناك المثقف ذو الخلفية الدينية الكنسية والإسلامية. وهذا ما أقصده تماما للوصول إلى علاقات ثقافية على أرضية وطنية مصرية.

 لاشك شعرت باعتزاز لتاثير الصالون على الأعضاء فى خلق نوع من الحوار الذى يقرب بين الأفكار ويصححها، وهذا هو الدور الذى أردته وأريده دائما، فالثقافة هى الطريق لتكوين الوعي الذى يحتاجه الوطن. ولذا فليكن هناك صالون فى كل مكان وحوار على كل المستويات. فما زال الصالون مستمرا يؤدى دورا محدودا لهذا الوطن العزيز والغالى ولأبنائه البررة الذين ينتظر منهم أجيال وأجيال تنهض بوطن يمثل فجر الضمير وباعث الحضارة.
---------------------------------
بقلم: جمال أسعد عبدالملاك

 

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان