(فلسطين، غزة - 20 مايو 23:50)
لم يفقد الفلسطيني أمله في العودة القريبة إلى وطنه في أي لحظة أو بسبب أي ظروف، حتى في احلك الاوقات بقي متمسكا بهذا الأمل.
عندما هاجر الـ 750 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم لم يحملوا معهم الكثير، كلها يومين أو أسبوعين ونرجع؟!
إحدى جداتي نذرت لله أنها لن تغسل رأسها الا بعد الرجوع إلى بيت طيما، اضطرت بعد انتظار طويل أن تغسل شعرها وملابسها آلاف المرات؟!
أبناء المخيمات رغم ضيق السكن وسهولة شراء الأراضي في المناطق المجاورة بأرخص الأثمان، رفضوا أن يشتروا هذه الأراضي أو بالمعنى الأصح لم يخطر على بالهم مثل هذه الفكرة، بل اعتبروا انه من العيب الإقدام على مثل هذه الفعلة.
جدي عبدالرحمن حرابي عرض عليه صاحب الأرض أن يدفع أي شيء ويتملك عشرات الدونمات، زكِ الأرض يا حج وخذها، رفض رفضا قاطعا، وما حاجتنا للأرض وأرضنا في بيت طيما تنتظرنا.
طبعا يعرف الجميع أن معظم الفلسطينيين، ان لم يكن جميعهم، ما يزالون يحتفظون بكواشين ملكية الأرض، وأنهم يرممونها عاما تلو العام؟ كواشين ارضنا عند أخي احمد، استولى عليها رغم أنه ليس الكبير!.
من عادات الفلسطيني في الأعياد أن يردد العيد القادم في البلاد أو في القدس، وعيدنا يوم عودتنا. ومن شدة ثقة الفلسطيني بقرب يوم العودة اشترى كثير من الفلسطينيين أراضي في قراهم المحتلة بينما كانوا فقراء يتضورون من الجوع في مخيمات اللجوء، هذا ما فعلته الحاجة صبحة جودة من اسدود، التي كانت تعيش في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، اشترت حصة اختها من الارض في اسدود في حين كانت تستطيع أن تشتري بهذه المبالغ أراضي في أفضل مناطق غزة.
يعشق الفلسطيني سماع الأخبار، يتحلق الفلسطينيون حول راديو الصندوق ويصنتون بامعان لنشرة الاخبار، يفعلون ذلك في الديوان أو في المقاهي، يجلس الفلسطيني متربعا ويحني جسده ويدنق رأسه إلى أسفل ويضع يده على خده وهو يصغي لنشرة الاخبار، ولا بد من أن يطلق تنهيدة طويلة بعد انتهاء النشرة. يا ويل الاولاد أو النسوان اذا ارتفع صوتهم وقت نشرة الاخبار، انخمج بدنا نسمع كويس، سنوات طويلة ونحن نتابع الأخبار ونتنهد وننخمج؟!.
يتجدد امل الفلسطيني بالنصر والعودة مع كل زعيم جديد، الفلسطيني يعشق الانقلابات وينتظر الخطابات الحماسية، كنا ناصريين أكثر من الناصريين انفسهم، حفظنا خطابات عبد الناصر ورددناها، عشقنا مقال محمد حسنين هيكل وكنا ننتظر سماعه كل اسبوع من محطات الإذاعة المصرية، فرحنا بثورة الجزائر وحزننا لترك أحمد بن بيلا الحكم، أحببنا هواري بومدين ورددنا كلمته المشهورة، مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، تابعنا انقلابات القوميين والبعث في العراق وسوريا وايدنا قيام جمهورية جنوب اليمن الدبمقراطية، أحببنا القذافي وعشقنا صدام ورقصنا وغنينا على وقع صواريخه الأربعين وهي تقصف الأراضي المحتلة.
باختصار علقنا آمالنا على كل زعيم ورئيس رغم ما عشناه من اضطهاد ورغم المعاملة القاسية على يد الكثير منهم، لكننا كنا نعتقد أن النصر سيكون حليفنا والعودة ستتحقق من خلال هذه الجيوش الجرارة التي كنا سعداء ونحن نتفرج على استعراضاتها العسكرية في أعياد النصر الذي لم يكن يوما؟!
انطلقت الثورة الفلسطينية وتبلور الوعي الوطني اكثر، واقتربنا شيئا شيئا من الواقعية، وفهمنا أنه لا يحك جلدك الا ظُفرك، وغنينا مع شاعرنا الكبير .. يا وحدنا،
كمْ كُنْتَ وحدك، يا ابن أُمِّي،
يا ابنَ أكثر من أبٍ،
كم كُنْتَ وحدكْ
خرجنا من بيروت واشعلنا الانتفاضة الأولى وبنينا سلطتنا الوطنية الأولى وأشعلنا الانتفاضة الثانية، لكننا لم نغادر عاداتنا القديمة، أو بمعنى أصح رجع الوهم بإمكانية الاعتماد على الخارج يتسلل إلى أفكار فئات من الفلسطينيين تعتقد أن تركيا الخلافة أو إيران الخميني أو حتى قطر أو ماليزيا من الممكن أن تكون طريقنا نحو النصر والتحرير والعودة. من الواضح اننا مازلنا بحاجة إلى أن نتعلم الدرس من جديد.
في العدوان الأخير على غزة، الذي لم ينته بعد، التف الشعب حول المقاومة في غزة، وظهرت وحدة الشعب في مختلف أماكن تواجده وتجلت في أبهى صورها، وبدأت نشوة النصر من جديد تتسلل إلى روح وأفكار الكثيرين لدرجة أن البعض بدأ يضع شروط منذ الأيام الأولى الحرب يطالب فيها المقاومة بالقدس وحقوق الفلسطينيين في الـ 48، بل اعتقد البعض أن هذه الحرب، التي هي في الأساس عدوان مدبر ضد غزة وضد الشعب الفلسطيني برع نتنياهو في فعلته من أجل أهدافه السياسية الخاصة، اعتقد البعض أن هذه الحرب هي حرب التحرير وهي مقدمة وعد الآخرة.
من المفيد أن يواصل الفلسطيني التمسك بحقوقه وفي امله بالنصر والعودة ولكن من المفيد أكثر أن يكون هذا التمسك مبنيا على أسس علمية وواقعية، وعلى وعي كامل بموازين القوى وعلى النظر بموضوعية إلى قدراتنا وامكانياتنا، وعدم تحميل انفسنا ما لا نطيق ولا نستطيع، دون ذلك ستطول الطريق وسندفع مقابل ذلك أثمانا باهضة دون نصر حقيقي أو عودة حقيقية.
....
قصف شديد متواصل من الـ F16 أو الـ F35 في القرارة أو شرق خانيونس
السلامة للجميع
------------------------------
بقلم: د. رياض عبدالكريم عواد