18 - 04 - 2024

يوميات من على خط النار في غزة: موعد الهدنة وتعدد الفتوى!

يوميات من على خط النار في غزة: موعد الهدنة وتعدد الفتوى!

(غزة، خانيونس - الخميس 20 مايو 2021 - 00:45 صباحا)

بعد جدال طويل ومتشعب أعلنت روضة... النموذجية أن الهدنة ستكون عصر يوم الجمعة، فيما أعلن أحد الموظفين المفلسين أن الهدنة ستكون على الصراف عصر الخميس ويوم الجمعة في البنوك، التي ستفتح استثنائيا ابتهاجا بالإعلان عن الهدنة.

منذ عصر الأربعاء لم يبق أحد من نشطاء الفيسبوك إلا وأفتى عن موعد الهدنة، فبعد أن كان هلال الهدنة سيبزغ صباح يوم الخميس، كما تفاءل بذلك العديد، أتى من يبشرنا على لسان أحد صحفيي اليوم السابع، ان صدق ناقل الخبر، أن الهدنة قد تم الاتفاق عليها وانها ستعلن خلال سويعات دون أن يقول لنا كما تبلغ السويعة من الدقائق؟!

ثم أعلن السيد أبو مرزوق أن الهدنة ستكون خلال يومين دون أن يحدد عدد الشهداء والمنازل والطرق التي ستحترق وتحرث خلال هذين اليومين، لكنه أكد إن صعّدوا صعّدنا وان هديوا هدينا، يعني واحدة بواحدة، وعلى ذمة السوشيلية أن الهدنة ستشمل فقط قطاع غزة؟! كم من الليالي علينا الإنتظار حتى تتوقف ٱلة الدمار ..تساءل أحد الاصدقاء؟؟

اختصر شاب الموضوع بكلمات قليلة "تهدئة، نفي، تأكيد، محاولة للعبث في صمود شعبنا، فطوا سطر، اللي بيقع من السما بتتلقاه الأرض"؟!

هذا الجدال حول الهدنة وانتظارها على أحر من الجمر في ظل الطائرات والصواريخ والمدفعية وقصف البر والبحر يشير إلى حاجة الناس إلى الراحة، فهذا لا شك فيه، لكن الناس أيضا تريد أن ترى إنجازا ملموسا على الأرض مقابل الأيام العشرة من العذاب والآلام والدم المسفوح والصبر والصمود وهذه الروح المعنوية المتوثبة.

طبعا لا تنسوا أن هناك أهدافا أمنية ومعنوية من التسريبات حول الهدنة يسربها الاحتلال تتطلب الحذر واليقظة لأنها جزء من المعركة ومن الحرب النفسية.

الليلة ما زالت ساخنة وبأولها، هناك قصف شديد، الطائرات تحوم في كل مكان والزنانات تسد أفق السماء. لا نعرف بالضبط كيف ستمر هذه الليلة وكيف ستنتهي، لكن نعرف أن هناك رب كبير رحيم لطيف قادر بالتأكيد أن ينزل علينا رحماته ويرعانا بلطفه، قولوا امين.

....

الان توقف القصف الشديد الذي قد يرجع من جديد (الخميس 00:44 صباحا)

.....

ليس هناك أي مؤشر لوجود تهدئة ، من الصباح وطائرات الـ F16 تقصف، قصفت مرتين في القرارة ، هذا غير وجود الزنانات الكثيف، حتى لا يوجد قصف مدافع، وين التهدئة ولا الهدنة ولا وقف إطلاق النار ، كيف الوضع عندكم؟! صباح الخير على الجميع (20 مايو 2021، 09:45 صباحا)

..............

قصف مدفعي شديد منواصل منذ الصباح في القرارة شرق خانيونس ، قنابل تنفجر في الهواء وتحدث صوتا ضخما، عندما تسقط شظايها قد تسبب حريقا ، كما حدث هذا مرتين في محطة الغاز في السطر الشرقي أو قد تصيب أحد الناس ، السلامة لنا وللناس أجمعين. 

في البقالة الآن، اشتريت كرتونة بيض بـ 11 شيكل، البيض أًصبح أغلي، بكم البيض في مناطقكم. 

فتاة بنت الـ 10 سنوات تريد هدنة 

- ليش يا عمو بدك هدنة 

* عشان اخرج،  زهقنا

- انت خايفة يا عمو؟

* لا

لكن ما أن انفجرت القنبلة في السماء خافت وحاولت ان تتخبأ تحت الطاولة، هذا شيء طبيعي 

نحن لا نخاف ، نحن نخاف؟!!! (الخميس 20 مايو 2021، 13:20 ظهرا)

----------

أنا والحرب

( فلسطين، غزة -   20 مايو 2021 - 15:50 ظهرا)

شاركت في كل الحروب في حروبنا وحروب غيرنا ، في حرب العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة كان عمري 6 شهور، شاركت في هذه الحرب بالصراخ.

كانت عائلتي تعيش في مخيم دير البلح وسط قطاع غزة ووالدي يعمل في الحرس الوطني، شبيه بالشرطة، تزوج امي سرية من مخيم جباليا، أمي من قرية نجد ووالدي من بيت طيما، قضاء المجدل، جنوب فلسطين

أنا الابن البكر، قدمت إلى هذه الدنيا قبل العدوان الثلاثي بخمسة أشهر (5 مايو 1956) احتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة في طريقها إلى احتلال سيناء، كانت القوات الإسرائيلية تخرج المدنيين من البيوت وتصفهم في الشوارع ووجوههم إلى الحائط. صفت كثير من المدنيين في هذه الحرب في الشوارع، خاصة في مدينة خانيونس

أخرجت قوات الاحتلال أسرتي من البيت، والدي ووالدتي وجدي عبدالله وجدتي مريم وعمي محمد ابن الستة سنين، دخل الجنود في البيت فاستقبلتهم من كفولتي وسريري بالصراخ، اضطر جنود الاحتلال أن يعيدوا امي إلى البيت حتى يتخلصوا من صراخي، حتى بالصراخ يستطيع الفلسطيني أن يقاوم.

في حرب الأيام الستة (حرب حزيران 1967) كان عمري 11 سنة، كنت قد أنهيت الصف الرابع الابتدائي. كانت جدتي مريم تقود جلسة عصرية كل يوم في الشارع أمام بيتنا، الشوارع كانت واسعة، تجتمع فيها الجارات من الحارة، كنا نلقب جدتي غولدا مئير لقوة شخصيتها. أمي كانت واحدة من النساء التي تداوم على حضور هذه الجلسات.

كانت الحرب هي الحديث الطاغي على حديث النسوة، من الواضح أن النساء لا يحببن الحرب، رغم الأوهام التي كانت سائدة، أننا بعد أيام سنكون في تل ابيب، طول عمرنا عايشين على الأوهام، غرس هذا الوهم في رؤوسنا راديو صوت العرب وصوت المذيع أحمد سعيد، كم أحمد سعيد فيك يا وطني؟!

ازداد خوف النسوة المجتمعات عصرا بعد أن نقلت إحدى النسوة خبر وصول طائرات الميراج الفرنسية إلى اسرائيل، والله هذه الطائرات بتغطي عين الشمس.

أولاد الحارة، وانا واحد منهم، كنا نلعب ونجري حول النسوة ونسترق السمع إلى أحاديثهن، عندما سمعن خوفهن وانزعاجهن من احتمال قيام الحرب صرنا نجري من حولهن ونهتف يارب تقوم الحرب... يا رب تقوم الحرب، كنا أولاد صغار لا نعرف ما هي الحرب، لكن للأسف لا زال هناك أولاد صغار وكبار لا يعرفون ما هي الحرب؟! أولاد؟!.

امي عفرتني بالتراب في وجهي وطردتني، روح انصرف، انت بتعرف إيش الحرب؟!.

في اليوم الثاني لحرب النكسة، صباح 6 يونيو، اضطررنا إلى الهروب للأحراش والمواصي غرب خانيونس على إثر القصف المدفعي الذي بدأه جيش الاحتلال صباح ذلك اليوم على مخيم خانيونس، حيث كان هناك مدفع مضاد للطائرات غرب المخيم، المدفع الوحيد الذي بقي يطلق نيرانه صوب الطائرات الإسرائيلية التي كانت تعربد في السماء العربية دون رادع.

المهم هربنا من البيت مفرقين ومشتتين، أنا كنت مع أمي، احتمينا أثناء هروبنا من قذائف المدفعية بسور متهالك، وضعت قفص حديد وجدته بجانبي فوق رأسي وبدأت أولول من الخوف، فما كان من أمي الا أن لطمتني وشتمتني مسبة كبيرة، سبت....، وذكرتني بما كنت أقول وأهتف يا رب تقوم الحرب، هذه هي الحرب يا كلب، عرفت إيش معنى الحرب يا مقصوف الرقبة. لو كل ولد، صغير كان أو كبير يقول بدنا الحرب لطشته امه بالكف، ما كان هذا حالنا؟!.

المهم واصلنا الطريق غربا إلى مواصي خانيونس وبقينا هناك 4 أيام حتى يوم الخميس، ورجعنا إلى مخيماتنا في خانيونس، مكسورين ونحن نرفع الرايات البيضاء.

لا داعي لإكمال باقي القصة، ففي حرب اكتوبر 1973 كنت في الصف الثاني الثانوي، وفي حرب اجتياح بيروت كنت قد تخرجت من الجامعة منذ سنتين وأعمل في ليبيا، وحضرت الانتفاضة الأولى والثانية في غزة والحروب على غزة في 2008 و 2013 و 2014، قصص كثيرة يمكن سردها هنا، لكن السكوت أفضل.

 في هذه الحرب 2021 التي لن تكون الأخيرة، كنت قد أصبحت كهلا في السادسة والستين من عمري، لا أملك إلا الفيسبوك وخوفي وهواجسي.

يمكن قياس عمر الفلسطيني بعدد الحروب التي عاشها؟!
-----------------------
بقلم: د. رياض عبدالكريم عواد






اعلان