30 - 04 - 2024

يوميات حرب غزة.. مخاوف الغداء الأخير (4)

يوميات حرب غزة.. مخاوف الغداء الأخير (4)

يوميات حرب غزة (الجزء الرابع)

تجربة ذاتية للدكتور

رياض عبد الكريم عواد

ناموا قليلا ياصغاري .. فملائكتنا تنهض من بين الركام

ناموا قليلا يا صغاري!!!(12)

غزة، 20/08/2014

ناموا بسلام أيها الأحباب!

لماذا لم يغسلوا وجوههم ورجليهم قبل النوم؟ هل ذهبوا الى الحمام قبل أن يناموا؟ لماذا لم تغطوهم؟ سيلفحهم البرد، و قد يعانون من اسهال!

تعشوا بالأمس متأخرين، عشاؤهم كان دسما، ومشربوش شاي، خايفين عليهم "يفنوا" على أنفسهم!  حرام عليكم تسيبوهم يناموا هيك!

ينامون من المغرب دون أن يتقلبوا على أي جنب من أجنابهم، "فلة" نايمة بين أخوتها وسيم وجهاد، امبارح كانت نايمة في حضن تيتة! هل تلت عليك احدى حواديثها قبل أن تنامي؟! هل قرأت عليك واحدة من قصصك الصغيرة والمفضلة؟!

ارجوكم لا تفسدوا عليهم غفوتهم، لا تزعجوهم بتصريحاتكم المتتالية والمكررة، لا تقتلوهم مرة ثانية بتصفيقكم وتشجيعكم المتواصل، هم يحبون الهدوء ويفضلون الصمت!!

أين ذهبت أمهم بنت الحلال، لماذا سبقتهم، لماذا كل هذا الاستعجال على تركنا؟ لم نخطيء معك كثيرا، كنت مثل بنتنا الوحيدة، سامحينا!

لمن تتركينا، لم يبق لنا حبيب في البيت نسمع نداءه أو صراخه، مع من سيلعب جدكم "طار الحمام" و"كريكمة"، كيف سنعرف من سرق البيضة؟ حتى نعرف من سرقكم من حضننا.

لن نبكي كثيرا، فأنتم ذهبتم عنا نائمين لتستريحوا من ضجيج الطائرات وزن الزنانات وكلامنا الرتيب!  أعدكم أنني سأعرف من سرق البيضة! ولن أتركه يسرق باقي البيض، سأقطع يديه بكل السكاكين الصغيرة والكبيرة، وان لم تنفع السكاكين، سأستعمل العصي والحجارة وما تستطيع أن تلتقطه يداي.

سلام لأرواح تركتنا وهي نائمة نوم الملائكة!

احموا أطفال فلسطين!!!

أوقفوا الحرب!!!

..............

وسنغني مع أميمة خليل:

نامي نامي يا صغيرة... تانغفى عالحاصيري

بكرا بيك جاي... حامل غلة الليمون

بيجبلك تنورة وشال... تاتدفي بكانون

يا زغتورة الحندقة... شعرك أسود ومنقى

واللي حبك بيبوسك... والبغضك شو بيترقى

ملائكتنا الصغيرة!!!(13)

غزة، 20/08/2014

في بلاد الله الواسعة تتنزل الملائكة من السماء على عباد الله الصالحين لتحفهم بالمغفرة والرحمة، وتتنزل على عباد الله العصاة لتدلهم على طريق النجاة والخلاص، الملائكة أعدادها كبيرة وأجسامها ضخمة وأنواعها كثيرة وأجنحتها عظيمة.

في بلادي، تنهض ملائكتنا الصغيرة من باطن أرضنا، ملائكتنا صغيرة ولها جناحين اثنين دقيقين فقط، تنهض ملائكتنا بعد غفوة صغيرة من تحت وبين الركام، ملائكتنا تحتاج لكثير من الأيدي لكي تنهض من بين الركام والتراب المقصوف حديثا.

تراب ساخن وحجارة كثيرة تتساقط عليها ومن حولها فتعيق نهوضها قليلا، لكنها تنهض وتنهض معتمدة على يديها الصغيرتين وجسمها الطري، تحوم كالفراشة حول أرواحنا، تتفقد ثدي أمها المقطوع وصدرها المجروح.

تبحث عن أبيها المذبوح والمقطع الى أشلاء بعناية شديدة بأسلاك صواريخ الزنانات التي تفصل اللحم عن العظم وتقص العظم قصا حادا وتحرق من حوله حروقا غائرة.

تتلمس بيديها الصغيرتين وجوه أخوتها الصغار والكبار الذين قتلوا وجرحوا وحرقوا بشظايا الدبابات المتعددة الأحجام وبمساميرها الحلزونية الشكل، مدببة الرأس والمنتهية بمروحة صغيرة لتزيد من سرعتها ومن قوة نفاذها بعيدا في اللحم والأحشاء.تذهب هذه المسامير بعيدة في الاحشاء لتمزق الكبد في طريقها وتحطم البنكرياس ان اصطدمت به وتفتت الكلى والطحال وتمزق الأمعاء والقولون وووو....،

لا تنسى ملائكتنا أن تحوم وتحلق فوق ذكريات بيوتنا المهدمة والمدمرة لتغطي الأطفال النائمين وتحميهم من برد الصيف ولتمنع عنهم الكوابيس الثقيلة والمخيفة. تحرس النساء الخائفات والمذعورات من الموت عراة في الشوارع وعلى قارعة الطرق، تطير ملائكتنا حول حقول الزيتون المدمرة وأشجارها المحروقة، تهدي من روع الطيور الهاربة والكلاب الخائفة والقطط الشاردة.

يا ملائكة الرحمة لا تنسي ان تذهبي بعيدا لأبنائنا في أنفاقهم الرطبة ومواقعهم المتقدمة لتهديهم منا السلام وتشدي على أيديهم وتطمئنيهم عن زوجاتهم المشتاقات وأبنائهم الذين ينتظرونهم بفارغ الصبر، ولتطمئنيهم أيضا عن بيوتهم المقصوفة وحقولهم المجرفة.

ملائكتنا تنهض بدون وجل، تعرف واجبها ودورها المنوط بها لذلك فهي تنهض من تحت التراب والركام دون وجل!!! احموا الأطفال!!! أوقفوا الحرب!!!

احصائية العدوان على غزة (14) حتى 20/08/2014

عدد الشهداء 2060 شهيد دون احتساب 7 شهداء مجهولي الهوية جرى دفنهم في رفح ولم يتم التعرف عليهم حتى تاريخه، من بين الشهداء: 485 طفلاً، 284 سيدة. وبلغ عدد المدنيين من الشهداء 1583. 

ومن بين الشهداء 952 قتلوا داخل منازلهم بالإضافة إلى فتاتين من ذوي الإعاقة داخل مؤسسة،  307 طفلا  202 سيدة. قتل 222 شخصاً عند مداخل منازلهم أو بينما كانوا يحاولون الفرار منها. 

حسب المحافظة: شمال غزة 328 شهيدا، غزة 446 شهيدا، الوسطى 273 شهيدا، خان يونس 593 شهيدا، رفح 420 شهيدا.

عدد الجرحى: 10281 جريحاً، من بينهم:  1990 طفلا 3117 سيدة

عدد المنازل المستهدفة بشكل مباشر 955 عدد المنازل المدمرة بشكل كلي 2638 منزلا ، عدد المنازل المدمرة بشكل جزئي 7350 منزلا

كما دمرت قوات الاحتلال: 92 مدرسة، 149 مسجداً ، 8 مستشفيات

خروج 6 مستشفيات من الخدمة، وهي بلسم العسكري وبيت حانون، والوفاء، والجزائري العسكري ومستشفى الدرة، وأبو يوسف النجار، بالإضافة إلى 38 مؤسسة أهلية، و50 قارب صيد واستهداف غرف الصيادين في خانيونس وغزة وأجزاء من ميناء الصيادين في غزة. كما تضررت 223 مركبة.

المصدر: مركز الميزان ووزارة الصحة

ليلة ثانية بدون تهدئة!!! (15)

غزة، القرارة

20/08/2014

أذن المغرب، صلينا المغرب والعشاء جمع تقديم، قفلنا الى البيت عائدين، الليل أسدل أولى خيوطه السوداء على بلادنا وحينا، انقطعت الكهرباء عن المنطقة.

تفقدت نفسي فتذكرت أن سجائري على وشك النفاد، أنا لست من المدخنين بالمعنى العام، ولكن في زمن الحرب فان السجائر من الاحتياجات الضرورية.

سألت جاري ان كان لديه علبة سجائر زيادة، فاعتذر ، اضطررت أن أذهب بنفسي لشراء السجائر،

ندهت علي احد أبنائي ليرمي لي 10 شواكل، تأخر ، صرخت عليه صوتين وشتيمة!!!

لم أستطع أن أرسل ابني خوفا من أن يصيبه مكروه، البقالة ليست بعيدة عن بيتي، فقط حوالي 100-150 مترا، ولكنها في هذا الزمن وفي هذا الليل بعيدة جدا!!

مررت على البقالة الأولى لصاحبها الملقب أبو كرش فوجدتها مغلقة، شاهدت الحفرة العميقة التي أحدثها صاروخ ال اف16 لبلة أمس، حفرة بعمق 5-7 أمتار وبمحيط بنفس المسافة، أبواب المنازل المجاورة ونوافذها طارت في السماء،

رائحة البارود ما زالت تملأ الجو برائحتها النفاذة.

ثلاثة كلاب تقف بالقرب من شارع صلاح الدين على رصيفه الشرقي، كلب بني وكلب أبيض يميل الى الصفرة وكلب أسود، كانت الكلاب واقفة بجانب بعضها البعض، خائفة ومرتبكة، تلف وتدور حول نفسها، بدأت تتوشوش: 

همس الكلب الابيض للكلبين الآخرين والتفت يمينا ثم يسارا،  فجأة انطلقت الكلاب الثلاثة بأقصى سرعة بعيدا في اتجاه الغرب، الكلاب أيضا تنزح!!!

عصرا شاهدت كلبة في الوادي أمام بيتي تجري قافلة الى الشرق، أثدائها ممتلئة بالحليب، من الواضح انها اضطرت للهروب غربا لسبب ما من أسباب الحرب، وها هو نداء الأمومة يجبرها أن تعود لترضع جراءها، كم عددهم؟ للأمومة ألف تحية وتقدير.

اشتريت علبة السجائر من البقالة الثانية في الحي من صاحبها ابو صادق، ارتفع ثمن علبة السجائر حوالي 40% من ثمنها الأساسي خلال الحرب، طبعا هذا ينطبق على كثير من الحاجات خاصة الخضروات التي بالصفة العامة ارتفع ثمنها أضعفا كثيرة وكثير منها فقد من السوق لأن المناطق الزراعية في قطاع غزة تتركز في شمال وشرق غزة حيث العدوان الاسرائيلي متركز.

المهم اشتريت علبة السجائر، هي سجائر بالاسم فقط، إنني أجزم أنها لا تحتوي على أي نسبة من التبغ، أنها مصنوعة من ورق الكدش، رائحتها مقرفة وطعمها مر، هل نحن بحاجة الى مزيدا من المرارة؟ كم هم مغفلين هؤلاء المدخنين الذين يشترون المرارة بنقودهم؟؟!!

خمسة من العائلات المجاورة في شارعنا نزحت غربا الى مخيم خانيونس وعائلة الى مستشفى ناصر بخانيونس ، وعائلة أخرى ينزح فيها الذكور وتبقى البنات مع والديهم!! لكل أسبابه وظروفه وأهدافه!!! انها الحرب

الشارع مظلم وسواد الليل ازداد، عدت الى البيت، خطواتي أصبحت أسرع، شيء من الخوف يتسرب الى داخلي رويدا رويدا،

ليس خوفا، ولكنه....، لا أعرف.

أسرعت الخطى أكثر، فأكثر، فأكثر...... وصلت البيت، رجعت الكهرباء

أبو عبيدة هدد اسرائيل، هدد مطارها وتجمعاتها وما يسمى غلاف غزة، هددهم بعدم العودة الا بأوامر القائد العام للقسام! حرب نفسية! كما أكد أن المفاوضات كانت عبثية وطالب الوفد الفلسطيني بالانسحاب!! تصعيد سياسي بجانب التصعيد الميداني!!

بوادر حرب أم مقدمة لمسار جديد من المفاوضات؟!

كيف ستكون هذه الليلة، لا أعرف!!! أوقفوا الحرب!!!

-------

صباح الخير من غزة في يوم الجمعة (16)

غزة، القرارة

22/08/2014

صباح معمد بالصراخ والبكاء على الأحبة والأبناء، عيون تبكي بلا دموع تذرف، فالدموع جفت في المآقي، ودعنا بالأمس ثلاثة من قادة المقاومة الشهداء في رفح جنوب قطاع غزة، ثلاثة أطنان من القذائف الإسرائيلية لترتقي أرواحهم الى جنات الخلد، 

كما ودعنا أربعة وثلاثين شهيدا، ثلثهم من الأطفال.

عدد شهداء العدوان الاسرائيلي المستمر لليوم السابع والاربعين على التوالي دخل في الألفية الثالثة، ووصل الى 2085 شهيدا واكثر من 10 آلاف جريح، أكثر من ربع الجرحى يعانون من اعاقات دائمة .

صوت الأب يبكي ولده الشهيد في شارع النفق في مدينة غزة على شاشة الجزيرة يمزق القلوب والصدور، ونحيب أب آخر يبكي ابنه المصاب، بينما يحاول رجال الاسعاف الضغط على صدره لتشغيل القلب الذي توقف عن النبض، يحزن من له قلب ومن ليس له قلب.

ومنظر الغاضبين من الشباب يرفعون بين أيديهم جثة طفل ساخنة وطريه يتدلى منها الرأس الى أسفل الصدر متدحرجا يمنة ويسرة، منظر يتكرر أمام الكاميرات في مستشفى الشفاء عسى أن يحرك قلوب العالم ووجدانه من أجل أن يحموا أطفالنا من الموت الزؤام. صور تثير الأسئلة وتقشعر لها الأبدان وتذرف من أجلها العيون ما بقي فيها من دموع أو دم.

كنا نبدأ يوم جمعتنا بصلاة الفجر جماعة في المساجد وننتظر حتى شروق الشمس لننال بركة صلاة ركعتي الضحى، نرجع لبيوتنا نغفو قليلا ونصحو لتناول طعام الافطار ونتلو سورة الكهف مشفوعة بتكرار الصلاة والسلام على الحبيب.

في زمن الحرب، نبدأ يومنا بمتابعة الأخبار من مختلف قنوات الشؤم والقتل والفتنة،  نستمع لتحليل الخبراء والمختصين والاستراتيجيين! عسى ان يريحوا قلوبنا بخبر سعيد او وعد بتهدئة او هدنة جديدة تزيح عن قلوبنا كل هذا التوجس والقلق والحزن.

أخبار عن مبادرة اوروبية لوقف اطلاق النار وعن اجتماعات في قطر وقريبا في مصر، سيتفرق دمنا من جديد بين دول مركز القرار الدولي بعد أن أخذت دول الاقليم نصيبها من دمنا المسفوح! دمنا تفرق بين القبائل كما يقول درويش، آه ، يا دمنا الفضيحة.

هل ستأتيهم غماما...هذه أمم تمر ُّ وتطبخ الأزهار في دمنا ... وتزداد انقساما!!!

لماذا لا نأخذ قرارنا بأيدينا طبقا لخبرتنا الطويلة بأهمية القرار الوطني المستقل، وبما علمنا اياه والدنا ومفجر ثورتنا المعاصرة وباني دولتنا المستقلة؟

أنباء سيئة عن انتشار أمراض لها علاقة بالصحة والنظافة العامة، ليس أقلها الجرب والقمل، بين الأطفال في مراكز ايواء النازحين، نريد خبراء وطنيين ودوليين في مقاومة القمل والسيبان!!!!

الأونروا تعلن بأن غزة تحتاج الى 15 سنة لترجع الى ما قبل الحرب في حال تم فتح المعابر بالكامل!

كم سنة تحتاج غزة حتى ترجع الى ما قبل الحصار؟ وكم سنة تحتاج حتى ترجع مطمئنة ويغادرها الموت والحزن كبلاد الله الواسعة؟!

قصف حوالى الحادية عشرة صباحا لمرتين متتاليتين في المنطقة حول بيتنا، هل هو قصف لدبابات أم زنانات؟ صوت القصف مرتفع جدا! 

نحن نخاف من قصف الدبابات كثيرا، قصف أعمى من دبابات لديها صواريخ دقيقة الاصابة وقذائف موجهة بالكاميرات!!!

تقصف الدبابات دون هدف الا اصابة بيوتنا المواجهة لخط الحدود الشرقي لقطاع غزة،

من الفجر تقصف هذه الدبابات مخيم البريج للاجئين وسط شرق قطاع غزة، دفعة جديدة من قذائف الدبابات تهديها أمريكا لإسرائيل بعد أن أهدتها دفعة من صواريخGBU-28 المخترقة للتحصينات، والتي استخدمتها إسرائيل في استهداف مخابئ قادة المقاومة، شكرا ماما أمريكيا!!! 

صوت الزنانات لا يفارق المكان ولا الزمان!!!

اسرع الابناء الى النوافذ الشمالية للتعرف على مكان القصف، صرخت عليهم بأعلى الصوت بان يبعدوا عن النوافذ، الاقتراب من النوافذ يشكل خطرا في وقت القصف وبعده مباشرة، تبين أن القصف كان لعائلة العبادلة بينما كانوا يعشبون أرضهم.

لم يعجب ذلك الزنانات الاسرائيلية فعملت على تعشيب رؤوسهم وأجسادهم، استشهد الوالد وأحد الأبناء وابن آخر في العناية المركزة،

صلينا صلاة الجمعة، نصف المسجد فارغ! أين ذهب المصلون؟ حدثنا الخطيب عن أسباب النصر، وعدد أحد عشر سببا للنصر، كلام مكرر غير مفهوم، حثنا على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله على فهم السلف الصالح، كل يدعو لحزبه وكأنه يدعو الى الله!

شاهدت في المسجد شبابا من أصحاب الشعر واللحى الطويلة، منظر ما زال غير مألوف في غزة،

رجعنا وتناولنا طعام الغداء،  فهل يكون هذا هو الغداء الأخير؟! أوقفوا الحرب!!!

 

##

 






اعلان