20 - 04 - 2024

هل حقاً ربيع واحد لا يكفي؟

هل حقاً ربيع واحد لا يكفي؟

ماذا لو تبين أن يوسف بن علوي كان على حق؟ ماذا لو اندلعت ثورات جديدة في المنطقة؟ ماذا لو اتضح أن الربيع العربي لم يكن إلا الموجة الأولى من غضب واسع ما زال يختمر؟ 

لن يجيب على تلك الأسئلة بشكل قاطع غير الوقت. الأيام وحدها تخفي الإجابة. إما أن تُثبت صحة ما ذهب إليه وزير الخارجية العماني السابق قبل أيام، أو تدحض توقعاته وتنفي صحة ما ذهب إليه. وقد هوجم الرجل فور أن أدلى بملاحظاته برغم أنه لم يقل حراماً. فقد قال ما يقوله أساتذة ومحللون، بل ومسؤولون عرباً وأجانب عن منطقتنا. أصوات عديدة لا تستبعد وقوع ثورات جديدة. ترصد دلائل ومؤشرات وتجد أسباب ومقدمات. فالناس غاضبة. وغضبهم يفوق اليوم ما كان عليه الحال عندما اندلعت الموجة الأولى من الثورات. فالضغوط الاقتصادية والاجتماعية قاسية. والفقر يضرب طبقات أوسع. والظلم يمتلك أدوات التشريع. حتى أبسط الاحتياجات الأساسية لا تُلبى. الإصلاح الموعود لم يقدم شيئاً. ما زالت الدولة بنخبتها في طريق، والمجتمع بجماهيره في طريق آخر. الحريات ملغاة والقمع مسترسل. التوسل إلى الحاكم لم يعط نتيجة. الصبر نفد أو شارف على النفاد. الدخول تقل والضرائب تزداد. البطالة تتفاقم والأوضاع تتأزم. فهل يا ترى أمام تلك الحقائق لا يؤخذ كلام وزير الخارجية العماني السابق على محمل الجد؟. ثم كيف لا يوضع كلامه في عين الاعتبار، وبعض المسؤولين في دول شهدت الموجة الأولى حذروا بوضوح بل وتوعدواالشعوب لو خرجت في موجة ثانية؟. 

لكن برغم أهمية تحذيراته، أخذها البعض باستخفاف وتهكم واعتراض وكالوا للمسؤول العماني السابق النقد والهجوم. إذ كيف يجرؤ هكذا أن يقول أن ربيعاً واحداً لا يكفي. أيريد الرجل أن يشعل المنطقة من جديد؟ هاجمه عدد من الكتاب في أكثر من بلد عربي، يرتبط أكثرهم برباط غليظ بأجهزة السلطة في بلادهم. قال أحدهم أن كلام "بن علوي" "لم يعد يعتد به". وذهب آخر إلى أن الوزير السابق "يحن إلى ماضيه الثوري" قبل أن يصبح مسؤولاً في بلاده. 

 وليس هكذا يجب أن يقرأ ما قاله "بن علوي". نعم الثورات مكلفة. والعودة إليها ليست حلاً. واحتمال فشلها أكبر من احتمال نجاحها. لكنها بكل أسف تبقى خيار المعذبين الأخير وواحدة من احتمالات المستقبل. 

الثورة هي الكي إن فشل العلاج. ثم إن الثورات مثل الفيروسات لا تقع مرة بل تأتي على هيئة موجات. تنفجر في بلد ثم تنتقل لتعدي محيطاً بأكمله عندما تقع ثورات شبيهة لها في بلدان أخرى. ومع ذلك لم يحدث أن أتت ثورات الموجة الثانية في التاريخ تماماً كما جاءت ثورات الموجة الأولى. فالتاريخ لا يعيد نفسه حرفياً. التاريخ يكرر عملياته الكبرى وليس تفاصيله الصغيرة. ولهذا فقد تخرج ثورات الموجة الثانية من أرض غير تونس. وقد لا تبدأ سلمية كما بدأت ثورات الموجة الأولى. وقد تستثني بلداناً عاشت الموجة الأولى وتقع في بلدان كانت قد تجنبت تلك الموجة. 

ولا أشك في أن المسؤول العماني السابق لا يتمنى وقوع ثورات جديدة. فهو كغيره من العقلاء يحذر فقط من وقوعها وينادي بشجاعة لاتخاذ ما يلزم لتجنب مفاجآتها. فالأفضل من كل الوجوه ألا تقع أي ثورة. فالثورات ليست نزهات. ولهذا يدعو كل عاقل ألا تقع وألا يتحقق ما حذر منه وزير الخارجية العماني السابق. لعل ما قاله يدق جرس إنذار. ولعل الإصلاح الذي أجهض بعد انكسار الموجة الأولى يعود من جديد لكن بزخم صادق، خاصةً وأن كافة المؤشرات والإشارات تؤكد على أن الأوضاع تتأزم وتشتد تعقيداً. لعل شيئاً من ذلك يحدث لا سيما أن دقات الغضب باتت مسموعة والأفضل أن تعالج بدلاً من أن تُترك. فليس أفضل لتجنب موجة غليان ثانية من التعلم بتواضع من الموجة الأولى وليس بالسخرية منها والعيب فيها والاستخفاف بمن ضحوا خلالها والتنكيل بمن وهب نفسه في سبيل إيصال رسالتها. 

لكن منطقتنا مخيفة. تاريخها في اللف والدوران السياسي طويل. عرفت ثورات كثيرة ومع هذا لم تؤسس واحدة من بينها لمبادئ دائمة وإنما رسخت باستمرار أقدام نخب متحكمة. منطقة تحمل الناس طويلاً على الصبر إلى أن ينفد فتدفعهم إلى الثورة. وعندما يثورون تأتي ثوراتهم غير مكتملة. يسقطون أنظمة لكنهم لا يسقطون منطقها المعيب في الحكم. يغيرون حكومات لكنهم لا يغيرون طريقة عملها. وقد حدث ذلك على مدى تاريخ ثوري يمتد عشرات إن لم يكن مئات السنين. 

 وعلى خلفية الوضع المتأزم حالياً في المنطقة من ناحية، وعلى ضوء الفشل الثوري المتكرر فيها من ناحية أخرى يجب أن يقرأ كلام المسؤول العماني السابق. فما قاله ليس خاطئا بالجملة لأن المنطقة تعيش أحوالاً تؤكد بالفعل أن ربيعاً عربياً واحداً قد لا يكفي وأن ثمة ثورات جديدة قد تكون في الطريق. لكن كلامه في المقابل لا يمكن أن يؤخذ على عواهنه نظراً للفشل المتكرر للثورات في المنطقة. فليس في هذه المنطقة أكثر من الثورات وليس فيها أقل  من النجاح الثوري. لا ثوراتها أقنعت المعنيين بأهمية الإصلاح الجاد الشامل والعميق. ولا إصلاحاتها التجميلية الشكلية المراوغة نزعت فتيل انفجار موجات ثورية جديدة. وكأن إصلاحاتها وثوراتها تحالفت معاً على تكريس الفشل. لا الثورات تنتهي ببرامج إصلاحية تُلبي مطالب الشعوب ولا الإصلاحات تطرح بصدق يمنع الشعوب من التفكير في الخروج في ثورات جديدة. إنها دائرة مغلقة ما زالت تدور ولا يعرف أحد كيف أو متى يمكن أن تنكسر.
---------------------------
بقلم: د. إبراهيم عرفات

مقالات اخرى للكاتب

أيها التاريخ… ترفق





اعلان