24 - 04 - 2024

شاهد على العصر (38): مهازل سنة حكم الإخوان

شاهد على العصر (38): مهازل سنة حكم الإخوان

اضطرب الشارع فمن كان مع الدستور أولا، ومن كان مع انتخابات المجالس التشريعية أولا، وفى كل الأحوال تحول الشارع السياسى إلى حالة استقطاب صفرية، فالجميع يدعى التعاون والتوافق تحت مسميات وشعارات ثورية، خاصة بعد توافق التنظيمات التى تتخذ من الإسلام اسما على استغلال المرحلة لتحقيق حلمهم فى الوصول إلى حكم مصر وتحقيق مايسمى بالخلافة الاسلامية.. كان موقفهم التكتيكي يلخصه شعار (مشاركة لا مغالبة) حتى يصلوا إلى هدفهم الاستراتيجى وهو (مغالبة لا مشاركة). 

أعلنت الجماعة بأن مرشحها هو خيرت الشاطر، وخوفا من أن تحول القوانين دون صحة ترشيح الشاطر، حيث كان مسجونا وتم الإفراج عنه قبل قضاء مدة العقوبة، كان هناك مرشح آخر احتياطى (استبن) لضمان وجود مرشح للاخوان، وكان المرشح الاحتياطى هو محمد مرسي، مع العلم أنه سبق للجماعة والمرشد أن أعلنا عن عدم ترشح أحد من الجماعة حيث أنها لا تتحمل مسؤولية هذه المرحلة كواجهة منفردة للحكم، ولكن تمت الموافقة فى مكتب الإرشاد على ترشح محمد مرسى مع وجود معارضة لفكرة الترشح وكان يقودها عبد المنعم ابو الفتوح أحد مرشحي الرئاسة، (الذى كان الإخوان قد اعترضوا أيضا على ترشحه بعدما ترك الجماعة)!. 

وكانت الدعاية الانتخابية لجماعة الإخوان على مستوى الجمهورية لاعلاقة لها باحترام القوانين ولا تتذكر أن هذه الانتخابات كانت تتم فى ضوء ثورة أسقطت رموز حكم مبارك. 

ومن الأشياء التى حدثت وكنت طرفا فيها (ولا أعلم عنها شيئا مثل شاهد ماشفش حاجة) أنه فى أحد الأيام وأثناء الدعاية الانتخابية لانتخابات الرئاسة، وكنت فى حى عين شمس حيث تسكن ابنتى هايدي، وجدت يفطا بعرض الشارع تحمل اسم وصور شخصيات عامة تؤيد وتبارك ترشيح محمد مرسى وكان اسمى وصورتى ضمن هذه الأسماء!. وفى أحد الأيام وعند مشاهدتى لقناة الإخوان الفضائية (مصر ٢٥) وجدت عنوانا متحركا يقول (جمال اسعد يؤيد محمد مرسى حيث سيكون الحكم ديمقراطيا على أرضية إسلامية مثل التجربة التركية!!). انزعجت واستغربت، ثم شعرت بالقرف والغثيان واتصلت فورا بالقناة ورفضت ذلك التصرف الذى لا يليق بأى أحد يعرف شيئا عن السياسة، وبالفعل تم إلغاء الخبر فورا.

 تمت الانتخابات، وفى مرحلتها الاولى فاز بالإعادة احمد شفيق الذى كان آخر رئيس وزراء لمبارك بعد ٢٥ يناير ومحمد مرسى مرشح الاخوان. 

كان الاستقطاب المجتمعى قد وصل إلى آخر مدى وعلى أرضية طائفية وبلا مواربة وبكل مباشرة، وفى مثل هذه الظروف والمناخات تكون الشعارات الدينية وتاجيج العاطفة الدينية سوقا رائجة لمن يريد. 

نعم كان المستفيدون من نظام مبارك، وهم ليسوا بالقليل، إضافة للمصريين المسيحيين مع شفيق.. سواء كان هذا اقتناعا أو استقطابا ضد الجماعة والتيار الطائفى. وعلى الطرف الآخر كانت التنظيمات المتأسلمة ومعها الأغلبية الكبيرة من الشارع المسلم سواء كان هذا على أرضية واعية ومقتنعة أو اعتمادا على تأجيج العاطفة الدينية التى تفهم وتفسر (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) بطريقة خاطئة، لأنه لا يمكن أن يكون هناك منطق لمساندة الظالم. 

وكان بالطبع من الثوار من هم ضد شفيق (باعتباره من رجال النظام الساقط) ومع مرسى ومنهم من كان موقفه على أرضية (مكره أخاك لابطل)، ولذا عقد المؤتمر الذى تم بين مرسى وجماعته وبين بعض الشخصيات السياسية من التيار الثورى والمدنى تأييدا لمرسى ضد شفيق فى فندق فورمنت، تمت انتخابات الإعادة بين مرسى وبين شفيق وكان هناك مؤتمر تعقده الجماعة على الهواء يتابع إعلان النتيجة مع وجود مرسي، حيث كانت كل القنوات تتابع النتيجة على الهواء (وكنت مع حمدى رزق فى قناة صدى البلد نتابع حتى الخامسة صباحا). الغريب أن قانون وتعليمات اللجنة العليا للانتخابات تلزم الجميع بعدم اعلان النتيجة، قبل الاعلان الرسمى من اللجنة  ولكن شاهدنا مرسى شخصيا يعلن فى الخامسة صباحا فوزه بانتخابات الرئاسة!. 

لم تعلن النتيجة الرسمية وتحدد لها الإعلان بعد أسبوع من انتخابات الإعادة، خلال هذا الأسبوع كان الشارع فى حالة غليان واستقطاب وعلى شفى حفرة من الاشتباك، وكانت هناك حالة من التهديد المعلن من قبل الجماعة ومن معها بحرق البلد (هكذا كان هذا علانية) فيما لو أعلن غير فوز مرسى! وكان يوم الإعلان، الشارع مضطرب والاستقطاب تجاوز الحدود والاحساس بالخطر على البلد لايفارق عقول المصريين خوفا على الوطن، خاصة أنه كانت هناك اخبار متضاربة يتم تسريبها إلى الشارع حيث أعلن مصطفى بكرى وهو المقرب من المجلس العسكرى بأن هناك قوة من الحرس الجمهورى تتوجه لمنزل احمد شفيق لإعلان فوزه بالرئاسة!! ولكن كانت هناك  تهديدات بالتدخل الأمريكى لفرض مرسى رئيسا إخوانيا بعد اللقاءات والتوافقات بين الأمريكان وبين الإخوان.

فى حدود السابعة مساء تم إعلان فوز محمد مرسي، كنت وقتها ضيفا على قناة الجزيرة وكان معى فى القناة محمد البلتاجى، حيث دخل الاستوديو بعدى لكى يهنيء الشعب المصرى بفوز مرسي. وصلت الجماعة لحكم مصر لأول مرة فى تاريخها وتحقق الحلم الذى كان يراودها ويراود كل التنظيمات المتأسلمة استعدادا لإعلان الخلافة الإسلامية من تركيا حيث ستكون مصر إحدى ولايات هذه الخلافة (هكذا أعلنوا). 

لم يستطع مرسى الصبر على مشاهدة القصر الرئاسى حتى يؤدي القسم الدستورى الذى به يكون رئيسا رسميا، فذهب إلى قصر الاتحادية وجلس على أحد المكاتب فى صورة لم نعتد عليها وهى جلوس الرئيس على مكتب، ولكنها عقلية الإدارى والمرؤوس لا عقلية الرئيس. 

كان حلف اليمين الدستورية يمثل إشكالية، فلا يوجد حينها مجلس شعب يحلف مرسى أمامه حسب الدستور، فكانت الفتوى الدستورية هي حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، اعترضت جماعة الإخوان على ذلك (لغرض فى نفس يعقوب) فتم حلف القسم أمام الدستورية ثم توجه إلى جامعة القاهرة ليحلف مرة ثانية وبعدها توجه إلى ميدان التحرير للحلف مرة ثالثة (في سابقة غريبة)، فماذا تم فى هذه المهازل الحلفانية؟ 

ذهب مرسى إلى المحكمة الدستورية وكانت هيئة المحكمة بكامل أعضائها،  والجماعة تحس بمرارة الحنظل، وذهب إلى جامعة القاهرة حيث كان الاعداد أن يكون وسط جماعته وعشيرته، وحدث موقف كان دالا على ما جاء بعد ذلك هو عدم وجود مقعد فى القاعة للشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، مما وضع الرجل فى موقف لايليق به وجعله ينسحب من القاعة. أما فى ميدان التحرير، فقد أراد مرسى أن يتقمص دور الثائر، حتى أنه وهو وسط الحراس المحيطين به أعلن وهو يتخفف من الجاكت الذى يرتديه أنه لا يرتدى الصدر الواقي من الرصاص لانه وسط أهله وعشيرته، وبالفعل كانت أغلبية الحاضرين من الأهل والعشيرة، حيث وجه خطابه فى الميدان (إلى أهلى وعشيرتى) ولم يقل أيها المواطنون مثلا، باعتبار تعبير المواطنة هو التعبير السياسى الذى يتوافق مع حديث رئيس الى شعبه. فهناك فارق بين خطاب سياسى إلى مواطنين وبين خطاب قبلى للأهل والعشيرة. 

أما الدلالة الأهم والتى جاءت سريعا جدا، فهى أنه عندما تحدث عن ستينيات القرن الماضي، أي فترة حكم عبد الناصر قال مرسى: (الستينيات وما أدراك ما الستينيات) وهذا تهكم لايحتاج الى تفسير، بالرغم أن مرسى هذا كان أول المستفيدين من الستينيات فقد تعلم فيها حتى حصل على الدكتوراه فى الهندسة، والأهم أنه كان من فقراء هذا الشعب واستفاد والده من قانون الإصلاح الزراعى (حيث حصل على ثلاثة فدادين حسب تصريح شقيق مرسي). 

بهذه الاحداث الحلفانية، وصلت الرسالة مبكرا جدا، فحكم الجماعة هو حكم الأهل والعشيرة والأتباع، وليس حكم المصريين. فى اليوم التالى كتبنا وكتب كثيرون مقالات ترفض مبدئيا هذا التصرف وتلك السياسة فى إدارة الحكم، وطالبنا بعدم استخدام مثل هذه التعبيرات القبلية التى لا تتوافق مع مصر تاريخا وواقعا، ولكنها البدايات التى لم تنتظر ما تلاها من تطورات. 

بعدها أعلن مرسى ما يسمى ببرنامج المائة يوم، وهو أن يتم حل بعض المشاكل المستعصية خلال المائة يوم الأولى من حكمه. وكانت هذه المشاكل هي (المرور والوقود والأمن والخبز والنظافة). مرت المائة يوم ولم يتم حل أى مشكلة من هذه المشاكل. فماذا كان؟ 

تفاقمت مشكلة الطاقة، فلا يوجد بنزين ولا سولار فى محطات التموين، فكانت السيارات تقف فى طابور يصل طوله إلى كيلو مترات، بل  وصل الأمر لأن تظل السيارة فى الطابور لأكثر من يوم! أما الخبز فقد تعقدت المشكلة فى التوزيع حتى أنه كانت هناك معارك طوال الوقت أمام المخابز الشيء الذى زعزع الأمن بشكل مخيف. وبالطبع أفشلت حالات الانتظار أمام المحطات وأمام المخابز أي خطة لتنظيم المرور.أما النظافة فلا حديث حولها. 

الأخطر أنه فى ظل هذه المشاكل وفى ظل انقطاع الكهرباء لأيام وليس لساعات، ظهرت دعوات إخوانية لتشكيل قوات أمن خاصة بالجماعة على غرار الحرس الثورى الإيراني،  بل تم الاتفاق بين الجماعة وإيران على إعداد وتدريب هذا الحرس. 

قبل انتهاء المائة يوم بيوم واحد، كانت هناك تجمعات ثورية فى ميدان التحرير وفى شارع محمد محمود لإعلان الموقف من فشل خطة المائة يوم، وتم خلالها الاعتداء من أتباع الجماعة على المتظاهرين بشكل همجى ومن فوق أسطح عمارات التحرير، مما جعل الاستقطاب الصفرى واضحا وضوح الشمس، مما جعل الأمور فى تصاعد وتصادم بشكل مستمر. 

فشل خطة المائة يوم كان البداية المباشرة لاحتكاكات الشارع مع نظام الإخوان، خاصة بعد اعتداء أعضاء الجماعة (وليس الشرطة) على المتظاهرين في محمد محمود وميدان التحرير. وبعدها تم الاعلان عن برنامجهم التاريخى فى حكم مصر تحت اسم (مشروع النهضة)، هل بالفعل كانت الجماعة لديها خطة أو برنامجا حقيقيا لحكم مصر وتحقيق أهداف ٢٥ يناير ٢٠١١؟. هنا سنسرد الواقع بكل ماعشناه وعاشه الجميع للإجابة على هذا السؤال. 

كانت البدايات متعجلة  متسارعه ولا علاقة لها بغير الشعارات الدينية والممارسات الطائفية والقرارات الاستحوازية، ففي استفتاء ١٩ مارس ٢٠١١ على التعديلات الدستورية كان الشعار (نعم تجلب النعم)، كما أطلق محمد حسين يعقوب مسمى غزوة الصناديق على هذا الاستفتاء، حيث اعتبر ماجرى على حد قوله (انتصارا للدين). وأضاف: (البلد بلدنا واللى موش عاجبه عندهم فيزا أمريكا وكندا). وكان قد شنف آذاننا (بقولته الحكيمة) التى تدل على حكم الشعب المصرى وليس حكم العشيرة حين قال: (ومن لا يعجبه الوضع عليه أن يرحل إلى بلد آخر!!). وفى خطابه فى مسجد الهدى قال: (متخافوش، خلاص البلد بقت بلدنا!). 

وهناك بعض الوقائع التى لا تنفصل عن التوجهات السياسية التى كانت تهدف بها الجماعة لحكم مصر، كان موقف الجماعة من الفن والثقافة لا يحتاج إلى إعلان، فقد تخلصت الجماعة من الرموز الثقافية بعد تعيين وزير ثقافة إخوانى. كما طالبوا بضوابط إسلامية لضبط الحياة الثقافية!.ولذا وجدنا عبد الله بدر يهاجم إلهام شاهين (أنها حلوفة وسافلة!) (وأن الجميع يعتليها!) كما هاجم أبو إسلام يسرا متهما إياها بمعاشرة عادل إمام مئة مرة  (وكأنه كان شاهد عيان!). 

وعند احتفال كفر الشيخ بعيدها القومى أطلق محافظها الإخوانى سعد الحسينى الكلاب البوليسية على الصيادين الذين جاءوا لمحاورته حول مشاكلهم، فنهشت الكلاب لحم البسطاء. والأهم أن الحسينى عقب على ذلك بقوله: (الإخوان هيضربوا معارضى الرئيس مرسى بالجزمة!). 

موقف الإخوان من الأقباط

هذا الموقف لايقتصر تاريخيا وموضوعيا على الإخوان فقط، ولكن كان باقى حلفائهم من السلفيين والجماعة الإسلامية أسرع وأوضح فى الإعلان عنه عمليا وبلا مواربة، فقد قام السلفى أبو إسلام بتمزيق الإنجيل، وتوعد بأن يجلب ابنه لكى يتبول عليه وتم هذا أثناء إحدى مظاهراتهم فى الشارع وأمام الجماهير!. أصبحت التصريحات والممارسات الطائفية الفجة زادا يوميا تمارسه تلك التنظيمات، فكنا نسمع (أن الاقباط أهل ذمة ولاعلاقة لهم بما يسمى مواطنة!). بل امتدت مقولاتهم حتى ضد بقية الشعب المصرى المسلم، فاعتبره بعضهم شعبا كافرا.

موقف الإخوان من الأقباط كان طوال التاريخ نفعيا براجماتيا، صعودا وهبوطا حسب الظرف والمنفعة، وإن كانت هناك أفكار حاكمة تحكم فكر الجماعة وتحدد سلوكياتها وقراراتها عند التمكن والمغالبة. هذه السياسة الإخوانية ضد المسيحيين خاصة فيما يتعلق بالاعتداء على الكنائس وحرقها مرجعها تلك الفتوى التى جاءت فى مجلة الإخوان (الدعوة) بالعدد ٥٦ لسنة ١٩٨٠ والتى أعلنها محمد عبدالله عضو مكتب الإرشاد. وكانت المحصلة النهائية لهذه الفتوى حتمية غياب الكنائس فى مصر!. حيث اكد هذا المفتى بأنه لايجوز استحداث كنيسة في دار الإسلام .  

وامتدادا لذلك كان الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية (أبريل ٢٠١٣)، وكانت حادثة غير مسبوقة منذ دخول الإسلام مصر، كما أسست هذه الحادثة بشكل رسمى لنوعية خطاب التحريض بشكل مباشر ضد الأقباط. فكلما خرجت مظاهرات ضد حكم الإخوان كان خيرت الشاطر ومحمد البلتاجى يصرحان على الفور بأن هذه المظاهرة للمسيحيين الذين يقفون ضد الحكم الاسلامى وضد تطبيق الشريعة الإسلامية!، والأدهى أنه عندما تأججت المظاهرات ضد الجماعة أمام مقر الإخوان فى المقطم، رأينا خيرت الشاطر يقول وبكل موضوعية: (إن هذه المظاهرات نظمها الأقباط وقاموا بها، والدليل أنهم كانوا يتكلمون بالقبطية!). 

على أرضية هذه الأفكار الحاكمة، كان من الطبيعي الاعتراض منذ البداية على تعيين نائب لرئيس الجمهورية من المسيحيين حيث أن هذا العرض تم نشره ذرا للرماد فى العيون، وكانت الصحف القومية حينها قد نشرت على مدى أيام أسماء مسيحيين مرشحين لموقع نائب الرئيس (وكنت أحد هذه الأسماء!). وانتهى الأمر بتعيين د. سمير مرقص مساعدا لرئيس الجمهورية خضوعا لرؤية عدم تبوؤ غير المسلم لمواقع الولاية.
----------------------------
بقلم: جمال أسعد عبدالملاك

 

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان