26 - 04 - 2024

ترنيمةُ عِشْقٍ| يا أُمّةً تَعَرَّت

ترنيمةُ عِشْقٍ| يا أُمّةً تَعَرَّت

في مقاله الشّهير: "لماذا أعشق كوريا وأكره انجلترا التي تسري في دمي"، كَتب البريطاني "ريتشارد بيرنارد" بقناة "بي بي سي" عن حادثة إعلامية عاشها بنفسه، حين بث التليفزيون الكوري حلقة من البرنامج المعروف: "ستار كينج".

يستضيف فيه الموهوبين من كافّة أنحاء العالَم، ومنهم ذلك الصّيني الموهوب غناءً وتمثيلاً، القادم من "هونج كونج"، والذي ما إن أنهى فقرته الغنائية؛ حتى أسرع بخلع ملابسه على المسرح وفاجأ المشاهدين بارتدائه زيًّا عربيًّا سعوديًّا [ثوب وشماغ]، مُمسكًا ببندقية بلاستيكية وجَّهها مباشرةً لمُقدِّم البرنامج متقمصًا دور "مُسلم إرهابي"!

يضيف الكاتب قائلًا: "في بلادنا وفي بلاد المسلمين -كذلك- سنضحك كثيرًا لمهارة الرّجل، بل وسنقابله بالتّصفيق الحاد، ولكن في "كوريا" لم يكن الأمر كما تتوهمون، فقد تم قَطْع بث القناة بأكملها من الأقمار الصناعية، وبعد 7 دقائق؛ ظهر رَجُلٌ أنيق جالسًا على كرسيٍّ فاخر، يعتذر بلهجةٍ رسميةٍ صارمةٍ للمسلمين كافّة، ويعترف بالخطأ! 

اتضح -فيما بعد- أنّ المعتذر هذا هو: "وزير الإعلام الكوري"، الذي ألقى باللوم على تواضع ثقافة الضّيف الصّيني تجاه الدّين الإسلامي، ثم قدّم اعتذارًا ثانيًا للمملكة العربية السعودية لاستخدام زيّها الوطني بشكل مُهين وغير لائق".

7 دقائق – فقط - كانت كافية ليعقد الوزير اجتماعًا طارئًا، ويَسِن قوانين؛ ويفرض عقوبات؛ ويُفَنِّد اتهامات فإذا هي: التّصرف البشع، واتهام شرف المسلمين، وعدم مراعاة الجُهَّال من المشاهدين الذين يصدقون ما يرون، وسوء استخدام الزّي السّعودي، واحتواء البرنامج على لقطات عنيفة رغم أنه برنامج عائليّ يشاهده الأطفال! 

أمّا عن العقوبات فكانت: إيقاف بث البرنامج مدة شهرين؛ وغلق القناة مدة ثلاثة أيام؛ وإلزامها ببث اعتذار ثابت طيلة هذه الفترة على شاشتها وعلى موقعها الألكتروني وموقع البرنامج، كذلك ترحيل الضّيف الصّيني لبلاده بعد سجنه 48 ساعة! 

الحقيقة بعد قراءتي للمقال؛ وجدتُ أنّ الصّمت أبلغ ما قد يقال مِن كلامٍ مضغناه، ولُكنَا حروفه حتى ملَّ منّا ولم نمِلّ، ففي بلادنا حيث نعيش نكْبَتنا المعتادة؛ سنسخر – بالتأكيد - ممن يحاول المقارنة بين ما فعله الكوريون لمجرد لقطة عفوية غير متعمَّدة؛ بينما مسلسلاتنا وأفلامنا العربية والإسلامية وكُتُبُنا بل وكثير من المثقفين والمبدعين والمفكرين والإعلامين يسخرون من الإسلام والمسلمين وينتقدون، ونحن وهم نعاود الضحك الأبله. 

سنسْخَر ممّن يقارن بين إعلامنا وإعلامهم، بين مسؤوليهم ومسؤولينا، بين ثقافة الاعتذار التي يحترمون بها شعوبهم والتي لا نعرف عنها شيئًا، بين قدرتهم على إدارة الأزمات ومواجهتها بحسمٍ، وبين قدرتنا على المجابهة بالقبيح من الألفاظ والرّدح "الشّرقي"الذي أتقنّاه، بين احترامهم للطّفل؛ والجُهّال؛ وضعاف العقول من المشاهدين، وبين الرؤية البلهاء التي نمارسها.. والتي تجعل هؤلاء عندنا مجرد قطيع غنم يُساق.

ماذا يهمنا إن كان الغرباء لنا ينتصرون، ونحن نصنع هزيمتنا بأنفسنا؟!ومع ذلك فمازال الأمل يحدُوني، ولله دَرُّ مَن قال: أنتظر فجرًا .. لأمّةٍ تَعرّت تبحث سِترًا.. لأمّةٍ تفرّقت شِبرًا شِبرًا.. لأمّةٍ تشبعتْ ذُلًّا وعهرًا.. أنتظرُ فَجرًا يُعيد فَجرًا.
-------------------------
بقلم: حورية عبيدة

مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | صفحة من تاريخ الأفاعي الأسود





اعلان