18 - 04 - 2024

حينئذ يكون يوم المرأة العالمى فعلا

حينئذ يكون يوم المرأة العالمى فعلا

من بين أكثر قضايا المرأة حساسية وواقعية لحد البكاء، موضوع تحرش الرجال وخاصة  ذوو المراكز القيادية وأصحاب القرار المهيمن على تحديد مستقبل المرأة المهني، إما بالترقى أو بالقضاء عليه تماما، وهي قضايا سكت عنها طويلا حتى فجرتها حملة "أنا أيضا" والتى بدأت فى هولييود، وبعدها انفجرت فى وجوهنا قصص النساء اللاتي تم التحرش بهن فى جميع أماكن العمل، حتى وصلت إلى رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب وقبله الرئيس بيل كلينتون، وقيل وقتها إنه دفع مئات الآلاف من الدولارات لإسكات النسوة اللاتى فضحنه.

هنا يأتى السؤال، لماذا يتصور الرجال فى كل أنحاء العالم أنه من حقهم التحرش بالنساء كحق ذكوري مكتسب تأصلت جذوره عبر قرون طويلة، ربما بدأت من أيام الحياة الأولى، حيث كانت تصور العلاقة بينهما ورسمت على الجدران أو هكذا أوصلوها لنا بأنه يأخذها عنوة.. وصولا إلى الرسم الشهير لرجل الكهف الذى  يجر المرأة من شعرها فى استهانة رهيبة بكرامتها، وظلت سنوات ترى هذا الرسم المهين وتشارك فى الضحك ربما مجبرة أو مشاركة للاتجاه العام، على أنها سخرية من الماضى وهى تعرف أن الحاضر، رغم فروق التوقيت ورغم ورق سوليفان الحضارة والتقدم والتطور المعرفى و الثقافي، أكثر قسوة وانحطاطا واستغلالا سيئا لحاجة المرأة للعمل فى معظم الأحيان، فيتم الضغط عليها نفسيا لاستغلالها جنسيا رغما عنها، أو استغلال طموحها للوصول إلى ما تصبو إليه من نجاح، فتشارك فى معركة الصمت وتتسبب فى سقوط ضحايا جدد، فمن أمن العقاب أساء الأدب والتحرش حتى يصل إلى الاغتصاب الفعلي، ومازال الصمت والتواطؤ مهيمنا!

الإنسان بطبيعته لا يتحمل أن يلقى فى وجهه بالحقيقة، خاصة عندما يستقر الخطأ اجتماعيا على أنه حق وليس جريمة، وإذا صنف فى غفلة من الزمن على أنه جريمة، فيستحسن أن يفهمه الرجل بطريقة "تاتا.. خطي العتبة" أي واحدة واحدة. فيأتي دور الفن الجميل فى إيصال مأساة جريمة التحرش من خلال الدراما وخاصة السينما ليظهر قبح الجريمة الجنسية، عبر شرح تفاصيلها فى أقصى تجلياتها رعبا بالنسبة للنساء.. تتغير التفاصيل ويظل الرعب واحدا.. ويظل السؤال يؤرق  الليالى.. لماذا يحدث لى أنا بالذات؟.. طبعا لأن السابقات عليهن واللاحقات بهن التزمن وعائلاتهن الصمت، فالفضيحة دائما أنثى أما الرجل فلا يعيبه إلا جيبه  فى تبرير مجتمعى منحط!

والأغرب أن كثيرا من الرجال لا يرونها جريمة، آه والله، بل أن المتعصبين والمتزمتين والمتنطعين قد يرونه عقابا لمن تجرأت وتصورت أن لها دورا خارج إطار منزل الزوجية ونزلت إلى معترك الحياة العامة، تزاحم الرجل وتتفوق عليه أحيانا وتنال مناصب قد يرى أحقيته بها، لا للتفوق إنما فقط لذكورته.

حتى اللواتي خرجن للخدمة المدنية أو الأعمال الخيرية تستحقن ما يحدث لهن، لأنهن فى رأي هؤلاء "لم يقرن فى بيوتهن" كما أمرهم دينهن، فعرضن أنفسهن للذئاب الهائجة، فليتحملن مايحدث لهن!

التحرش فى أماكن العمل، حدث عنه ولا حرج، فما أن تم الإعلان عنه وكشف المستور.. حتى توالت الاعترافات وتفجرت الفضائح وطارت أعناق عن مناصبها وما كانت هذه الديناصورات تتصور أن يتم الاقتراب منها، فمراكزهم وسلطاتهم ونفوذهم وأموالهم حمتهم عقودا طويلة حتى أصبح المجتمع مستعدا لمواجهة سقطاته وانتهاكاته وانحرافات رجاله تجاه النساء.

اعترفت بعض النساء أنهن اضطررن للرضوخ للتهديدات حتى لا تتحطم أحلامهن، ورغم الموافقة الظاهرية على ذلك التحرش إلا أنه بحسب  القانون الامريكى يعتبر إجبارا وابتزازا، فمجرد أن له سلطة عليها فى مكان العمل يعتبر ذلك تحرشا واستجابة مقهورة وتصبح ضحية لجنون ذكر وهو الجنس المهيمن على الحياة، حتى إشعار آخر لانراه قريبا ولكن مايجري من فضح خطوة فى الاتجاه الصحيح!

هل المجتمع العربى أو المصرى مستعد لكشف المستور؟ فلا يتم تهديد الضحايا والشهود إذا ما كان المتحرش من أهل السطوة والنفوذ، وله ألف ظهر وظهر يحميه، في ضوء صيغة إنتِ مش عارفة أنا ابن مين؟ يحميه من العقاب ويحول الضحية إلى فتاة ليل إذا ما اقتضى الأمر عبر تلويث السمعة وإفقاد المصدقية أمام المجتمع، ليفلت المجرم من العقاب، مع تواطؤ المجتمع الذكورى معه إلا من رحم ربي. 

فى داخل كثير من الرجال الشرقيين تلك الأمنية السوداء، المختبئة فى أعماق الرغبات السفلية بأنه قد يكون محظوظا وينال أكبر عدد من النساء كرها وغصبا وينجو بفعلته بتواطؤ المجتمع الذى يحن إلى عصر الحرملك والجوارى.. فيعوضه باستهداف ضعاف النساء والطموحات منهن على حد السواء.. ما دامت النتيجة تصل به معهن إلى غرف النوم المظلمة بالنوايا المنحطة!

عندما تنتهي من حياتنا جرائم التحرش والاغتصاب، ولا يتم تجريم الضحية وتبرئة المتحرش،  وقتها يمكن أن أسعد وأحتفل بيوم المرأة العالمي وأنا مطمئنة وسعيدة.. وتحيا المرأة مرفوعة الرأس، دائما فى كل أيام العام، فخورة بنون النسوة!
-----------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة





اعلان