16 - 04 - 2024

مساكين يعملون في "الشهر العقاري"!

مساكين يعملون في

الذاهب إلى أي فرع شهر عقاري هذه الأيام لتسجيل شقته، أو لقضاء أي مصلحة أخرى، كالذاهب من الدار إلى "الزار"! 

فور دخولك لعمل "توكيل قضايا" مثلا، عليك أولاً شراء النموذج من البنت صاحبة كشك تصوير المستندات في صمت، وانتظار دورك لملئه بمعرفة الموظف المختص، ثم تذهب به إلى موظف آخر لتسجيله في الدفاتر، وبعد ذلك تقوم بعملية "تقدير الرسوم" عند موظف ثالث - مختص- تليها الدفع للصرّاف في الخزينة، ثم تحمل النموذج إلى موظف الميكروفيلم، فيأخذ منك رسوما أخرى، ويتعطف عليك في عظمة وكبرياء بإمضائه الكريم، مثل ملك يوقع وثيقة تنازله عن العرش.

وعليك العودة مرة أخرى إلى الموظف الثاني "ماسك الدفاتر"، لاستيفاء ما جد على النموذج من كتابات غير مفهومة وإمضاءات "فورمة" وتقديرات وأرقام، بحيث أصبح أكثر تعقيدا من لوحات سلفادور دالي!

وقديما قال أجدادنا الحكماء "من بره الله الله.. ومن جوّه يعلم الله". 

هذا هو - بالضبط- حال مكتب الشهر العقاري في منطقة الدقي، الذي تتصدّر بابه لافتة كبيرة مكتوب عليها "مكتب التوثيق المطور"، ولكن إذا دخلت من الباب فلن تجد أي تطور، بل ستجد فوضى ضاربة في كل مكان، ومئات المواطنين الجالسين على مقاعد الانتظار "نافدي الصبر" بعد أن رمت بهم مصالحهم إلى هذا المكان رغما عنهم.

تدخل المكتب في العاشرة صباحاً، لاستخراج "توكيل عام" مثلاً، وتظن - وبعض الظن إثم- أنك أول من وصل إلى فرع المصلحة، فتجد قائمة انتظار من 92 شخصاً جاءوا قبلك، بعضهم كان جالساً طول الليل على قهوة تفتح 24 ساعة بجوار الشهر العقاري، ليكون أول من يسجل اسمه عندما يُفتح الباب لتسجيل الأسماء في الساعة التاسعة!

92 شخصا أمامك يا مواطن، مع العلم أن احتمالية عمل توكيلات،أو سداد رسوم، أو تحرير "إقرار بالشهادة".. إلخ، لهذا العدد حتى انتهاء وقت العمل تُعد ضربا من الخيال، بمعنى أنك قد تنتظر حتى مواعيد الانصراف ولا يأتي دورك، و"انت وحظك".

ولو جرؤت على السؤال، إن وجدت موظفاً يسمع لك، يُقال لك "في نقص موظفين يا أستاذ"، ومن الأفضل لك أن تذهب لعمل التوكيل في محل اقامتك، حتى لو كنت من سكان أعالي الصعيد، فسوف تستغرق وقتا أقل في الذهاب والعودة، قبل أن يأتي دورك هنا!

وحين تصل إلى مرحلة "ختم النسر"، إن وصلت، فسوف يتبيّن لك مدى نجاح الحكومات المتعاقبة منذ أيام السادات حتى الآن في محاربة الروتين، وأي نجاح؟. والحقيقة أن ما قرأناه وسمعناه على مدار 40 سنة من تصريحات رسمية عن "محاربة البيروقراطية" ليس أكثر من غش سياسي.

وهذا - للأسف- هو الحال في 4 مكاتب شهر عقاري دخلها كاتب السطور، هي مكاتب الدقي وشارع مراد بالجيزة وشارع ربيع الجيزي والبدرشين، وجميعها مداخلها مظلمة في عز النهار، وتنتشر على سلالمها القمامة والمخلفات.  

أمّا عن أرشيف الشهر العقاري الورقي القديم، قبل أن يصبح متطورا إلى هذه الدرجة، فهو مرمي في كل مكان على سلالم المدخل الخلفي، حيث سترى بعينيك الأوراق الرسمية "عزيزة المنال" ملقاة على السلالم بجوار القمامة والزجاج المكسور، والدواليب مفتوحة على مصاريعها لكل من هب ودب! هذا هو الحال الذي يغني كل مقال، وسلّم لنا بقى ع التطوير! 
--------------------
بقلم: طايع الديب

مقالات اخرى للكاتب

تحطيم الآلهة | محمود السعدني..





اعلان