20 - 04 - 2024

عبد الناصر ... ومأساة غياب الحزب البديل

عبد الناصر ... ومأساة غياب الحزب البديل

مشكلة جمال عبد الناصر أنه كان يعي الكثير من الأخطار المحدقة بتجربته الثورية من ناحية، وكان يدرك الكثير من المخاطر التي تهدد إمكانية استمرار نظامه بعده من ناحية أخرى، فراح يواجه الأخطار التي أحدقت بالتجربة الثورية على طول مسيرة الثورة، ولم يمهله الزمن، وتجوز المجازفة بالقول إنه "تراخى" في مواجهة المخاطر التي تهدد استمرار النظام السياسي الذي أسسه على مدار 18 سنة.

يحكي هيكل أن جلسة ضمته هو وأنور السادات، طرح عليهما عبد الناصر سؤالاً وتولي هو بنفسه الإجابة عليه:

"هل يتصور عاقل أن الأمريكان سوف يتركون مصر في حالها عندما أذهب؟".

لم يكن يسأل، لكنه بدا كأنه يفكر بصوت عالٍ أمام الحضور، ولذلك تابع حديثه ليؤكد: "مش ممكن طبعاً"، ثم استطرد يقول: "من يدري أنهم لا يقومون الآن بإعداد رجل مثل سوهارتو في مكانٍ ما من صفوف الجيش".

والغريب أن السادات هو الذي بادر بالقول:" لو أن أحداً يدلني على مثل هذا الرجل وأين هو؟، لقطمت رقبته بإيديا دول".

**

كانت قضية استقلال القرار الوطني هي الشغل الشاغل لجمال عبد الناصر منذ البداية، وعلى أساسها اتخذ قرارات مهمة وتاريخية مثل صفقة الأسلحة الروسية منتصف الخمسينيات، ثم القرار الهائل بتأميم قناة السويس، وما ترتب عليه من متغيرات في مصر والمنطقة والعالم، ومن بعد اكتشف أن استقلال القرار والإرادة الوطنية يلزمها تنمية شاملة، فانشغل عبد الناصر بخطط التنمية من بداية الستينيات حتى هزيمة يونيو 1967، وحققت خطط التنمية في تلك السنوات القليلة معدلات نمو، ونجاحات اقتصادية غير متوقعة، وفاقت الإنجازات على الأرض كل التوقعات.

جاءت النكسة لتمثل أقوى الضربات الموجهة إلى تجربته الثورية، وانشغل عبد الناصر في أعقابها كلياً بإعادة بناء القوات المسلحة تمهيداً لإزالة آثار العدوان وتحرير الأرض، وفي تلك الأثناء زادت متاعبه الصحية عن أي وقت مضى.

في تلك الفترة كانت قناعة عبد الناصر قد ترسخت بأهمية التغيير (خاصة بعد النكسة)، وفي أعقاب الخروج الجماهيري الكبير لرفض الهزيمة وتحميله مسئولية إزالة آثارها، ثم الخروج الطلابي والشبابي الكبير رفضاً للأحكام العسكرية المخففة على المسئولين العسكريين في حرب 1967، أدرك عبد الناصر ـ كما لم يحدث من قبل ـ أن النظام السياسي لم يعد قادراً على الاستمرار بالصورة التي كان عليها، وأن الهزيمة أظهرت عورات هذا النظام مكشوفة أمام الجميع.

ورغم وعي عبد الناصر بأهمية وضرورة التغيير، وادراكه أن أي تغيير حقيقي لابد أن يتضمن إقامة حزب للثورة يكون قادراً على المشاركة في صناعة القرار في حضوره، ويكون بديلاً عنه في حالة غيابه، رغم ذلك، إلا أن قضية بناء الحزب القادر على قيادة الدولة لم تأخذ مساحتها المطلوبة في انشغالات عبد الناصر.

ورغم محاولاته الجادة في إعادة بناء الاتحاد الاشتراكي، إلا أنه نشأته في أحضان النظام كانت قد أضرت بقدرته على أن يكون هو الحزب البديل عن وجود عبد الناصر، ثم كانت مفاجأة رحيله التي وضعت مصر في مهب رياح التغيير، ولكن على الطريق العكسي لمسار الثورة، وانتهى إلى هزيمتها وخلعها نهائياً من السلطة.
-----------------------
بقلم محمد حماد

مقالات اخرى للكاتب

محمد حماد يكتب: خسائر إسرائيل في





اعلان