(1)
لم تكن يناير مؤامرة، إنما ثورة شعبية تم التآمر عليها.
( 2 )
عقد من الزمن مر على ثورة 25 يناير المجيدة، بينما تتصارع عليها رؤيتان متناقضتان، الأولى متعجلة ومغرضة تريد أن تهيل ركاما ثقيلا على إرادة التغيير إلى الأفضل التي انعقدت للأمة المصرية في لحظة فارقة. وراح أصحاب هذه الرؤية ينعتون الثورة بالمؤامرة، مستغلين مشهداً جانبياً معزولاً، سمح لهم بتوظيفه في دعاية سوداء مسمومة بغية أن يفقد الشعب الثقة في نفسه، ويتخلى عن رغبته في الانتقال إلى وضع يليق به، ويرضي من الغنيمة بالإياب، وينسى ما قدمه من تضحيات.
أما الرؤية الثانية وهي الأصوب، والتي ستستقر تاريخيا، فتنطلق من أن يناير كانت ثورة عظيمة تآمرت عليها سبعة أطراف أو جهات أو لنقل ثعالب، أولها جماعة الإخوان التي رأت فيها فرصة سانحة كي تقفز إلى السلطة متخلية، بل متنكرة، للاتجاه المدني الوطني للطليعة الثورية وللقاعدة الشعبية التي انضمت إليها.
وثانيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تسلم الحكم من مبارك فاعتبر الثورة مجرد انتفاضة تخلص بها من سيناريو توريث الحكم، ليعيد السلطة إلى ما يراها شرعية ثورة 23 يوليو 1952.
وقد تحالف هذان الطرفان مؤقتاً، وكل منهما كان يتربص بالآخر، وكان لتحالفهما ثم صراعهما أثر كبير في تعويق المسار الثوري، بل إن استمرار الإخوان في مزاعمهم بأنهم أصحاب ثورة يناير يعطي السلطة الحالية فرصة سانحة للتعمية على الثورة وإزاحة رموزها من المشهد، اتكاء على رفض الشارع بصفة عامة لتدبير الإخوان وتفكيرهم، وتحميلهم مسؤولية كثير مما جرى.
والثالث هو أركان النظام الذي قامت الثورة ضده، فهؤلاء رسخوا لطول بقائهم في السلطة ركائز قوية، مالية وبيروقراطية وأمنية وإعلامية، كانت قادرة على الصد والرد، فحولوا بهذا خسارتهم الفادحة فور سقوطهم عن الحكم إلى نجاح متدرج، وتسللوا مرة أخرى إلى الواجهة، خاصة في ظل التشويه المتعمدة للثورة، والذي شاركهم فيه المجلس العسكري، الذي كان يقاوم التغيير الجذري، وجماعة الإخوان وحلفائها من التيار الديني التي كانت تصارع الروح المدنية والوطنية والشعبوية ليناير.
والرابع هو قوى إقليمية رأت أن التغيير الجذري في مصر يهدد نظمها واستقرار بلدانها، من منطلق اقتناع أوجدته حكمة التاريخ ومعطياته يقول إن مصر إن تغيرت تغير العالم العربي، بل الشرق الأوسط برمته.
والخامس هي القوى الدولية، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي اعترفت على لسان كبار مسئوليها بأن الثورة المصرية قد فاجأتها وسارعت إلى بناء شبكة علاقات وأنماط تحالف تحافظ على مصالحها، ولم يكن هذا التوجه في جوهرة إلا المساعدة في استعادة النظام الذي كان تتعامل معه كصديق أو حليف، أو البحث عن بديل آمن للمصالح الأمريكية، وهنا ظهر التقارب مع الإخوان والتعويل عليهم.
أما الطرف السادس فيتمثل في الانتهازيين من الثوار أو ثوار ما بعد الثورة، أولئك الذين سارعوا إلى تكوين ائتلافات لا يجمع بينها ناظم حقيقي، وبعض القائمين عليها كان همهم الأساسي هو استغلال المد الثوري في اقتناص المنافع الشخصية، وكان من بينهم أناس على علاقة قوية بالنظام الذي قامت ضده الثورة، بل إن بعضهم كان يقع في قلبه، لكنه قفز من السفينة في الوقت المناسب.
والطرف السابع هو القوى السياسية الحزبية التقليدية التي كانت تعيش على الفتات المتاح من نظام مبارك، وترضى بالهامش البارد الذي تم رسمه لها، ووجدت في الثورة ما يهدد وجودها ومصالحها، فجارتها ونافقتها في العلن، مظهرة تأييدها لها، ولعنها في السر، ثم سعت إلى إجهاضها، بالتواطؤ مع كل الأطراف التي عملت في هذا الاتجاه.
وأعتقد أن الثورة المصرية، التي انفتح قوسها الأول في 25 يناير 2011 ولم ينغلق بعد، تمتلك قوة دفع داخلية كامنة، تتمثل في رغبة شعبية متسعة في تحسن الأوضاع، وتغير الأحوال إلى الأفضل في المجالات كافة، وستكون لها الكلمة العليا في نهاية المطاف، ولو بعد زمن.