24 - 04 - 2024

شاهد على العصر (30) زيارة إلى الجولان المحتل ووقوف على قبر صلاح الدين

شاهد على العصر (30) زيارة إلى الجولان المحتل ووقوف على قبر صلاح الدين

ستظل سوريا قلعة للنضال العربي، متمسكة بعروبتها مؤمنة بقوميتها، فلا غرابة أن فكرة القومية العربية بدأت فى الشام وروادها ومؤسسوها منهم من كان من سوريا. 

سوريا على مدار التاريخ كانت المفتاح الشرقى لعالمها العربي، فلا حرب بدون مصر ولاسلام بدون سوريا. واذا كانت وحدة مصر وسوريا طريق انتصار صلاح الدين الايوبي على الصليبيين، أصبحت وحدة البلدين فى 22 فبراير 1958 هى التتويج للتوحد العربى الذى تم استهدافه من القوى الاستعمارية حتى لاتكون هذه الوحدة هى حائط الصد ضد هذه المؤامرات. 

ولذا نجد الإصرار على احتلال الجولان السورية بعد نكسة 1967 دليل على أهمية الدور السورى العربى. ولأهمية الجولان الاستراتيجية كانت رحلتنا الثانية إلى سوريا عام 2009 خاصة بزيارة الجولان وللتضامن العربى مع سوريا فى معركتها لاستردادها وضد عملية تهويد هذه الأرض العربية. 

كان المؤتمر الذي نحضره على مستوى جميع الأقطار العربية ووفد مصر من أكبر الوفود المشاركة. نزلنا فى فندق البريستول (أنشئ وافتتح فى عهد الرئيس حافظ الأسد)، وبالطبع كانت الوفود موزعة على جميع الفنادق فى سوريا. عقدت اجتماعات وورش عمل حول قضية الجولان وتاريخها وأهميتها بالنسبة لسوريا ولماذا تصر إسرائيل على الاستمرار فى احتلالها. فالجولان هضبة تقع فى بلاد الشام بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل الشيخ من الشمال، تابعة إداريا لمحافظة القنيطرة وهى جزء من سوريا وتتبع لها. 

احتل الإسرائيليون جزءا منها فى حرب 1967 وأصبحت من قبل الأمم المتحدة أرضا سورية محتلة وتطالب الحكومة السورية بتحريرها وإعادتها للسيادة السورية، فى الوقت الذى أعلن فيه الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته تبعيتها لإسرائيل فى ديسمبر 2017 مسقطا الواقع ومتجاوزا للقانون الدولى. 

تقع الجولان فى الجزء الواقع غربى خط الهدنة عام 1974 بعضهم من العرب أصحاب الأرض إضافة لمستوطنين يهود استوطنوا الهضبة بعد 1967. وبقي الدروز والعلويين هم السكان الأصليون فى الجولان رغم احتلاله ويقيمون فى التجمعات السكانية العربية فى مدن (رمزى ..مجدل شمس..مسعدة..وبقعاثا).

وأغلبية من بقى بعد التهجير فى الجزء الخاضع لاسرائيل هم من الدروز وقد رفض معظمهم حمل الهوية الاسرائيلية ويحملون الآن صفة مايسمى (مقيم دائم) فى إسرائيل، حيث يتمكنون من ممارسة أغلب الحقوق الممنوحة للإسرائيلىين ماعدا التصويت فى انتخابات الكنيست. 

يوم زيارة الجولان استقللنا الأتوبيسات مخترقين محافظات وبلدات سورية، الشئ الذى جعلنا نشاهد المجتمع والواقع السوري بشكل مباشر، مما جعلنا نشعر بالدفء العروبى وبالارتباط القومى. 

وصلنا للجزء التابع لسوريا ووجدنا فى استقبالنا الدروز السوريين بملابسهم التراثية المميزة والمبهرة، كانوا فى حالة من السرور والبهجة والفرح مما أزال كل الحواجز التى كان يمكن أن نتصورها، خاصة أننا ولأول مرة نشاهد ونتعامل مع الدروز. 

أول ماسمعت عن الدروز كان لكون الفنان فريد الاطرش منهم وان والده وعائلته كانوا أمراء لهذه الطائفة. عرفت أن الدروز لهم عقيدة دينية خاصة جدا، ولايعرف أسرارها أحد سواهم، ولكن بالطبع عندما تتعامل معهم تتأكد أنهم يدينون بالإسلام! رحبوا بنا رجالا ونساء، كانوا قد أقاموا لنا معرضا لمنتجاتهم التراثية والخاصة بهم، اختلطنا بهم وكان الاهتمام الأكبر والجزء الأهم هو التعرف على عاداتهم وتقاليدهم. 

كانت الخلاصة هو تمسك هذه الطائفة بتلك العادات والتقاليد لأنها هى هويتهم وسر بقائهم، خاصة أنهم يتمسكون بها لإثبات هويتهم فى مواجهة الهوية الاسرائيلية، حتى أنهم كانوا يقولون لنا أن ملابسهم وتراثهم (حتى الشارب المميز بكثافته) تراث وهوية لايمكن التنازل عنها، مع العلم أنك يمكن أن تعتبر الجمال الدرزي خاصة عيون النساء ذات الجمال الخارق من أهم مميزات تراث هذه الطائفة. 

تجولنا فى المنطقة وصولا للخط الفاصل بين الجولان السورية وأرض الجولان المحتلة بسلك شائك والتى شاهدنا فيها جنود الاحتلال الصهيونى يتجولون ناظرين الينا بطريقة مستفزة جعلت بعضنا يحاول الاحتكاك بهم، عدنا إلى دمشق وكان ينتابنى إحساسان: الاول كنت سعيدا بالتعرف والمشاهدة لهذه المنطقة التى تمثل جزءا من الامة العربية. الإحساس الآخر هو كم من المرارة الناتجة من المشاهدة الفعلية على أرض الواقع لهذا الاحتلال الصهيونى الاستيطاني، تلك المرارة التى لن تغيب بغير عودة الجولان للسيادة السورية العربية مهما طال الزمان. 

كان أحد الزملاء الناصريين من سوريا قد وجه دعوة لنا لزيارة جبل قاسيون، وجبل قاسيون هذا يشرف على العاصمة السورية دمشق ويعد امتدادا جغرافيا لسلاسل الجبال السورية القريبة، يعلو سطح البحر لأكثر من 1150 مترا، ولايزور سائح سوريا دون الصعود الى جبل قاسيون حيث المنتجعات والكافيهات المقامة على سفح الجبل والتى تطل على العاصمة دمشق، كما أنك لو كنت نزيل فندق (دمشق) وسط العاصمة وصعدت إلى المطعم اليابانى ذو السقف المتحرك (مثل مطعم برج القاهرة بالجزيرة) تشاهد كل معالم دمشق والأهم مشاهدتك لجبل قاسيون بأنواره المتلألئة فى الليل، الشئ الذى يخلب الأنظار ويسر القلوب، زرنا جبل قاسيون وتناولنا طعام العشاء فى جو عربى إخوى رائع. 

الزيارة الثالثة

جاء مايسمى بالربيع العربى بداية من تونس إلى مصر مرورا بليبيا وصولا إلى سوريا، قيل إنها ثورة سورية ضد نظام بشار الأسد، فى زياراتى السابقة لسوريا ومن خلال الاتصالات وحضور المؤتمرات السياسية فى أنحاء الوطن العربى مع الكوادر والقيادات السياسية العربية من كل الاتجاهات القومية والعربية والناصرية، كانت هناك ولا تزال علاقات سياسية وإنسانية مع قيادات حزبية وسياسية عربية وبالطبع منها قيادات الأحزاب السورية. 

تابعنا مايحدث فى سورية وكنا على علم بأن مايسمى بالثورة لاعلاقة لها بالقوى السياسية والحزبية السورية ولكنها جماعات خارجية، تم توجيه دعوة خاصة لي من وزير الإعلام السوري، ومعى الزميل فاروق العشرى وهو قيادة ناصرية لزيارة سوريا فى أول أكتوبر عام 2011 (حضرنا صدفة الاحتفال بنصر أكتوبر فى سوريا). نزلنا فى فندق دمشق وسط العاصمة دمشق، كان فى انتظارنا وزير الإعلام وتم لقاء بمكتب الوزير استطلعنا فيه الأوضاع السياسية والتى لم تكن كانت قد احتدمت للدرجة التى حدثت بعد ذلك. 

كان من أهداف الزيارة مقابلة زعماء الأحزاب فى سوريا وعلى رأسها الأحزاب المعارضة للتعرف على توجهاتهم وموقفهم السياسى من هذه الاحداث، التقينا قيادات الحزب الناصرى السورى وكذلك قيادات حزب الاتحاد الاشتراكى العربى السورى وأحزاب أخرى معارضة، تركز الحوار فى جانبين، الأول: رفض كل الممارسات الإرهابية التى تتم تحت دعوى الثورة، الثانى: لابد من انفتاح سياسى حقيقى وحريات حقيقية تؤدى إلى تداول السلطة. 

التقينا مرة أخرى بوزير الإعلام وكان هناك برنامج اعلامى تم من خلاله عمل لقاء تلفزيوني فى التلفزيون السورى وكذلك لقاء للإذاعة السورية إضافة إلى أحاديث صحفية لجريدتي البعث السورية والثورة. كان محتوى هذه الأحاديث رفض أي عمليات إرهابية تهدف إلى تفتيت التوحد السورى تحت مسمى ثورة، إضافة إلى مطالبتنا للنظام السورى بفتح المجال السياسى الديمقراطى والتعددية السياسية الحقيقية حتى تكون هناك فرصة لتداول السلطة. وللحق تكلمنا فى وسائل الإعلام هذه بكل حرية وقلنا مانريد بلا تحفظات مما جعل بعض الزملاء السوريين عند زيارتهم للقاهرة بعد ذلك يطلبون مقابلتى لشكرى على هذا الموقف السياسى والعروبى.

تمت دعوتنا من وزير الإعلام للغداء فى أحد المطاعم السياحية بأحد المنتجعات وكان معنا رئيس جامعة دمشق ورئيس تحرير جريدة البعث السورية وبعض الشخصيات السورية النافذة، كان غداء عمل استمر أكثر من أربع ساعات يتخللها الطعام والشراب والحلو والمكسرات السورية، وغادرنا مساء ذلك اليوم. 

من المفارقات أنه بعد عودتى مساء من سوريا الى القاهرة، عدت إلى القوصية أسيوط مستقلا سيارة من موقف المنيب، وحتى اكتمال ركاب السيارة ذهبت لتناول كوب شاى من أحد النصب الموجودة بالموقف فجلست على حجر على الأرض لعدم وجود كراسي، تحركت السيارة إلى القوصية وكان معى أحد شباب القوصية الذى لا أعرفه، وفى الاستراحة وسط الطريق نزلنا فقال لى: أستاذ جمال أنت متواضع قوى، إزاى تجلس فوق حجر على الأرض فى موقف السيارات، بصراحة وللحق أنا لم افكر لا فى الجلوس ولا أن يسألنى أحد مثل هذا السؤال. قلت له لا تستغرب، ما رأيك أني منذ عشر ساعات كنت ضيف وزير الإعلام السورى ومع النخبة السورية؟!

زيارة رابعة

احتدم الصراع وتداخلت كل القوى الأجنبية فى المشكلة السورية إلا الدول العربية، التى أخذ كل بلد منها موقفا مع أو ضد النظام السورى من باب تصفية الحسابات مع النظام دون النظر إلى الشعب السورى والدولة السورية الشقيقة، غير أن مصر وبالرغم من ظروفها فيما بعد 30 يونيو رفضت أي موقف ضد السلطة السورية الشرعية. صمد الشعب السورى ووقف مع سلطته الشرعية وحقق كثيرا من الانتصارات، كان من الطبيعى أن نذهب الى سوريا الحبيبة للتضامن مع شعبها الشقيق. 

شاركت في وفد للتجمع العربى والإسلامي لخيار المقاومة، كانت الزيارة تهدف إلى مقابلة كل القيادات السياسية الرسمية والحزبية كنوع من التضامن مع الشعب والقيادة، وصلنا الى مطار لبنان حيث أنه لايوجد طيران بين مصر وسوريا!! ركبنا أتوبيس من بيروت الى الحدود السورية، نزلنا وتمت إجراءات الدخول الى سوريا، أخذنا أتوبيس إلى دمشق، ونزلنا فى فندق الشام. 

كانت الأجواء غير ماسبق فى الزيارات السابقة حيث مناخ الحرب ومظاهر الحرص والحذر، تجولنا فى العاصمة فى جو طبيعى لم نشعر بكثير من التغيير الذي نشاهد بعض مظاهره. 

كانت المقابلات التى تمت مع نائبة رئيس الجمهورية السورية دكتورة نجاح العطار، وهى أديبة مرموقة وكانت من أشهر وزراء الثقافة السوريين، تحدثت بلغتها العربية المميزة والآسرة فى إلقائها، استقبلتنا نائبة الرئيس فى قصر الضيافة ذلك القصر الذى كان ينزل فيه الرئيس جمال عبد الناصر أثناء زيارته لسوريا بعد وحدة البلدين. ومن الجدير بالذكر أن أول مؤتمر جماهيرى عقده عبد الناصر فى سوريا كان من شرفة هذا القصر، وقام الشعب السورى عند استقبال بحمل عبد الناصر بالسيارة التى يستقلها فوق الأعناق فى واقعة غير مسبوقة فى التاريخ! التقينا بالأمين العام لحزب البعث السورى الحاكم وتحدثنا عن الظروف التى يمر بها الشعب السورى البطل وكيفية التحرك السياسى المستقبلى وفى إطار التوحد السورى حتى لاتكون هناك فرصة للاختراق، تقابلنا مع جميع رؤساء الأحزاب السورية فى الداخل السورى والمعارضة، ولكن فى إطار العمل الوطنى الذى يخدم الجماهير. 

كان هناك لقاء مع رئيس مجلس الشعب السورى فى مكتبه مع بعض أعضاء المجلس، دار حوار متعمق من الجانبين لتعزيز التوحد العربي، وبعد تقديم الهدايا التذكارية، وجه لنا رئيس مجلس الشعب دعوة للعشاء على شرف الوفد فى أحد مطاعم دمشق القديمة التي تتميز ببيوتها والتى يطلق عليها البيوت العربية وتمتاز بقباء داخلى تحيطه الغرف وتتوسطه بحيرة جميلة ويتكون من طابق واحد أو طابقين وفيه كثير من الفنون المعمارية وتطل على الفناء المليء بأحواض النباتات والأزهار تتوسطه البحيرة الشامية الدمشقية الشهيرة. 

تحتوى المدينة القديمة على الكثير من المساجد والجوامع والكنائس والمدارس التاريخية والمقامات والأضرحة، إضافة إلى قصور وشوارع مرصوفة بالحجارة وحواري مسكونة بعبق التاريخ. 

وأهم معالم دمشق القديمة الجامع الأموي وبه رأس القديس يوحنا المعمدان (النبى يحي)، والبيمارستان النورى والذى اصبح متحف الطب والعلوم عند العرب، وهناك أيضا قلعة دمشق والمتحف الحربي السوري والتكية السليمانية وضريح صلاح الدين الأيوبي، تناولنا العشاء فى جو عربى وتاريخى ساحر، وبالطبع لايمكن لأى زائر لسوريا ألا يذهب إلى سوق الحميدية الشهير. 

وسوق الحميدية هو من أشهر الأسواق فى دمشق والعالم العربي، وهو عبارة عن سوق مغطى بسقف من الحديد ملئ بالفتحات الصغيرة التى تنفذ منها الشمس أثناء النهار ومبلط بحجر البازلت الأسود، وهو شارع رئيسى تتفرع منه حارات تمتليء بمحلات للبضائع ذات الطابع السورى المحلي، وقد وصفه المؤرخون بأنه مدينة تجارية صناعية. 

زرت المسجد الأموي وضريح صلاح الدين الأيوبي، عدنا إلى لبنان وصولا إلى السفارة السورية فى بيروت حيث كان فى انتظارنا السفير السوري لتناول طعام الغذاء،  قضينا يومين فى جنوب لبنان، وعدنا إلى القاهرة الساحرة.
--------------------
بقلم: جمال أسعد عبدالملاك *
* سياسي وبرلماني مصري سابق

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان