20 - 04 - 2024

مدينتي الفاضلة| قلعة الحديد والصلب هي قلعة محمد على ومجمع الأديان

مدينتي الفاضلة| قلعة الحديد والصلب هي قلعة محمد على ومجمع الأديان

شكرا على حشد الأبواق لإقناعنا بقبول قرار تصفية شركة الحديد والصلب.. رافضو القرار وأنا منهم ممنونون لأنه أيقظ ما تصورناه خمد، وهو "صوت الجماهير".. علا الصوت مع نداء الكاتب أحمد الخميسي بالاكتتاب لإنقاذ قلعة الحديد والصلب، وانضم إليه مئات في أقل من ساعة، يتزايدون رغم ثقتهم في النتيجة!! الثمرة المُفرحة لذلك هي نوبة صحيان شعبي لمست ملاك شعر أستاذنا الخميسي، فأمتعنا وطيب خاطرنا، وتَصدًر صورتنا التذكارية بأبياته:- لسه الأمل شغال/ ضد التعب والغلب.. لسه العرق سيال / يروى الحديد والصلب.. وان كنت ناوي تبيع/ الشعب شاريها.. قلب البلد فيها/ وح نعمل اكتتاب.. لسه الأمل شغال/ غنوة على عودي.. تعدي بحور وجبال / يا مصر وتعودى" 

كلماته تضيء مخازن ذكرياتنا، وسجلات تاريخ مصر منارة الشرق ومطمع العالم، أفتح لـ" صوت الجماهير" كلمات الشاعر "حسين السيد"، المحفورة في الوجدان، تنبض مدوية بتصاعد حماسي للحن وصوت محمد عبد الوهاب يوقظ الهمم، ثم يتمايل مع عذوبة دفقات أصوات، نجاة، شادية، فايزة أحمد، فايدة كامل يختمها عبد الحليم.. ترتفع الأغنية لمقام السلام الوطني للأمة العربية عام 1960، وقت أن تصدرت القضية الفلسطينية الأولويات زمان، أيام الأبيض واسود، العدو والصديق، الخير والشر، الاستقلال التام أو الموت الزؤام.. يتغير الزمان وتصمد الأغنية التي دقت طبول استنفار العرب، وتحذير المغتصب " صوت الجماهير/ هو اللى بيصحى الأجيال/ هو اللي بيتكلم/ هو اللي بيتحكم/ هو البطل ورا كل نضال.. الشعب دايما/ كان صوته عال/ والنصر دايما كان للشعوب.. حطمنا الأصنام/ ومحينا الخُدام/ مابقاش فيه عميل بيردد صوت أسياده على المزامير/ توب الغدر بيفضح نفسه حتى لو ملفوف بحرير/ غير الله ما في قوة حتوقف من تيار زحف الجماهير." أغنية ظلت عهد وميثاق ووسام مصري تتوارثه الأجيال، حتى بدأت رياح الخصخصة، وبيع القديم واغتراب تغيير المعالم.   

خبر بيع قلعة مصانع الحديد والصلب في المزاد، خطفنا فلاش باك لصوت إعلان عبد الناصر قرارا جمهوريا عام 1954 بتخصيص مساحة 2500 فدان (10.5 مليون متر مربع) لإقامة مصانع ومدينة سكنية وجامع كبير.. فاز 27 ألف عامل بشرف الاشتراك في بناء أول وأكبر قلعة صناعية رائدة في الوطن العربي، وتأسيس عصر مصر الصناعية.. تم قيد الشركة بالبورصة نفس يوم بداية الإنتاج عام 1961 وتسابق المصريون للاكتتاب، واعتبرت أسهمها شهادات استثمار فخر ووطنية لأولاد كل مصري!! روح الوطنية رفعت استثماراتها 650 مليون جنيها في بداية السبعينات، ورفعت قامات عمالها كخبرات فنية، وثروة وطنية عظيمة.. حتى هاجمتنا رياح انفتاح وخصخصة خماسينية أحنت قامة القلعة تحت عباءة الشركة القابضة للصناعات المعدنية عام 1991، وامتلكت الحكومة 83% من أسهمها قتلها سوء الإدارة، وبدأت الرأسمالية تلتهم أحشاءها يوم توقف إصلاح نصف الماكينات اليدوية الأربعة!! وبأوامر، يدعى الموظفون أنها "عليا" صُمَّت الآذان عن مطالبات عمال المصانع بالإصلاح، أو التحديث، وتم تصنيفهم كمتمردين!! تحقق الهدف وهبط الإنتاج للنصف، وتغلبت روح اليأس، وتم اصطياد أمهر الفنيين إلى مصانع الحديد الخاصة الـ 9 نجوم برواتب خيالية، حلبوهم في تدريب الصغار واستغنوا عنهم!! وفتحت الحكومة المعاش المبكر، مع منع التعيينات لحين الوصول لأقصي تخفيض عمالة 6 آلاف من 27 ألفا لتقليص التعويضات!!  يعلو الصدأ، وتتوالى الخسائر لتبرير البيع رغم تفاني من تبقى، وتنزوي قلعة الصناعة التي أمدت الشعب والجيش بأهم مستلزماته في السلم وفي الحرب.. ويُنصب سرادق العزاء في صالات وشوارع المصانع، ولا عزاء لورثة الزمن والحلم، صمتت الماكينات اليدوية العملاقة، تاركة لهيبها في الصدور، غدا تباع خردة، وينادى على أرضها في مزاد لن يحضره أصحابها!! لينتهي المشهد بأسوأ خطاب تاريخي لوزير قطاع أعمال- غالبا بنصيحة إعلام فاشل- قال" أن البيع لصالح بناء مساكن بديلة لعشوائيات عزبة عنتر الملاصقة للمصانع، لأنهم تضرروا من انبعاثات مصنع اليوريا والأمونيا بكفر الدوار، وستدفع الهيئة الهندسية مقابل أرضها حوالى200 ألف فدان، وتعويض سخي (21 شهرا) لكل عامل!!

ويتبقى إدارة أزمة بيع مفردات قلعة الصناعة خردة! الماكينات اليدوية لمصانع الحديد والصلب هي أثر متحفي لكفاح حلم مصر الصناعية العظيم.. أثر يعادل الآثار الدينية والمعمارية لكونه زاخرا بحكايات بطولات قتلها فساد الإدارة وعمى الرقابة.. أثر لجيل عاش يعمل ويضحي كواجب مقدس، يكد وينام راضيا لأنه شريك في الوطن وفي القرار.. ولأن الفوارق الاجتماعية مقبولة، ولأن التعليم المجاني أفضل من الخاص، ولأن الزراعة مع الصناعة الثقيلة كانت بشًراه بعدالة اجتماعية ورخاء لكل الوطن.

 تمكين القطاع الخاص من احتكار سوق الحديد مخالف للقانون، مثير للشبهات، قاتل للطموح، مؤشر ونذير.. ويسطر نشازا في دفتر تاريخنا، لأنه كفاح شعب مصر ضد نفسه! 
---------------------
بقلم: منى ثابت

    

 

    

مقالات اخرى للكاتب

مدينتي الفاضلة | أنا مش باحبه حب شريف!!





اعلان