25 - 04 - 2024

يوميات مبدع أضناه الاغتراب (6) منين أجيب ناس

يوميات مبدع أضناه الاغتراب (6) منين أجيب ناس

(16)

شتاء 1987 تقريبا عرفت قدماي الطريق إلى النادي الثقافي العربي (النادي القديم على كورنيش بحيرة خالد بالقرب من المقهى الشعبي، وحل مكانه الآن مسجد النور وجزء من مزرعة النخيل، وقد تم الانتقال إلى المقر الجديد في منطقة المجاز 3 بالقرب من حديقة الصفيا).. لم تكن أنشطة النادي الثقافية أقل زخما وحضورا من مثيلاتها في مؤسسات أخرى .. بل كانت الأميز إذا أضفنا إليها الأنشطة الفنية .. تدريجيا تعمقت علاقتي بالمكان وبالعاملين فيه وبالقائمين على انشطته من أعضاء مجلس الإدارة.. منتصف التسعينات أصبحت ساحة النادي وطاولاته المتناثرة هنا وهناك محور أحاديثنا وتجمعاتنا الثقافية والفنية والاجتماعية بعد قرار إغلاق المقاهي .. استاذ الموسيقى وعازف العود نبيل الشرقاوي.. عازف العود حيدر .. فرقة البيادر للفنون الشعبية الفلسطينية التي كانت تمارس تدريباتها في إحدى صالات النادي.. عائلات مصرية وسورية وفلسطينية وسودانية ويمنية كان لها حضورها الطاغي .. ملاعب كرة القدم العامرة بالصيحات والاحتجاجات.. صالة الكاراتيه والكابتن غريب.. عمال الكافيه والجوكر إبراهيم الذي يقوم بأعمال الكهرباء وتصوير فعاليات وانشطة النادي (إبراهيم في النادي العربي – محيي الدين في اتحاد الكتاب).

تتوزع أنشطة النادي على عدة لجان هي الثقافية، الرياضية، الفنية، والاجتماعية، ويترأس كل لجنة عضو من أعضاء مجلس الإدارةفيشكلون  لجانهم.. لكنني لم اعط اهتماما لهذا التشكيل وهذه المهام إلا عندما انضم الصديق القاص والإعلامي محمود الورواري إلى المجلس .. حينها تم اسناد رئاسة اللجنة الفنية إليه.. منتصف التسعينيات تقريبا.. تعرفت إلى محمود.. كان وقتها يعمل في مجلة الشرطي بالشارقة.. جمعتنا صداقة قوية جعلته  يلح أن أنتقل من دبي إلى الشارقة لأقيم في شقة بنفس المبنى الذي يسكن فيه.. وقد كان.. بالكاد كانت تفرقنا ساعات العمل .. نتلقي مساء إما في أمسيات وأنشطة ثقافية.. أو جلسات سمر في النادي أو على مقهى الفنون.. وبمجرد أن أوكلت إليه رئاسة اللجنة الفنية ضمني إلى عضويتها دون أن يأخذ مشورتي.. وبدأنا العمل.. كانت اللجنة الفنية حديثة العهد بين اللجان لذلك تقاطع نشاطها مع نشاط اللجنة الثقافية فيما بعد.. جلسنا نرتب لنشاط اللجنة .. واتفقنا على أن ننشئ صالون الأربعاء باستضافة نبيل الشرقاوي ليقدم معزوفاته على العود مع نهاية كل أمسية.. عروض سينمائية لأهم الأفلام يتبعها قراءات من ضيوف ونقاش مع الحضور.. أذكر أننا بدأنا بعرض فيلم سارق الفرح، وقدمنا أنا والصديق الروائي والصحافي ناصر عراق قراءات شملت مناحي عديدة في فنيات العمل.

كنا ننتهز كل فرصة لوجود أحد الفنانين في الشارقة لنستضيفه .. كان أحمد حجازي من بين المطربين الذين تمت استضافتهم في أمسية رمضانية.. صوت قوي .. ترك الميكروفون وأدى مجموعة ابتهالات ختمها بأسماء الله الحسنى.. لكن حجازي لم يستطع شق طريقه كما ينبغي.. وتعجبت حين رأيته على إحدى القنوات وهو يمتدح (نهيق) أحدهم على الشاشة..

أيضا المطربة وسام حسني التي فازت في مسابقة ليالي تلفزيون دبي الغنائية كان لها حضورها الجميل على طاولة في ساحة النادي.. غنت في الهواء الطلق دون موسيقى أو ميكرفون .. وفي اليوم التالي تمت استضافتها في إحدى قاعات النادي.. هذه نماذج من نشاط اللجنة الفنية دون تقيد بذكر زمن الأحداث لتداخلها.. لكن الحدث المهم والكبير الذي اشتغلنا عليه في اللجنة.. أن قمنا بإعداد سهرة فنية أطلقنا عليها (سهرة مع نجيب سرور).. أخذت منا مجهودا كبيرا استمر لأكثر من شهر في إعداد النص باختيارات من أعمال نجيب الشعرية (فصيح وعامية) ومسرحياته .. وأيضا لمحات من حياته وأزماته.. وتوقفنا كثيرا أمام تجربة نجيب خصوصا مع المسرحية الشعرية (منين أجيب ناس) وملابسات وزمان ومكان كتابتها.. كان معنا في هذا العمل الجميل الممثل المسرحي على الساحة الإماراتية أحمد يوسف، هذا الممثل المتواجد في معظم الأعمال المسرحية لحاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، كانت معنا أيضا الشاعرة الرقيقة رانيا الجزار (إلقاء وعزف على العود)، وأيضا عازف العود اللبناني حيدر، ومن فرقة البيادر الفلسطينية كان معنا عازف الإيقاع إيهاب.

(17)

أكثر من أربعين يوما قضيناها في بروفات السهرة مع نجيب سرور.. توزيع الأدوار ثم تعديلها بما يتناسب مع النص وقائله.. وأحيانا حذف أو إضافة مقاطع جديدة.. لم نتخلف يوما عن الاجتماع حتى وإن صادف إنشغال جميع الصالات كنا نجلس في زاوية على البحيرة خلف مرافق النادي .. كان هناك من يواظب على متابعتنا يوميا أثناء البروفات .. رجل الأعمال السوري مجد أرسلان رحمه الله.. السيدة ألونا المتأنقة دائما وشريكة جلساتنا حتى قبل شروعنا في هذا العمل .. أحيانا يأتي الصديق الشاعر مجدي أبوزيد.. أحيانا الصديق كمال دياب رحمه الله ومعه زوجته.. وآخرون لا أجد فائدة من ذكرهم هنا.. فمن كان يواظب على الحضور كانت لديه دوافعه .. ربما الاستمتاع ببداية التجربة ومتابعتها فنيا.. وربما لدوافع أخرى نعرفها بكل تأكيد.. لكن في كل الأحوال كان الالتزام بالهدوء هو السمة السائدة بعد احتجاجنا الراقي على البعض في البداية حيث كنا نتوقف عن متابعة ما نحن فيه حتى يكف المزعج عن فوضاه.

كانت ليلة العرض بمثابة عرس في النادي.. فقد تم دعوة بعض الشخصيات المؤثرة على الساحة الثقافية .. إضافة إلى المهتمين بالشأن الثقافي من أدباء وشعراء وكتاب.. وكانت شروطنا قبل بداية العرض للحضور .. أولها أننا سنغلق باب الصالة .. ممنوع دخول الأطفال.. ممنوع الخروج والدخول أثناء العرض.. إغلاق الهواتف النقالة .. عدم التحدث مع من حولنا، كنا نعرف تأثير كل هذه التجاوزات على سير الندوات وتشتيت المنصة والحضور.. وفي حالتنا كان العمل جماعيا ويحتاج إلى تركيز شديد خصوصا في تسليم وتسلم الحوار أو دخول الموسيقى والمقاطع الغنائية.. لا أقول إننا نجحنا بإمتياز في تطبيق هذه الشروط.. غير أننا نجحنا كثيرا في تلقين الأعتذارات الفوضوية العربية درسا قويا .. خصوصا الذين حضروا متأخرين عن موعد بداية السهرة.. المهم أن الأمسية انتهت كما تمنيناها وأكثر.. خرجنا من القاعة لنجلس في ساحة النادي كعادتنا بعد كل أمسية أو نشاط ثقافي.. كانت إدارة النادي وقتها تقيم ما يشبه حفل عشاء على شرف ضيوف الأمسيات القادمين من إمارات بعيدة، وذلك في المطعم الأوتوماتيكي الذي كان يستأجر من النادي حيزا مهما مطلا على البحيرة.. لكن هذا لم يكن على خارطة الإدارة فنحن جميعا من سكان الشارقة.. ومن ناحيتنا لم يفكر أحدنا في هذا الأمر ولم يخطر على بالنا بالمرة.. فنحن لم نكن بحاجة إلى عشاء أو غير ذلك.. لكن رجل الأعمال مجد أرسلان كان مهتما بهذه التفصيلات الصغيرة ويحسب حسابها.. اتفق مع إدارة المطعم على إعداد أفخم طاولة عشاء تقديرا لجهودنا.. كما لو كان يبعث برسائل مشفرة إلى البعض.

كان من بين الحاضرين في تلك الأمسية زملاء من اللجان الثقافية لفروع النادي المصري في دبي والعين وعجمان.. تحمس القائمون على النشاط الثقافي في النادي المصري بدبي لاستضافة العرض في أمسية من آماسي شهر رمضان الذي كان على الأبواب.. وافقنا.. كنت في ذلك الوقت اتابع ما يدور في النادي المصري بعجمان (مقر النادي حينها كان في بيت شعبي على شارع الميناء قبل الانتقال إلى فيلا في منطقة مشيرف).. أنا لا أحبذ عمل الشللية في مجالس الإدارات .. رفضت أكثر من عرض لدخول المجلس وقتها.. رفضت أيضا الانضمام إلى لجان النادي رغم ضغوط صديقي المرحوم كمال دياب .. الأمر نفسه كان مع النادي المصري بدبي.. فقد رأيت كيف كانت تتحكم عائلة المخرج التلفزيوني في أنشطة النادي .. لكن المصيبة كانت مع دعوتنا لتقديم العرض.. حيث جاء الموعد المتفق عليه.. راجعنا نصوصنا.. وبعد صلاة التراويح كنا هناك.. هندامنا .. أوراقنا.. آلاتنا الموسيقية.. استقبلنا أحدهم وجاء بالشاي.. سألناه عن مكان العرض.. هي نفس صالة جلوس الأعضاء .. لا مسرح.. لا أجهزة صوت.. لا مقاعد مرتبة لمتابعة عرض.. لا حضور من الأصل.. النادي خال تماما من الأعضاء .. قلت: هيا بنا هؤلاء يستخفون بنا.. قال: كن محضر خير يا أسواني وانتظر فكل شيء سيكون على ما يرام.. قالوا ننتظر.. قلت: انتظركم في سيارتي خارج هذا المكان.. بعد أقل من ساعة تبعني الجميع محملين بسخط على اعتذار الإدارة ..

(18)

منتصف التسعينات تقريبا.. تم نقل مقر اتحاد الكتاب الذي كان بجوار البريد المركزي إلى المنطقة التراثية مقابل بيت الشعر وبالقرب من معهد الشارقة للفنون.. في ذلك الوقت كان نشاط نادي القصة يوم الأربعاء من كل أسبوع في ذروة توهجه .. مجموعة من كتاب القصة القصيرة أخذت على عاتقها مهمة استمرار نشاط النادي تحت أي ظرف.. الناقد والقاص عبد الفتاح صبري.. القاص والناقد محمد عطوة.. القاص والإعلامي محمود الورواري.. القاصة عايدة النوباني.. الشاعرة رانيا الجزار.. القاصة هيمة المفتي .. القاص والروائي العراقي محمود سعيد.. هذه المجموعة كانت تمثل عصب النشاط سواء بالحضور المنتظم أو بالتفاعل بقراءات من إنتاجها أو بأوراق ومداخلات نقدية.. أيضا كان هناك من يأتي على فترات مثل صديقنا الأديب نواف يونس والشاعر وائل الجشي وغيرهم.. وفي هذه الفترة كانت نظرة البعض أن هذا النشاط ليس أكثر من ورشة لا تستحق الاهتمام بها أو متابعة نشاطها في الصفحات الثقافية للصحف (إحدى الصحف خرجت عن هذا التوجه وقامت بتغطية أمسية كانت هي الأولى لزميلتنا هيمة المفتي.. نصف صفحة أصابتها بالدهشة .. علقت حينها أن هذا كثير عليها..!!!) لم نكن مهتمين بموضوع التغطية من عدمه .. بل عملنا واستفدنا جميعا من تجارب بعضنا البعض.. لكن بعد فترة جاءت نتائج جائزة غانم غباش للقصة القصيرة بخبر فوزي بجائزة تقديرية.. وفوز صديقنا محمد عطوة بمركز متقدم ضمن جائزة الشارقة للإبداع.. حينها أقام لنا نادي القصة حفل تكريم كوننا من ضمن الأعضاء المؤثرين.. وتحتم علينا أن يقول كل منا كلمة.. شكرت اتحاد الكتاب ونادي القصة على وجه الخصوص.. قلت إننا عملنا بإخلاص كأعضاء.. لا تكبر.. لا تعالي.. احترام متبادل إلى أبعد الحدود.. وقلت.. إن الأهم هو عملنا دون ضجيج أو انتظار لتغطيات صحافية كما كان يرى البعض.. وخرق إحدى الصحف لتلك التوجهات .. وما أن انتهيت من عبارتي الأخيرة .. يا ساتر..

انبرى الصديق الصحافي والشاعر وائل الجشي مدافعا عن الصحف والصحافة وقال ما قال.. ومن ضمن ما قاله أن تحداني أن أدله على تغطية لنشاط النادي في صحيفته (الخليج).. قلت: وما لك ترغي وتزبد وأنا لم أسم صحيفة بعينها.. إن أردت التغطية عد إلى أرشيف صحيفة الاتحاد .. المفترض أنك متابع للصفحات الثقافية دائما.. في النهاية انتهت الملاسنات بتطييب الخواطر بحجة سوء الفهم.. لكن الزميل الصحافي والشاعر يحيى البطاط (كان وقتها محررا في القسم الثقافي بمجلة الصدى برئاسة الصحافي والروائي ناصر عراق) .. كان له رأي آخر.. تحقيق صحافي تحت عنوان (تشابك بالأيدي في اتحاد الكتاب) .. وصور مركبة مرعبة .. قلت للصديق يحيى ما أعرفه عن ملابسات الموضوع.. قال الجشي: هذا قاص مبتدئ.. قال صفاء الجنابي (كان محررا ثقافيا في صحيفة الخليج): لا أعرف هذا القاص.. 

تكملة لهذه الواقعة أن عدت في العام التالي بمركز متقدم في جائزة الشارقة للإبداع عن المجموعة القصصية (عتمة المرايا) وفي نفس العام الفوز بجائزة تقديرية في مسابقة مجلة الصدى للقصة القصيرة (الدورة الأولى).. وأثناء تكريمنا بجائزة الصدى في فندق برج العرب بدبي .. التقيت الصحافي صفاء الجنابي .. لا أريد أن أقول على لسانه أكثر من الاعتذار .. وأنه كان مرغما على قول ما قاله.. قلت: سأظل مبتدئا إلى أخر حرف أكتبه ولست مشغولا أن يعرفني أحد من عدمه.. ثم سألته.. هل تابعت لي نصا أو قصة في أي صحيفة أو مجلة؟ .. لا.. حسنا، تكفيني هذه الإجابة.

 بالمناسبة وفي هذا الحفل، كانت ترافقني صديقتي مديحة.. فتاة مصرية رشيقة تعرفت إليها وقت أن كانت تعمل في مكتب لتأجير السيارات قرب محل طباعة كنت أتعامل معه (أيام مكاتب الطباعة وقبل انتشار الكمبيوتر).. كانت في كامل هندامها وأنوثتها ورقتها.. تتعلق بذراعي طوال الحفل (خجلا وهيبة للمكان والحدث).. فستان اسفل الركبة بقليل.. ساقان جميلتان ووجه سينمائي .. ترى .. هل كانت هي سبب تجمع البعض من أهل الثقافة والصحافة على طاولتنا؟؟ عن نفسي.. لا استبعد.
------------------------------
بقلم: عز الدين الأسواني






اعلان