26 - 04 - 2024

تصفية شركة الحديد والصلب.. هل كان القرار حتميًا؟

تصفية شركة الحديد والصلب.. هل كان القرار حتميًا؟

أثار قرار تصفية شركة الحديد والصلب المصرية الكثير من الجدل والتبعات التي لن تنتهي بإتخاذ قرار التصفية، وتلقت اليوم محكمة القضاء الإداري أول دعوى قضائية تطالب بوقف تنفيذ القرار الصادر بتصفية الشركة. 

وجاء في الدعوى أن الشركة "تعد ذات بعد استراتيجي، والوحيدة التي تنفرد بإنتاج الحديد الزهر من الخامات المحلية المأخوذة من خام مناجم الواحات البحرية، إلى أن تحوله إلى منتج نهائي قادر على المنافسة في الأسواق العالمية، وتعتمد تكنولوجيا التصنيع في الشركة على استخلاص الحديد من خاماته الأولية، وضربا وتدميرا لهذا المشروع الصناعي العريق وتشريدا لمئات من العاملين تجتمع الجمعية العمومية غير العادية وتضرب بكل ماسبق عرض الحائط وتقرر تصفية شركة الحديد والصلب المصرية".

وقبل يومين اتخذت الجمعية العامة غير العادية لشركة الحديد والصلب قرارًا نهائيًا بتصفية مصنع حلوان، وفصل نشاط المناجم في شركة مستقلة، وتصفية المصنع القديم، بعدما تراكمت خسائر الشركة، وبذلك يسدل الستار عن صرح تحكم بسوق إنتاج خام "البيليت" –المادة الرئيسية لصناعة الحديد- لمدة 67 عام تقريبًا.

وكانت الحكومة ومن خلال سيطرتها على شركة الحديد والصلب المصرية تتحكم في السوق، لكن مع تصفيتها، فإن شركة حديد عز أصبحت المسيطر والمتحكم الرئيسي في سوق إنتاج خام البليت المستخدم في صناعة الحديد، وبالتالي فإن آلية تدخل الحكومة في السيطرة على هذه السوق تتمثل فقط في فتح باب الاستيراد أمام الشركات حتى لا يحدث احتكار في هذه السوق.

وكعادة مثل تلك القرارات التي يعلن فيها تصفية الشركة، يثار الجدل حول أمرين رئيسين، لماذا أتخذ القرار التصفية؟ وما مصير العاملين بالشركة؟  

كانت قد أثيرت إشاعات حول إعادة توظيف هؤلاء العمال في شركات ومصانع أخرى تابعة لقطاع الأعمال، وهو ما نفاه وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، وقال أنه لا يوجد شركات يمكنها تحمل العمالة حالياً، لأن هنالك فائض عمالة في معظم الشركات، ولا يمكن توزيعها على شركات أخرى، ومن المقرر الاحتفاظ بـنحو 400 عامل فقط في الشركة الجديدة المتخصصة في المناجم، وسيتم تسريح نحو 7 آلاف عامل مصري مع تعويضهم من خلال إيراد بيع الأصول التابعة للشركة، وهو ما سيتطلب وقتًا طويلاً، يمكن أن يتمد لعامين، وتمتلك الشركة أصولا ضخمة غير مستغلة، منها أراضٍ تصل إلى 790 فدانا بحوزة الشركة وضع يد بمنطقة التبين، وكذلك 654 فدانا وضع يد بالواحات البحرية، إضافة إلى 54 فدانا مشتراة من الشركة القومية للأسمنت منذ عام وقطعة أرض بمساحة 45 ألف متر مربع بأسوان. 

وأضاف الوزير أن تصفية شركة الحديد والصلب كان أمرا حتميا لتفادي الخسائر، وعدم قدرتها على العودة إلى الإنتاج والعمل مجددا تقسيمها لفصل نشاط المناجم في شركة مستقلة، لافتًا إلى أن سياسة قطاع الأعمال العام، هي عدم تشغيل شركات خاسرة لا أمل في إصلاحها، بينما لدينا شركات خاسرة أخرى، نبذل الجهد لإعادتها لمسارها الصحيح، من خلال دراسات استشارية بعضها لمكاتب عالمية، عندما تكون نتيجتها أنه لا أمل في المصنع يكون السبيل الوحيد هو الإغلاق، مشيرًا إلى صحة قرار إغلاق وتصفية شركة القومية للأسمنت، حيث قال "أغلقنا شركة القومية للأسمنت في 2018، وثبت صحة القرار نظراً لوجود فائض كبير في الطاقة الإنتاجية للأسمنت بالسوق المصري، وكان استمرار الشركة في تحمل خسائر مستمرة ليس مناسباً، وأغلقنا شركة أخرى تابعة للملاحة البحرية".

وقال الوزير إنه جرى فصل نشاط المناجم عن قرار التصفية لوجود أمل في تطويره بالتعاون مع شركة أوكرانية أخرى،وأشار إلى أن مصنع الحديد والصلب متقادم منذ 60 سنة ولم يحدث له تطوير منذ 16 عاماً بسبب سوء الأداء، ولأن بعض الشركات خرجت عن نطاق السيطرة فكان لا بد من تصفيتها، كما أن خسائره أصبحت هائلة لا يمكن تحملها، حيث وصلت الخسائر في العام قبل الماضي إلى 1.5 مليار جنية.

أما فيما يخص الأراضي المملوكة للشركة، فأوضح الوزير أن غرض الأراضي المزمع بيعها لن يكون صناعيا بسبب وجود قرار بعدم وجود مصانع داخل القاهرة الكبرى، ولكن سيجري تغيير غرضها للاستخدام العقاري.

وإحتفى هاني دويدار وهو أحد العاملين في الشركة ما بين عامي 1994 و1996، بقرار تصفية الشركة نهائيًا، وقال دويدار أن الشركة كانت تدار بالفساد وأن العامل البشري هو السبب الوحيد لخسارتها، وحكى عن تجربة عمله مع الشركة، حيث قال أنه رأى عامل المشتريات الذي كان يطالب دائمًا بالرشوة، ورأى عمال الفحص نائمين وكسالى لا يريدون فحص البضاعة ويقبلون بالرشوة للموافقة على الفحص، كذا رأى عمال الصيانة المنوط بهم صيانة المعدات وهم يخربون المعدات الهيدرولكية السليمة لكي يحصلوا على أموال رشاوي من الشركات التي ستورد هذه المعدات مرة أخرى لشركة الحديد والصلب. 

كما كشف المهندس دويدار أن عدد العمالة الزائد بشدة عن الحاجه يعود إلى الإدارات المتعاقبة الفاسدة التي توظف جميع أبناءها في الشركة، مؤكدًا أن هدف بناء الشركة من قبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان نبيلًا وربما بدأت الشركه بعمال وإدارة محترمين ولكن للأسف كان ينبغي أن يتم إعادة هيكلة وبناء الشركة جذريًا منذ أكثر من 40 عامًا. 

وأضاف دويدار أن الدولة كانت ومازالت تحاول بشتى الطرق توفير معدات وحتى إجبار الشركات على تدريب المهنسين في الخارج عند توريد أي ماكينات جديده فضلًا عن الأرباح السنوية والحوافز الشهرية التي لا تنقطع بالرغم من الخسارة السنوية. 

عزام: لم تسع الحكومة لتطوير شركة الحديد والصلب

ويرجع المحلل الإقتصادي نادي عزام قرار تصفية الشركة إلى عدم قيام إدارة الشركة بعمل الصيانات اللازمة للأجهزة والمعدات، إضافة إلى عدم قيام الحكومة المصرية بتخصيص مبالغ في الموازنات التخطيطية لتطوير الشركة، وبالتالي فإنه لم يكن هناك أي بدائل أخرى في ظل هذه الظروف، سوى أن تسجل الشركة مثل هذه الخسائر العنيفة.

 وأضاف عزام إن هذه السوق كانت قاصرة على شركتين، هما شركة الحديد والصلب المصرية التي تم الإعلان مؤخراً عن تصفيتها، إضافة إلى شركة حديد الدخيلة التي استحوذت عليها شركة حديد عز بحصة تبلغ نسبتها 54.3%، ولم يتبق للحكومة المصرية سوى أقل من 50%، وبالتالي فإن القرار أصبح في يد شركة حديد عز ولا تملك الحكومة السيطرة على القرار.

وفنّد عزام خسائر الشركة في السنوات السابقة، حيث كشف أن خسائر الشركة في ارتفاع مستمر منذ خمس سنوات، لكن الخسارة الأعنف كانت خلال عام 2019، حيث سجلت الشركة خسائر تجاوزت المليار جنية لتصل نحو 1.52 مليار جنية، كما تواجه الشركة خسائر متراكمة قيمتها 8.5 مليار جنيه، فإنها تواجه أيضاً ديوناً متراكمة للموردين بقيمة 6.3 مليار جنيه، منها 4 مليار جنيه لشركة الغاز، و1.5 لشركة الكهرباء، و304 مليون جنيه لشركة الكوك، و 116 مليون جنيه لشركة حديد مصر، و 175 مليون جنيه لشركة مياه القاهرة. هذا بالإضافة إلى ديون تبلغ نحو 128.5 مليون جنيه لمصلحة الضرائب.

من جهته رفض الاتحاد العام لنقابات عمال مصر قرار تصفية الشركة، وأصدر الاتحاد بيانًا يعترض فيه على القرار، وقال إن «هذا القرار يأتي في إطار مناخ عام تصنعه الحكومة الحالية لتصفية القطاع العام الذي كان درعا وسيفا للوطن في مجال الإنتاج، وإذا كان قد تعرض لخسائر، فبسبب سوء الإدارة وعجز الحكومة عن التطوير واستغلال الموارد والمقومات، والنهوض بالصناعة الوطنية»، معربًا عن «عن حزنه الشديد بسبب قرار غلق شركة عملاقة وتشريد عمالها البالغ عددهم 7500 عامل، والقضاء على شركة وطنية عملاقة لها تاريخ وطني».

وأوضح الاتحاد أنه «عندما قرر الرئيس جمال عبدالناصر تأسيس شركة الحديد والصلب تحولت إلى قلعة صناعية على مساحة 3 آلاف فدان ودورها كان رئيسيًا في بناء السد العالي وبناء حائط الصواريخ أثناء الحرب، وفي ذكرى الاحتفال بثورة يوليو في السنة السادسة عام 1958 افتتح عبدالناصر الشركة الوليدة لتبدأ الإنتاج في نفس العام باستخدام فرنين عاليين صُنعا بألمانيا، وقد تمت زيادة السعة الإنتاجية للمجمع باستخدام فرن عالٍ ثالث صناعة روسية عام 1973، لحقه الفرن الرابع بغرض زيادة إنتاج الشركة من الصلب عام 1979، ليضم المجمع بذلك أربعة أفران عالية ،وبعد مرور 4 سنوات فقط من تأسيس المجمع ارتفع إنتاجه من 200 ألف طن إلى 1.2 مليون طن سنويًا، وبدأت النظرة المستقبلية للاقتصاد في التحسن».

وأضاف الاتحاد أن «الشركة ساهمت في تنمية شاملة للصناعات الأخرى باعتبارها صناعة مغذية للعديد من الصناعات الأخرى المرتبطة بها في التشييد والبناء والصناعات الثقيلة والخفيفة، وفى مطلع التسعينات، ونتيجة لعوامل كثيرة منها الإهمال والتقاعس عن التطوير ومواكبة التطور العالمى في صناعة رئيسية مثل الحديد والصلب من الحكومات المتعاقبة على مدار أكثر من 20 عامًا، تراجع إنتاج وأرباح الشركة العريقة وما لبثت أن تحولت إلى خسائر مدوية ،حتى وصلت إلى الوضع الراهن مع سبق الاصرار والترصد ،مع العلم أن هذه الشركة متخصصة في إنتاج أكثر من 32 نوع من الحديد».






اعلان