26 - 04 - 2024

من هو شفيع شلبي الذي ينعيه كل مثقفي مصر؟

من هو شفيع شلبي الذي ينعيه كل مثقفي مصر؟

فقدت مصر اليوم واحدا من عباقرتها المظلومين، مثقف عضوي بتعبير جرامشي وسينمائي شامل بتعبيره هو، حيث غيب الموت شفيع شلبي ، عن عمر ناهز ٧٣ عاما.

من الصعب وضع شلبي المولود في 2 مايو 1947م، داخل إطار، فهو إذاعي، وكاتب سيناريو، ومخرج، ومنتج، وتلفزيوني.

عرفه الناس في السبعينات كأشهر من يقدم نشرة التاسعة مساء في التلفزيون، حينما كان يشاهدها الملايين،  وجر عليه فكره التحرري وطريقته في تقديم البرامج وتمرده المبكر المتاعب، كان أول مذيع يطل على الشاشة الصغيرة بملابس كاجوال وقميص مفتوح وشعر مجعد، وفي العام 1979 وقفَ في شارع المعز، وفي الخلفية صوت مياه المجاري وعربات الكارو، يتحدّث عن تاريخ الشارع، ضمن سلسلة عُرفت باسم «الشارع المصري»، وانتقده الكثيرون آنذاك، كيف لمذيع أن يقف وسط القبح، الأمر الذي فسّره في حوار نُشر له فيما بعد، أنه تعمد الوقوف في ذلك المشهد العبثي، كي يدق ناقوس الخطر بشأن العطب الذي أصاب القاهرة التاريخية.

يقول الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد عنه: كان مذيعا واعلاميا مختلفا، عنده طموح كبير لعمل افلام تسجيلية ووثائقية جميلة. أول ظهوره في السبعينات في التليفزيون كان فارقا للعادة، يذهب إلى التليفزيون علي دراجة هوائية ويقدم النشرة ببنطلون وقميص و"فاتح صدره ومنعكش شعره" وفرض هذا عليهم . قدم برنامجا رائعا عن الشارع المصري، وأنتج افلاما تسجيلية وحوارات مع المشاهير من الكتاب وعنده ثروة من الافلام التسجيلية التي انتجها علي حسابه . وكان له دور كبير في اتحاد النقابات الفنية ولم يكن يتوقف عن الحركة وكان دائما مختلفا مع السائد في الحياة الفنية والاعلامية. واجمل ما فيه انه متوافق مع جنونه وحلمه بالديموقراطية

تناولت أعمال شفيع شلبي في تلك الفترة قضايا هامة جدًا في هذه الفترة مثل "تطوير الراديو والتلفزيون، تأسيس وبناء المؤسسات الإذاعية المُفتقدة، تحرير العقل، والتنافسية الإذاعية" وحقق نجاحًا كبيرًا بين الجماهير ببساطته وتلقائيته على الرغم من سلوكه الغريب وقتها، كان متمردًا أيضًا حتى فيما يخص الألقاب الرسميّة، حيث فضل أن يُنادى بالمذيع وليس الإعلامي، وخلال الفترة التي عمل فيها داخل التلفزيون المصري، أي من بداية السبعينيات وحتى بداية الثمانينيات، أصرّ على العمل دون أجر، ويقول: "الأجر في ذلك الوقت كان 97 قرشًا، لكنني لم أتقاضَ من التلفزيون المصري مليمًا واحدًا انطلاقا من رؤيتي بأن الشخص المهني هو في المقام الأول صاحب الرسالة، ومن ثم لابد أن يعمل حرًا لحسابه وليس لحساب الغير".

ظهر شفيع شلبي في ثلاثة أعمال فنية منها «العوامة 70» حيث ظهر بدور مصور أمام أحمد زكي، تيسير فهمي، كمال الشناوي، ماجدة الخطيب، إخراج خيري بشارة عام 1982 سيناريو وحوار فايز غالي، كما ظهر في فيلم «خلف أسوار الجامعة» عام 1981 بطولة شويكار، سعيد صالح، يونس شلبي، صلاح السعدني، جميل راتب، ليلى حمادة، إخراج نجدي حافظ، سيناريو وحوار ضحى نجدي، ومسلسل «علياء والمدينة» عام 1979 بطولة أحمد مظهر، نورا، صلاح منصور،أحمد حلاوة، محمود الجندي، عبدالوارث عسر، إخراج محمد فاضل وقصة فتحي غانم.

جلس شفيع شلبي، على مقعد نقيب المهن السينمائية لدورتين متتاليتين، كما انتخب لمجلس اتحاد السينمائيين التسجيليين عام 1990، و لمجلس جماعة الفنانين والكتاب عام 1999. كما تولى شفيع شلبي، إدارة المهرجان العربي للتلفزيون غير الحكومي عام 1994، وأسهم على مدى أربعة عقود في الكتابة والعمل والإنتاج الفني السينمائي باعتباره إذاعيا، وكاتب سيناريو، ومخرج ومنتج سينمائي وتلفزيوني، وقدم عدد من الأفلام الوثائقية منها «تلك القاهرة»، كان شعاره فيها الانحياز التام للمواطن ولفكره هو بعيدا عن أي توجيه يفقده مبادئه التي كان يؤمن بها ورفض الإقلاع عنها تماما.

ولعل ذلك هو ما دعى إلى استبعاده من شاشات التليفزيون قبل أن يتم إنهاء خدمته ليظل المصريون آنذاك يبحثون عن السبب، وانتشرت وقتها اقاويل بأنه استبعد تماما من التلفزيون المصري بقرار من الرئيس السادات عام 1981 لأسباب سياسية غير مهنية مع آخرين .

ثم جاءت التفاصيل فاتضح أن الموضوع قديم يرجع الي اوائل السبعينيات عندما اجرى حوارا مع وزير الثقافة وقتها يوسف السباعي وسأله عن مصير توصيات مؤتمر للادباء في أواخر الستينيات ظلت حتى تولي السباعي المسئولية دون تنفيذ.. وغيرها من الاسئلة التي اعتبرها السباعي محرجة.. ورغم الحديث عن عصر الحريات وقتها الا انها كانت الحلقة الاولى والأخيرة من برنامجه.

حالة الكره والاستبداد التي عاش فيها شفيع مع نظام السادات تحديدا واجهتها حالة من الحب والتقدير لدى جمهوره وزملائه الاعلاميين حيث ظلت سيرة الرجل تحتفظ لنفسها برونقها في كل الأحاديث عنه ، كما أدى دورا سياسيا، كمنسق للتوافق الوطني بين القوى السياسية في مصر 1995.

 ولم يكن تجاهل شفيع شلبي بسبب تمرده قاصرا على الإعلام المصري ، فحتى “ بي بي سي العربية ” بترت أول لقاء لها معه، بوصفه مؤسس و رأس " مهرجان القاهرة الدولي الدائم للمؤلف السينمائي الكامل "، فلم تذع الا سبع دقائق من لقاء كان المتفق مسبقا على أن مدته عشرون دقيقة، دون ذكر أو إبداء لأية أسباب؟ 

ويقول شفيع إن اللقاء تم تصويره لبرنامجها “ بتوقيت مصر"، في 17 ابريل 2017، و لم يذع الا بعد ستة أسابيع من تاريخ تصويره، فيما كان مدير مكتبها بالقاهرة قد سعى لإجراء هذه المقابلة، قبل خمسة عشر شهرا من تاريخ تصويرها! وتساءل وقتها: هل من تفسير لكل ذلك؟ 

يقول عنه صلاح عيسى، إنه كان مذيعًا لامعًا إلى أن تم تجميده، بسبب تمرده الدائم على التعليمات، وظلت قضية تجميده تشعل الصحف لسنوات، كان خلالها يشغل فراغه بالنشاط في مجالات مختلفة: ثقافية وفنية وتليفزيونية، والقليل منها سياسى.

ويؤكد صلاح عيسى أن القضية المحورية التي تشغل شفيع شلبى، الدعوة لتحرير الإعلام، والمطالبة بإطلاق حرية إنشاء الإذاعات الأهلية وقنوات التليفزيون الأرضية الخاصة، والخطوة الأولى في ذلك، هي الدعوة لتأسيس نقابة للإعلاميين العاملين في الإذاعة والتليفزيون، ولم يكن يكف عن الاتصال بكل من يتوسم فيه القدرة على مساندة المشروع، لمحاولة إقناعه بفكرته، بل إنه سعى لتشكيل لجنة ضمته وبعض زملائه وعددًا من رجال القانون، أعدت بالفعل مشروع قانون بإنشاء هذه النقابة، تمهيدًا لاستصداره من مجلس الشعب.

كان صلاح عيسى متحمسًا لدعوات شفيع المُتمردة، إلا أنه كان يعتقد أن تلك الأفكار سابقة لأوانها، لأنّ الإعلام هو آخر ما سوف تتخلى عنه السلطة التنفيذية، وأن الحكومة يمكن أن ترفع يدها عن كل شىء، من الاقتصاد إلى رغيف الخبز، قبل أن تفكر في التحرير الكامل للإعلام من قبضتها.

ظل شفيع يحلم بامتلاك المواطنين لإذاعات وقنوات تلفزيونية أهلية، عبر اكتتاب شعبي، وظل الحلم بمثابة مؤنسا لشفيع ورفاقه، حتى يوم رحيله.


 







اعلان