28 - 03 - 2024

الموت ب18 الف جنيه في القصر العيني

الموت ب18 الف جنيه في القصر العيني

إذا جاك الموت يا وليدي موت على طول.. 

اللي اتخطفوا فضلوا أحباب 

صاحيين في القلب كإن ماحدش غاب.. 

واللي ماتوا حتة حتة ونشفوا وهم حيين..

 حتى سلامو عليكم مش بتعدي من بره الأعتاب

 أول مايجيك الموت.. افتح.. أ

ول ماينادي عليك.. إجلح.. إنت الكسبان..

 إوعى تحسبها حساب.

هي وصية العمة يآمنة للخال عبد الرحمن الابنودي بدون كورونا ولا مرمطة في طوارئ وعناية مركزة وموظف حسابات (و لازم تدفع الاول) وافراد امن وإدارة عايزين (المعلوم ) تذكرت الوصية وتيقنت أن الموت الكريم هو الموت في البيت وقولتها لاولادي إذا جاءت الكورونا اريد أن اموت في بيتي ولا اريد الطوارئ والعناية المركزة (أم 18 الف في الليلة ). 

هنا في طوارئ القصر العيني (الفرنساوي) تتحول إلي رقم الي شيئ .. ولكنك عند ذويك وأولادك وبناتك اب غال ..واخ غال وانسان كريم.. انت هنا تأتي لتحيا ولكنك تموت .. تموت بلا تفسير للموت ..تموت بالكورونا ربما أو بأمراض اخري مع الكورونا أو بالأهمال .. وتموت بعد أن تدفع ولا تخرج بعد الموت إلا بعد دفع الحساب ولا احد يقول لك تفسيرا. 

في ليلة سوداء قطعت سيارة إسعاف مجهزة طريق صلاح سالم وصولا إلي مجري العيون في 20 دقيقة ومن مجري العيون الي القصر العيني الفرنساوي..داخل السيارة يرقد والد اولادي الراحل الكريم سيد عبد الغني والطبيب المرافق له واثنان من رجال الإسعاف.. كان الترتيب الذي تواصل مع إدارة المستشفي قبل ذلك بساعات أن تصل الإسعاف في الساعة 12 عند منتصف ليل الاثنين الماضي وبدء فجر الثلاثاء وان يدخل الراحل الكريم الرعاية (ام 18 الف ) بمجرد وصوله .. مريض كورونا ويرافقه طبيب ومعه تقرير والأمور مرتبة مع الإدارة والفلوس جاهزة.

وصلت الإسعاف ..فتحت الأبواب انزل المسعفان الراحل الكريم.. طلب الطبيب المرافق أنبوبة اكسجين من الطوارئ .. ببطء شديد ولا مبالاة يتحرك حامل الأكسجين .. يصرخ الطبيب اكسجين .. اكسجين ..لحظات لا تحسب بالثواني ولا بالدقائق في عمر الزمن وانما بانقطاع الأنفاس واقتراب الموت .. نجري في كل اتجاه، يدخل الراحل الكريم ومعه طبيبه المرافق والمسعفان الي الطوارئ .. طوارئ لماذا؟ لا احد يجيب. 

أنت هنا شيئ ..نسأل متي يدخل العناية؟.. لا أحد يجيب ..تمر الدقائق والمريض في طوارئ منطقة العزل المخيفة ..تتحول الدقائق الي ساعة ..يصرخ الطبيب المرافق ..تعلو أصواتنا جميعا فاتت ساعة ولا يدخل الراحل الكريم العناية .. نطلب مدير المستشفي وللحق كان مهذبا ومتفهما لكنه لا يقول الحقيقة! ويقسم أن الاستاذ سيد سيدخل الرعاية بعد5 دقائق .. ونصدقه جميعا وتمر ساعة اخري.. وساعة ثالثة ويقولون بعد 5 دقائق ..بعد 10 دقائق وفي ذروة التوتر والصراخ والخوف والانفاس التي تتلاحق.. والموت الذي يقترب تفتح لنا نافذة صغيرة تظهر منها رأس موظف الحسابات (50 الف تحت الحساب ).. اعتقدنا جميعا أن هذه هي اخر خطوة قبل دخول الرعاية وخاب ظننا للمرة الألف.

لا احد غير رجال الأمن يقول لك خبرا .. الا كلمات بلاستيك خالية من المعاني ..بيجهزوا ..بعد 5 دقائق .. جاوزت الساعة الثالثة فجر الثلاثاء لم يكن أمامنا اختيارات دخلنا منطقة العزل . منطقة الفيروس ..نصرخ فيهم متي يدخل المريض الرعاية ..طلبوا لنا حرس المستشفي ..أيقنت لحظتها ماذا تعني عبارة انهيار القطاع الصحي في مصر ..أيقنت لحظتها الحالة التي تستولي علي ذوي اي مريض يصارع الموت علي ابواب ومداخل وطوارئ المستشفيات ..أيقنت ساعتها أن الموت في البيت اكرم من مهانة الطوارئ في مصر .

دخل الراحل الكريم عناية القصر العيني الفرنساوي وقد اقتربت الساعة من الثالثة والنصف من فجر الثلاثاء.. مكث اسبوعا في عنايتهم ورحل الي عالم آخر ليس فيه إلا رحمة و صدق وحق وعدل الله بلا طوارئ وبلا عناية مركزة ولا انهيار ولا اكاذيب .

الله الذي ندعوه أن يتغمده برحمته الواسعة ..ادعوه اذا جاء الموت بالفيروس أو بغيره أن اموت في بيتي وبين بناتي وابني ولا احتاج إلي مستشفي وطوارئ ومبلغ تحت الحساب وباقي الآلاف الكتيرة قبل الخروج الي المقابر ..ادعوه ان جاء الموت أن اموت علي طول.
---------------------------
بقلم: نور الهدى زكي

مقالات اخرى للكاتب

لسنا في رحلة إلى الرئاسة .. يا سادة!





اعلان